في حوار مع الفيلسوف الكاميروني ( آشيل مبيمبي ): لقد تمّ تحويل أجسادنا الى مصدر تهديد لنا

في حوار مع الفيلسوف الكاميروني ( آشيل مبيمبي ): لقد تمّ تحويل أجسادنا الى مصدر تهديد لنا

ترجمة : عدوية الهلالي

لقد غيّر فايروس كورونا طريقة تفكيرنا ، ويقول الفيلسوف الكاميروني آشيل مبيمبي إن هنالك من قام بتحويل هذا الفايروس الى سلاح ،

فعندما نخرج من منازلنا ، قد نصاب بالفايروس أو ننقله الى الآخرين وهو ماضاعف من عدد الإصابات في عموم العالم مع وجود آلاف الحالات من الوفيات المؤكدة .. ويؤكد مبيمبي قائلاً : الآن لدينا جميعاً القدرة على القتل ..أما العزلة فهي مجرد شكل واحد من أشكال تنظيم هذه القوة " لقد ابتكر مبيمبي البالغ من العمر 62 عاماً- والذي مارس التدريس في عدة جامعات آخرها جامعة ويتواترسراند في جوهانسبيرج - مصطلح "مقابر الموتى" في عام 2003.

وفي عمله ، إذ يبحث مبيمبي في الشكل الذي تقرر به الحكومات من سيعيش ومن سيموت ، وكذلك كيف سيعيشون ويموتون، ويعد اشيل مبيمبي شخصية رئيسية في ظهور موجة جديدة من النظرية النقدية الفرنسية ، وقد كتب على نطاق واسع في السياسة والفلسفة المعاصرة

وتظهر نتائج الوباء حقيقة أن الفايروس لا يؤثر على الجميع بالتساوي. وهناك جدل حول إعطاء الأولوية لعلاج الشباب والسماح للمسنين بالموت. كما أن هنالك أشخاص مثل رئيس البرازيل ، جاير بولسونارو ، يصرون على أنه لا يمكن إيقاف الاقتصاد حتى لو كان ذلك يعني أن بعض السكان يجب أن يموتوا من أجل ضمان الإنتاجية. فقد قال الرئيس البرازيلي "أنا آسف ، هذه هي الحياة".

ويرى مبيمبي أن "النظام الرأسمالي قائم على التوزيع غير المتكافئ لفرصة العيش والموت ... إذ كان منطق التضحية هذا دائماً في قلب النيوليبرالية ،ولطالما عمل هذا النظام مع فكرة أن البعض أكثر قيمة من البعض الآخر. ويوضح مبيمبي: "تلك الشريحة التي لا قيمة لها تكون قابلة للاستهلاك!"

وفي مقابلة أجريت معه ، جرى سؤال الفيلسوف مبيمبي عن انطباعاته الأولى عن الوباء ، فقال :

-في الوقت الحالي ، يغمرني حجم هذه الكارثة. إن فايروس كورونا هو كارثة حقاً وهو يجلب لنا سلسلة من الأسئلة غير المريحة. أن هذا الفايروس يؤثر على قدرتنا على التنفس

* وهل تجبر الحكومات والمستشفيات على تحديد من سيستمر في التنفس.؟

-نعم، السؤال هو كيف تجد طريقة للتأكد من أن كل فرد سيتمكن من التنفس. يجب أن تكون هذه أولويتنا السياسية. أعتقد أيضاً أن خوفنا من العزلة في الحجر الصحي مرتبط بالخوف من مواجهة محدوديتنا فهذا الخوف له علاقة بمشكلة تفويض موتنا للآخرين.

*هل تمنحنا العزلة الاجتماعية بعض القوة على الموت ؟

-نعم ، قوة نسبية، يمكننا الهروب من الموت أو تأجيله، ويحتل احتواء الموت صميم هذه السياسات المثيرة للجدل، وأنا اعتبرهذه قوة ، لكنها ليست قوة مطلقة لأنها تعتمد على أشخاص آخرين.

