إخلاص داود
هزّ رأسه وهو يقول في تحسر: «سنتان وأنا اتحاشى مطباً صناعياً من الطابوق والاسمنت، وضعه أحد ابناء منطقتنا في الشارع المؤدي لسكني، والسبب ببساطة أنه يخاف على أطفاله، الذين يلعبون في الشارع ولا يستطيع السيطرة عليهم»، ويضيف قائلاً: اضطر لقطع مسافة أبعد للوصول الى بيتي، خوفاً على سيارتي التي تهتز كـ(خرخاشة طفل) حين عبوري على المطب.
ويتابع جاسم فرهود سائق تكسي «سايبا» خمسيني العمر، قائلاً: لم نشتكِ، لأننا نرى أنه لا جدوى من الشكوى، وكذلك لم نسمع شخص اشتكى وحُلت مشكلته من قبل الجهات المسؤولة، ولكن أهالي المنطقة ذهبوا اليه أكثر من مرة وأقنعوه بخفض ارتفاع المطب».
ظاهرة المطبات الصناعية، التي يضعها الأهالي في الأفرع مجاور منازلهم، من الظواهر السلبية المنتشرة في أغلب محافظات العراق، وتعد سبباً آخر للحوادث، كما تعرقل سير المركبات أو تلحق الضرر بها، لمخالفتها لشروط السلامة المرورية والمواصفات القياسية لوضع المطبات في الشوارع.
في محافظة كربلاء اشتكى عدد كبير من المواطنين من الذين التقتهم «المدى» من ظاهرة المطبات الصناعية، التي يضعها سكان المناطق والمحال التجارية والحرفية سواء في الشوارع الرئيسة أو الفرعية.
لفت الانتباه!
كان منهم «فراس حمود» شاب من أهالي منطقة الغدير، الذي تحدث عن الأسباب التي تدفع بعض المواطنين لوضع المطبات قائلاً: يضع أصحاب المحلات والحرف المطبات الصناعية لإجبار سائقي المركبات على إبطاء السرعة بهدف لفت انتباههم، وهو نوع من الترويج على حساب الممتلكات العامة والمواطن.
وأضاف، ويضعها أصحاب الأسواق التجارية من أجل تأمين الطريق للأطفال الذين يتسوقون منهم، ومنها من قام بإنشائها الأهالي أمام منازلهم بطريقة عشوائية خوفاً على أولادهم من السيارات المارة، ويستخدمون إما الإسمنت والطابوق أو وضع كتلة طينية أو حفر الشارع المعبّد، فتؤدي الى تسكر وتصدع التبليط وهذا يؤدي لمشاكل للذي يسير راجلاً أو سائقاً لتجمع المياه الآسنة وتحفر الطريق فتجعل السيارة ترتج.
ضعف تطبيق القانون
من الجهة القانونية ذكر المحامي أحمد محسن لـ»المدى» عقوبة المتسبب بالفوضى والتخريب قائلاً: إن المادة 197 من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، عاقبت بالإعدام أو السجن المؤبد أو المؤقت كل من خرب أو هدم أو أتلف أو أضر ضرراً بليغاً وعمداً الممتلكات والمرافق العامة والمباني والمنشآت الحكومية.
وتابع محسن، ويُحكم على الجاني بدفع قيمة الشيء الذي خربه أو هدمه أو أتلفه أو أضر به، ولكن وكما يقال «من أمن العقاب أساء الأدب» فقد أسهم ضعف تطبيق القانون والتهاون من قبل المسؤولين المحليين في محافظة كربلاء ، في التجاوز على الممتلكات العامة والتمادي على حقوق المواطنين وتسبب في إتلاف سياراتهم، فلم نسمع يوما أن بلدية كربلاء فرضت غرامة على مواطن لأنه قام بحفر شارع تبليط!، وهذا يدل على التكاسل الواضح للواجبات المناطة بهم.
وبيّن المحامي محسن، كذلك هناك فقرة القانون وهي «أن الإضرار التي تلحق بالأماكن العامة يكون تقدير ذلك أمر متروك لتقدير محكمة الموضوع» تعد سبب أخر في عدم تطبيق القانون بشكله الصحيح.
من جانبه، قال مسؤول إعلام مديرية مرور كربلاء رياض الحمداني لـ»المدى»: ليس لدينا معلومات عن الغرامة التي تفرض على المتجاوزين لأنها من اختصاص مديرية البلدية والطرق والجسور في الطرق الخارجية.
وحتى المطبات الصناعية كثير منها تمت إزالتها من قبل البلدية في الوقت الحاضر لأنها غير مجدية وفيها تأثير اقتصادي على المجتمع ما عدا الضروري منها.
