سحر الحرية والفن ..في رواية ( صيف في ميرادور)

سحر الحرية والفن ..في رواية ( صيف في ميرادور)

ترجمة : عدوية الهلالي

تتفوق فلورنس ديلاي في الصيغ القصيرة المختصرة في كتابة المقالات والقصص ، ولكن يعتمد التوازن الدقيق لديها بين الخفة والعمق على مدى التوسع لبلوغ هيكل الرواية ،

كما تأتي غزارة كتاباتها الحقيقية من تناولها تغيرات الحياة وانفتاحها على المفاجآت ..من هنا تمنح فلورنس ديلاي روايتها ( صيف في ميرادور) الصادرة حديثاً عن دار غاليمار للنشر الكثير من الحرية في زمن القيود...

تقودنا ديلاي الى خوض مغامرة منذ جملتها الأولى :" وصلنا الى ميرادور عبر طريق وعر وملتوي " وتخبرنا السطور التالية أن سيارة مادلين – بطلة الرواية – رفضت أكثر من مرة الصعود الى أعلى التل ، ثم اضطرت ماريان –الابنة الصغرى التي رافقت والدتها الى باريس الى الذهاب واحضار مساعدة لأكمال الرحلة والوصول الى الهدف ، وهو منزل كبير مخصص لقضاء العطلات مبني بين أشجار الصنوبر على قمة تل ..

تتألق مادلين في منزلها بالحب الذي تكنه لأبنتيها الشابتين ، وتدين بتمتعها بهذا المنزل الى زوجها بول الذي ورثه عن والده ، وهو جراح ثري من بيارتيز ، لكن ضيوف منزلها يطلقون عليها اسم ( ماديلو) عندما تستقبلهم في مسكنها الصيفي في صيف أوائل السبعينيات حيث ستدور أحداث القصة وحيث ستستقبل مادلين وابنتها ماريان خمسة رجال سيتعين عليهم العيش معهن لمجرد أن تجعل من مسكنها مكاناً مناسباً للعيش مع الناس مع توفير المساحة المناسبة للجميع ليعيشوا بحرية ودون تقييد ..

أحد هؤلاء الرجال هو زوجها (بول) وهو صديق قديم لمادلين ورئيس سابق لقسم الطب النفسي في إحدى المستشفيات وأحد اعلام المجتمع الطبي الباريسي ، والذي دفعته أحداث عام 1968 الذي تقاعد فيه الى الاحتفاظ بغرفته ومكتبه والانتقال من باريس ليكرس وقته للكتابة لكن بعد العاصمة ومافيها من مراجع تاريخية يحتاج اليها في تطوير روايته كان يثقل كاهله ..وتشغل مادلين حجرة نوم بجوار حجرة نوم زوجها في الطابق الأول – على سبيل التعامل بديبلوماسية في زواجهما – أما ابنتها ماريان فستحصل مع صديقها أوكتاف على حجرة نوم في الطابق الثاني ، وهو طالب إيطالي ثري ، وخادم أوكتاف الذي جاء برفقة شريك له يقدمه على أنه ( غودسون) ويبدو واضحاً أن هنالك علاقة مثلية تجمع بين الاثنين لذا يشغلان حجرة مشتركة وتقوم مادلين بتلبية طلبات الجميع ..

هنا ستبرز مهارة مادلو وعبقريتها الحقيقية في الحد من الصراعات الحتمية التي قد تنشأ بين ضيوفها ..بول -على سبيل المثال – من سلالة اشتراكية راديكالية وأكاديمي لايخلو من التصلّب ..إنه يتقبل ديانة أوكتاف اليهودية من دون التفكير في أنه سيدخل الى العائلة على الاطلاق ، أما مادلين فلاتزال ليبراليتها تسمح بوجود خادم أوكتاف بين ضيوفها ، بشرط ألا تحيّد مثليته الجنسية عن حدودها الطبيعية في المنزل ..ولكي تردم الفجوة بين الضيوف تقوم بتنمية المبادرات والنزهات كما ترعى حب الفنون التي تسود في ميرادور ،فابنتها ماريان تعمل على كتابة روايتها الثانية ، بينما يعمل أوكتاف في إنتاج الأفلام وتقوم مادلين نفسها بترجمة أعمال هولدر لين يساعدها في هذه المهمة صديق ألماني فضلاً عن المراسلات التي تتبادلها مع رينيه شار ، وتستفيد مادلو أحياناً من مساعدة ماريان لها لأنها تمتلك لغة جيدة ..

ومن الضيوف الآخرين ابن عم بول الذي احتفلت مادلو بزيارته بحماس وهو قسيس دومينيكاني في سجون مرسيليا ، وقد أظهر تفانياً شجاعاً لخدمة اليهود تحت حكم فيشي ، ولهذا يعترف أوكتاف لصديقه بأنه يفضل هذا القسيسي الدومينيكاني على جميع أفراد ( عائلته الرائعة ) الجديدة..

ويأتي سحر رواية فلورنس ديلاي من ولعها بالكتابة واعتمادها على العمل لإعادة تنظيم حياتها كما يحلو لها وتدعمها تلك الطاقة التي تستمدها من والدها والذي أهدت له كتابها ( نيرفال ) في عام 1999..وتعود ديلاي في هذه الرواية الى الصيغة السردية التي ابتعدت عنها في كتبها الأخيرة جزئياً لصالح المقالات القصيرة ..

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top