*هل تعتمد العزلة أيضاً على الآخرين؟

-نعم، شيء آخر هو أن العديد من الأشخاص الذين لقوا حتفهم لم يكن لدينا الوقت لتوديعهم، إذ تم حرق جثث العديد أو دفنها على الفور دون تأخير ، كما لو كانت قمامة يتم التخلص منها في أقرب فرصة. ويحدث منطق الإقصاء هذا تحديداً في لحظة نحتاج فيها على الأقل من الناحية النظرية إلى مجتمعنا ... ولا يوجد مجتمع دون القدرة على توديع الراحلين وبدون تنظيم جنازات. السؤال هنا هو: كيف نخلق مجتمعات في أوقات النكبات؟

*ما هي عواقب الوباء على المجتمع؟

-سوف يغير الوباء الشكل الذي نتعامل به مع أجسادنا، فقد تم تحويل أجسادنا إلى مصدر تهديد لنا، والنتيجة الثانية هي تغيير الشكل الذي نفكر فيه بالمستقبل ، ووعينا بالزمن. لقد صرنا فجأة ، لا نعرف كيف سيكون الغد.

* يبدو أن جسدنا يشكّل أيضاً تهديداً للآخرين إذا لم نبقَ في المنزل؟

- نعم، الآن لدينا جميعاً القدرة على القتل، فسلطة القتل أصبحت ديمقراطية بالكامل، والعزلة هي على وجه التحديد هي شكل من أشكال تنظيم هذه السلطة.

*هناك جدل آخر يبرز هنا عما يجب أن يكون في هذه المرحلة أولوية للسياسة ، إنقاذ الاقتصاد أو إنقاذ السكان، فقد أشارت الحكومة البرازيلية إلى أن الأولوية يجب أن تكون الحفاظ على الاقتصاد؟

- هذا هو منطق التضحية الذي كان دائماً في صميم الليبرالية الجديدة ، وينبغي أن يطلق عليه النيوليبرالية ، ولطالما عمل هذا النظام بجهاز إحصائي ، والفكرة هي أن بعض الأشخاص أكثر قيمة من غيرهم ، وتلك الشريحة التي لا قيمة لها هي قابلة للاستهلاك، والسؤال هنا هو ماذا نفعل مع أولئك الذين قررنا أنهم لا قيمة لهم. هذا السؤال ، بالطبع ، يؤثر دائماً على نفس الأعراق ، ونفس الطبقات الاجتماعية ، ونفس الجنس.

* سيكون هذا الوباء مثل وباء فايروس نقص المناعة البشرية ، حيث أخرت الحكومات الإجراءات لأن الضحايا كانوا على الهامش ... السود ، المثليون جنسياً ، متعاطو المخدرات؟

- من الناحية النظرية ، يمكن لفيروس كورونا أن يقتل الجميع. الجميع مهدد. ولكن هنالك اختلاف بين أن تعيش في مسكن في منطقة ريفية أو أن تكون في الصفوف الأمامية تعمل في منشأة طبية بدون قناع، اليوم هناك درجات لكيفية توزيع المخاطر.

*أشار العديد من الرؤساء إلى المعركة ضد فايروس كورونا بأنها حرب، هل اختيار الكلمات مهم في هذه اللحظة؟ لقد كتبت في عملك (مقابر الموتى) أن الحرب هي تمرين واضح ؟

-من الصعب تسمية ما يحدث في العالم. إنه ليس فايروس فقط بل إن عدم معرفة ما سيأتي هو ما يجعل الدول في جميع أنحاء العالم تكرر المصطلحات القديمة المستخدمة في الحرب. علاوة على ذلك ، يتراجع الناس وراء حدود دولهم القومية.

*هل هناك ارتفاع في القومية خلال هذا الوباء؟

- نعم ، يعود الناس إلى منازلهم كما لو أن أسوأ شيء يمكن أن يحدث في الحياة هو الموت خارج المنزل. ويتم إغلاق الحدود. أنا لا أقول إنهم يجب أن يكونوا منفتحين ، لكن الحكومات تستجيب لهذا الوباء بإيماءات قومية ..

*بعد هذه الأزمة ، هل سنكون كما كنا من قبل؟

-في المرة القادمة سنصاب بشكل أقوى مما حدث خلال هذا الوباء. الإنسانية نفسها موضع تساؤل. ما يكشفه هذا الوباء ، إذا أخذناه على محمل الجد ، هو أن تاريخنا على الأرض غير مضمون. ليس هناك ما يضمن أننا سنبقى هنا إلى الأبد. حقيقة أنه من المعقول أن تستمر الحياة بدوننا هو الموضوع الرئيسي لهذا القرن!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top