عيد المرأة ..كم هو حزين وثقيل هذا اليوم!

آراء وأفكار 2021/03/07 10:02:04 م

عيد المرأة ..كم هو حزين وثقيل هذا اليوم!

 فوزي عبد الرحيم

لا تستغرب عزيزي القارئ من قولي هذا في مناسبة تعتبر مفرِحة لنصف المجتمع لأنك لم ترَ ما رأيت ،فقط أبناء جيلي يعرفون ماأقصد!!..لقد تصاعد دور المرأة العراقية بشكل متسارع بعد أربعينيات القرن الماضي مع تزايد أعداد المدارس وإنتشار الأفكار التنويرية والتقدمية وتنامي نشاط الحركة الوطنية التي كان من أهدافها المعلنة دعم حقوق المرأة وتعزيز دورها في الحياة

حتى وصل الأمر لإستيزار إمرأة كأول حدث من نوعه في العالم العربي،لم يكن ذلك مجرد قرار سياسي أو قفزة في الهواء شأن قرارات كثيرة تقدمية المظهر لكنها لا تستند لأساس موضوعي بل كان تعبيراً عن حالة واقعية تتمثل بأجيال من النساء العراقيات اقتحمن كل الحقول والإختصاصات العلمية،إضافة الى المساهمة المتميزة للمرأة العراقية في مجال العمل السياسي حيث تقدمت الصفوف نساء مناضلات وتنويريات كن تعبيراً عن حيوية المجتمع العراقي ونجاح جهود النخب السياسية والاجتماعية والعلمية الذي تم التعبير عنه بقبول المجتمع للمرأة ودورها ..لقد تحقق التقدم في حقوق ودور المرأة واقعياً نتاجاً لتطور المجتمع ونضال نخبه مع إن ذلك لم يترافق مع قوانين تؤطره أو تدعمه،لكن الواقع الذي خلقته النضالات والجهود تجاوز الأطر القانونية والحقوقية حتى بلغ الأمر أن سلطة الزعيم عبد الكريم قاسم ومن أجل اللحاق بالواقع المتطور للمرأة سنت قانوناً للأحوال الشخصية هو الأكثر تحرراً في العالمين العربي والإسلامي نص على حقوق للمرأة إستفزت رجال الدين الرجعيين..أليس من حقي أن أكون حزيناً في يوم كهذا؟ في مثل هذا اليوم من العام 1959 وفي لحظة تألق وطنية وإنسانية جرت إحتفالات غير مسبوقة وغير ملحوقة بمناسبة عيد المرأة .. قبل سنين عرضت إحدى القنوات الفضائية المحلية فيلما وثائقياً عن تلك الاحتفالات أتمنى لو أن بناتنا وأخواتنا يشاهدنه ليرين في أي هوة سحيقة يعشن الآن بعد ذلك النور وتلك الحرية..لقد نزلت ألوف مؤلفة من الشابات والصبايا العراقيات من خلفيات إجتماعية و دينية وأثنية مختلفة بأناقتهن وأزياءهن الملفته وشعورهن المنسدلة على أكتافهن وهن يهتفن بكل ثقة للحياة والحرية محاطات بمحبة وتشجيع إخوتهن وآباءهن ..في لقطة ذات مغزى عميق وفي أثناء الاحتفالات التي رعاها الزعيم عبد الكريم قاسم وفي سينما الخيام حيث مراسيم الإحتفال الرسمي يهمس أحد مساعدي الزعيم في أذنه أن هناك محاولة إنقلابية تجري الآن في الموصل..عندما تشاهد اللقاء المطول مع أول طبيبة عراقية وهي سانحة أمين زكي والذي أجرته قناة عراقية وهي تتحدث عن ذكرياتها تشك في أنها تتحدث عن العراق ،وعندما تشاهد لقاءات أخرى عن سيدات عراقيات مناضلات وأكاديميات لا أشك أنك عزيزي القارئ ستحزن مثلي وستغضب على مَن كانوا السبب في المصير ألذي إنتهت إليه بناتنا واخواتنا ..

في العام 2007 كنت أعمل في أحدى المنظمات حيث كان علي أن ألتقي بأشخاص من جنسيات عدة، في أحد الأيام تحدث معي أحد هؤلاء عن تخلف المرأة العراقية ودورها الهامشي في الحياة،وإن الأمر يحتاج لجهود دول التحالف لتطوير دورها وإستعادة حقوقها..إنزعجت من كلامه وفقدت حلمي رغم أنه لم يكن له قصد سيئ بكلامه ، فقد إسترجعت في ذاكرتي شريطاً من الأحداث لدور المرأة في بلدي لا أظنه يعرفه أو يتصوره..في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي إنتقلت إلى الدراسة الجامعية حيث الممارسة الحقيقية لحرية المرأة من جهة ولنظرتنا نحن الشباب لحقوقها،لقد عشت حياة جامعية لا تختلف كثيراً عن الحياة الجامعية التي رأيتها في الولايات المتحدة الاميركية ،لم تكن أزياء الطالبات تختلف عن نظيراتهن في أوروبا وأميركا،والعلاقات مع زملائهن كانت طبيعية ومتحضرة ونظرة الطالب والطالبة لبعضهما كانت تحمل التقدير والاحترام ولا أتذكر طيلة سني دراستي الخمس أي مشكلة ناجمة عن سوء إستخدام الحرية فرغم أن الميني جوب كان الموضة السائدة في ملابس الاناث حيث التنورة القصيرة بدرجة غير محتملة في الوقت الحاضر لكننا رغم أننا كنا في عمر الشباب والإثارة فإن عيوننا كانت مهذبة ومتحضرة..

أليس من حقي أن أحزن في يوم سعيد كهذا؟

أنا حزين نعم لكني لا أدعوا الآخرين للحزن بل أرى أن الوقت حان لتدارك التراجع المستمر منذ قرابة الست عقود..أنا لست موهوماً بإمكانية دور فعال للمرأة العراقية وإعطائها حقوقها المستلبة ووضعها في موقعها الإنساني الذي حددت لها طبيعة الأشياء،بالكلام الجميل والإرشاد والوعظ ،فدون ذلك تحديات سياسية وإجتماعية صعبة ومعقدة أولها وأهمها تحقيق تغيير سياسي جوهري يأتي بعقليات متحضرة ومتحررة تملك أدوات التغيير واللحاق بالإنسانية فحقوق المرأة لن تتحقق بتوفر منظومة حقوق قانونية مكتوبة مهما كانت جيدة ومتقدمة ما لم يتحرر المجتمع ككل ويستعيد سيادته وإستقلاله وقراره السياسي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top