د. أثير ناظم الجاسور
لا يختلف أحد عما يمتلكه العراق من موارد مادية وبشرية تساعده على أن يكون قبلة العالم الاقتصادية والثقافية والسياسية، ولا يختلف أحد أن العراق بعد الاحتلال الأميركي له عام 2003 كان بالإمكان انتشاله من حالة الفوضى السياسية والاقتصادية التي لا يزال يعيشها إذا ما تمت إدارة الدولة بشكل منطقي وعقلاني،
ولا يخفى عن الجميع من أن العراق وبالرغم من القيود الاقتصادية التي كانت تقيده وقوة احتلال على أرضه لكن كان من الممكن أن يستعيد عافيته لو تمت إدارة موارده بالطرق العلمية وتبني سياسات وطنية وأهداف ستراتيجية تصب في مصلحة البلاد، لكن القائمين على حكم العراق أو من نصبوا أنفسهم حكاماً بالقوة سارعوا لأن يكون العراق فقيراً في كل الجوانب وعلى مختلف الصعد، لا بل راحوا إلى تقزيم دوره السياسي والثقافي والاقتصادي وحتى العسكري من خلال اتباع سياسات لا تمت بصلة الى صناع قرار عقلانيين يسعون للبناء والتطوير والتحديث لبعدهم عن هذه المفردات التي قد تصدع أدمغتهم، فلم يعد للعراق أي ثقل إقليمي أو دولي لاسيما وإنه جرد من السيادة والاستقلال في اتخاذ القرار، وهذا ناتج من سياسة العرفان والمحاور التي اتبعتها الأحزاب الحاكمة فالسياستين الداخلية والخارجية أفرغت من محتواها بعد أن خضعتا للمحاصصة في توزيع المناصب والمهام بعد أن خضع التوزيع لثنائية الأغلبية والأقلية وأهمية وقدرة المؤسسة على إغناء من يتولى إدارتها، إن هاتين السياستين أصبحتا عبارة عن مخرجات ما ترتضيه دول الجوار والقوى الكبرى لا قيمة لها على الساحة العراقية لا بل لا فائدة تجنى منهما قد تصب في مصلحة المواطن، بعثات دبلوماسية يرثى لها مواقف في المحافل الدولية أبسط من أن تمثل بلداً مثل العراق الخ ... من الانكسارات، بالتالي تم تفقير العراق سياسياً وسلبه حقوقه التي اليوم بالتأكيد باتت تؤثر على شكل الدولة فيه.
أما من ناحية الخدمات والمؤسسات الأخرى فكل شيء واضح لا يحتاج إلى سرد والتعمق في المشاكل التي باتت أيضاً مخجلة، من ناحية التعليم قرارات ما أنزل الله بها من سلطان وفقدان الكفاءات على قدم وساق وفي بالنهاية العراق خارج التصنيف العالمي، الزراعة والصناعة في اسوأ حالاتها لا يسمح بإنتاج أكثر من 10 % حتى يتسنى للدولة استيراد المواد الغذائية والصناعية من باقي الدولة ضمن صفقات مشبوهة يشترك فيها مسؤولي الدولة، أما الجوانب الصحية فهي في وضع خطير وغريب فكل المرافق الصحية بحاجة إلى إعادة بناء هذا إلى جانب هجرة الأطباء وعمليات الاعتداء عليهم، أيضاً فقدان الرقابة على العيادات الخاصة والصيدليات التي باتت أماكن استغلال للمواطن، وكل السرقات والابتزاز حصلت في ملف الصحة سواء بعقود أبرمتها الوزارة في السابق أو في فترة جائحة كورونا.
اقتصادياً بلد ريعي مرهون بأسعار النفط هبوطاً وصعوداً لا يمتلك أي خيارات اقتصادية بديله، كل الخطوات الاقتصادية خضعت للفساد ولنظام العقود والصفقات المشبوهة ونظرية الكعكة، فالفساد وخصوصاً في هذا الجانب أصبح من بديهيات النظام الذي تعثر حتى في خلق طبقة من رجال الأعمال الصالحين للعمل الاقتصادي وترصينه، فكان ينبغي أن يكون معتمداً على هذه الطبقة التي تساعد في كل الأحوال القطاع العام على النهوض من خلال علاقة تعاونية تشاركية بين القطاعين العام والخاص، لكن التضاد في الرأي والاختلافات السياسية والسرقات وتوزيعها كلها كانت تعطي مؤشرات على أن النمو بالاقتصاد سيحدد منافع الطبقة الحزبية، والأكثر قسوة في هذا الجانب كل ما يحدث عجز في ميزانيات الدولة التي هم سبباً فيها يلجؤون إلى اقتطاع أو سد العجز من قوت المواطن البسيط الذي لطالما هو من يدفع ضريبة سرقات المتنفذين، وما يحث اليوم من اللجوء الى الدين الخارجي وسيطرة الشركات وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول الأخرى والاقتراض الداخلي الذي كان الغرض منه سيطرة الأحزاب من خلال مصارفها على سوق العملة وخزين البنك المركزي كل هذه الممارسات والأساليب ساهمت في إفقار العراق في هذا الجانب.
فعملية إفقار العراق وإفراغه من محتواه مستمرة دون توقف سواء المالية أو البشرية وتحويل كل ما هو ملك للدولة إلى ملك خاص بالأحزاب وشخصياتها المتنفذة.
اترك تعليقك