هل تعلمنا من دروس جائحة كورونا؟

آراء وأفكار 2021/02/15 09:46:40 م

هل تعلمنا من دروس جائحة كورونا؟

 سالم روضان الموسوي*

إن كورونا هي جائحة أصابت العالم بالشلل التام بسبب ظهورها المفاجئ، الذي أربك كل الحكومات في العالم وتخبطت في كيفية مواجهتها، وتعددت الأساليب والاجتهادات، واستنفرت كل الجهود الطبية والعلمية والسياسية والقانونية والقضائية وغيرها من مناحي الحياة،

وظهر تعاون دولي غير مسبوق من أجل تفادي أثارها القاتلة والمميتة، والعراق ليس بالبعيد عنها بل كان من بؤرها في منطقة الشرق الأوسط، وتعرض إلى موجة من الإصابات أفقدتنا الأحبة وعرضت صحتنا إلى خطر الموت وعطلت مصالحنا وأوقفت أرزاقنا، كما أربكت حالنا الاجتماعي والسياسي

وكانت السنة الماضية من سنواتنا العجاف في ظل كورونا الفساد السياسي، والملاحظ أن أغلب دول العالم نفعتها جائحة كورونا في تنمية البحث عن الحلول والمعالجات وإعادة النظر في السياسات العامة والتقاليد والعادات الاجتماعية، وتمكنت من تقليل أثارها، لكن في العراق وعلى الرغم من كل ما تعرض له، لم تنهض المؤسسات المعنية بمهامها لمواجهة الموجة القادمة من الجائحة، وإنها حتى لم تدرس كيفية إيجاد مراكز لإيواء المصابين أو البحث في آلية المعالجة للاحتواء وإنما اكتفت فقط بالأساليب البوليسية القمعية، وفي آخر بيان أصدرته اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية في العراق ، لم يكن فيه أي معالجة جديدة او أسلوب حديث يتناسب وحجم الخطر أو على الأقل الانتفاع من تجربة السنة الماضية، فما عملته اللجنة إنها هددت الناس بتعطيل مصالحهم من خلال غلق مصادر أرزاقهم وتعطيل الدوام في الدوائر جزئياً وتعطيل مصالحهم وتربك حياتهم، كما إنها قررت فرض حظر التجوال الجزئي من الساعة الثامنة مساء ولغاية الخامسة صباحاً والحظر الكلي لثلاثة أيام في الأسبوع، وهذه هي ذات الخطوات التي اتبعتها في السنة الماضية، فهل قيّمت تلك الجهات خطواتها في السنة الماضية وهل كان لتلك القرارات جدوى بحيث منعت التجمعات البشرية أو التلامس والتقارب بين الأشخاص في السنة الماضية؟، وهل فعلاّ كان لحظر التجوال أثر في بقاء الأشخاص في بيوتهم؟، أم أنه خلق نوعاً من الاحتكاك بين المواطن والقوات الأمنية المكلفة بالتطبيق والتنفيذ، وهل عملت الجهات المعنية بإيجاد سبل ووسائل جديدة للمعالجة؟ ومنها العمل في المحاكم فهل كان تعطيل الدوام سواء كان جزئياً أو كلياً نافعاً لمنع الأشخاص من التقارب البدني أم أنه خلق نوعاً من الزحام الشديد خارج البنايات، كما خلق حالات كثيرة يتعرض فيها المواطن إلى الابتزاز من أجل تسهيل أموره وتسيير أعماله، وهل فعلاً كان لهذه الإجراءات أثر في تقليل عدد الإصابات؟، اعتقد أنه محل شك لأن التجمعات ومنها المليونية قائمة وكان العدد المعلن من دوائر الصحية يشير إلى التناقص، بينما أضحى العدد في زيادة مع عدم وجود هذه التجمعات، لذلك أرى أن من يتولى أمر البلاد ويعمل على التخطيط لسياساتها العامة غير قادر على إيجاد وسائل أكثر نجاحاً في المعالجة ، فهو لم يفكر في تفكيك الأماكن المكتظة بالأشخاص ومنها المناطق السكنية والمناطق العشوائية، فهو طيلة عام لم يفكر حتى ببناء مسكن واحد خارج نطاق تلك المناطق التي هي بطبيعتها تمثل بيئة لانتشار الأمراض السارية والمعدية بسبب التقارب بينهم في السكن وأن وحداتهم السكنية تأوي عشرات الأشخاص وهي مصممة أصلاً لشخصين أو أكثر بقليل، فأي أسلوب قمعي أو بوليسي بمنعه من التجول خارج نطاق سكنه هو عبث، لأنه سوف يتقارب مع الملايين من الأشخاص الآخرين في منطقته المكتظة سكانياً، كما أن سائر الجهات الأخرى لم تبحث خلال العام الماضي كيفية الانتفاع من آثار الجائحة في إيجاد وسائل حديثة غير تقليدية في إنجاز معاملات المواطنين، ومنها الانتفاع من التقنية الحديثة للانجاز عن بعد عبر الانترنيت، وفي العمل القضائي كان بالإمكان أن نبحث عن سبل غير تقليدية لتقليل وصول المواطن إلى بناية المحكمة من خلال انجاز العديد من معاملاته عبر الانترنيت، وهذه ليس لأنها تمنع انتشار جائحة كورونا وإنما سوف تسهم في منع انتشار جائحة الفساد التي تمثل تحدياً أكبر من كورونا، والخلاصة إننا لا نملك وعي علمي في البحث عن الحلول غير التقليدية وهذا ليس لأن العراقي غير قادر بل إنه يملك طاقة غير طبيعية في مواجهة أي تحدي والبحث عن الحلول، وما مر به العراق من مآسٍ وكوارث منذ ثمانينيات القرن الماضي ولغاية الآن كان الموطن هو من يتكفل بحياته وعيشه ويخلق الفرص لاستمراره بالحياة بينما الدولة غائبة عن مسؤوليتها تجاهه، ولكن السبب الرئيس هو سوء الإدارة في كل مفاصل الدولة، فإنها لا تملك القدرة على ذلك بسبب تغليب المنافع والمصالح الشخصية والفئوية والحزبية، وإنها لا تملك سوى آليات القمع البوليسي حتى في مواجهة كورونا، مثلما تجيد العمل به في تكميم الأفواه وإبعاد الكفاءات عن مراكز القرار المؤثر في البحث العلمي أو البحث عن السبل الحديثة في المعالجة، لذلك لابد للقائمين على الأمر في العراق أن يبحثوا عن سبل ووسائل أخرى فيها مصلحة المواطن، لان الكثير من المواطنين يرى ظناً منهم يصل إلى مستوى الجزم بأن بعض الفاسدين لهم يد في رفع نسب الإصابة وانتشار الجائحة سواء كانت النسب حقيقية أو وهمية لأنها تدر عليهم أموال من منافذ أخرى لملء الجيوب، فكلما يرتفع عدد الإصابات يرتفع معه مقدار الاستيراد للدواء والأجهزة الطبية ومن يتولى استيرادها وتجهيزها للدولة لربما من شركات وجهات لها صلة بالمال السياسي، حيث لم نرَ قيام وزارة الصحة بالاستيراد المباشر من المجهز وإنما عبر الوسطاء والمكاتب والشركات وهذا بحد ذاته نوع من الفساد، وخلاصة القول إن جائحة كورونا لم تنفع الشعب إلا إنها نفعت جيوب الفساد.

*قاضٍ متقاعد

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top