ويضيف، الحمداني، تقوم مديرية المرور شعبة شؤون السير بالتنسيق مع مديرية البلدية شعبة هندسة المرور التابعة لهم ليتم اختيار المطب من قبلهم للمكان الذي يحتاج إلى مطب أو من خلال مختار أو وجهاء المنطقة يقدمون طلب الى البلدية أو المرور ويتم بعد ذلك توجه اللجنة المعنية أعلاه من قبل المديريتين أعلاه لغرض ملاحظة الطلب هل يحتاج أم لا وبعدها يتم اتخاذ القرار وينفذ حصراً من قبل البلدية.
وأوضح مسؤول شعبة البيئة في مديرية بلدية كربلاء حازم محمد حسين: قانونياً وضع المطبات من اختصاص شعبة هندسة المرور، ويتم وضع المطبات من قبل لجنة من هندسة المرور التابعة لمديريتنا بالتنسيق مع مديرية مرور كربلاء وإجراء كشف مشترك للموافقة على نصب المطب، وخلافاً لهذا الإجراء فجميع المطبات التي توضع غير قانونية وتعد تجاوزات على الممتلكات العامة.
المطبات الصناعية منافع وأخطار
وضعت المطبات الصناعية لضبط حركة السير لسلامة الأفراد وإجبار سائقي المركبات على تخفيف سرعتهم، لذا تعد إحدى طرق الأمن والسلامة الناجحة، أما في حال افتقارها للأسس العلمية المدروسة والمواصفات الصحيحة، مثل المكان، الارتفاع، ودرجة ميل وانحدار المطب، واللوحات الإرشادية، تصبح مضارها أكثر من نفعها وسبباً آخر للحوادث وإلحاق الضرر بالمركبات.
وعن منافع ومضار المطبات الصناعية يقول علي فاضل سائق مركبة من أهالي الحسينية: المطب الصناعي نافع عندما لا يكون كبيراً وانخفاضه تدريجي، وكذلك إلا يكون شكلها عمودياً فتؤدي الى كسر إطارات السيارة، خصوصاً التي نُفاجأ بها في الشوارع لعدم وجود إشارات تنبيهية أو عدم تلوين المطبات، فلا يستطيع السائق تقليل سرعته بشكل تدريجي ، أو تشغيل أضواء الانتظار في السيارة فترتطم به السيارة التي خلفه، ولكن لا ننكر فوائدها خصوصاً أمام المدارس والمجمعات التجارية ونحن نسمع بارتفاع أعداد حوادث الدهس بسبب السرعة الجنونية عند المرهقين والشباب.
ويقول سعد الشريفي سائق تكسي من أهالي حي العامل: المطبات التي تكون مسافاتها متقاربة ، إحدى المشاكل التي نعاني منها واعتقد أنها وضعت بشكل عشوائي كما لاحظنا أن هناك مطبات توضع ثم يتم رفعها، لكثرة شكوى الناس لأنها ضارة أكثر ماهي نافعة وتتسبب بحوادث وهذا يدل على عدم التخطيط الصحيح .
وأضاف، وكذلك هناك مشكلة أخرى وهي نزول مستوى بعض المنهولات عن المطلوب والتي تشكل خطراً كبيراً على الأهالي والمركبات
قواعد ومعايير عامة
بدورها بينت، مسؤول إعلام طرق وجسور كربلاء المقدسة خيريّة محمد: المطبات مطلوبة في بعض الشوارع التي تتطلب تخفيف السرعة وتكون مأهولة بالسكان، وحسب قانون الطرق رقم (35) سنة( 2002) لايسمح بوضع المطبات على الطرق الخارجية التي هي ضمن مسؤوليتنا كون السرع عالية مما يسبب حوادث مروريه مميته.
وأوضحت محمد، فلا يُعقل مثلاً وضع المطب على شارع دولي وذلك لأن مثل هذا الشارع أصلاً مخصص للسرعات العالية، إما وضع المطبات داخل حدود البلدية فهي من مسؤولية البلدية حصراً.
الى ذلك قال رياض الحمداني: هناك عدة تدابير وقائية وضوابط مرورية يجب أن تلازم جميع المطبات منها منبهات أرضية وهذا ما معمول به في دول العالم ومنها وضع شاخصة ارشادية في مكان واضح ومكشوف على المطب نفسه، ووضع عاكسات أرضية على المطب، ووضع العلامات الأرضية الخاصة، ووضع مصابيح إنارة متتابعة، ومن الضروري أن تكون تدريجية خفيفة.
وبين الحمداني، ولكن بعد خسارة البلدية لكثير من الأموال حول شراء المطبات الاصطناعية الجاهزة واستهلاكها بشكل سريع ارتأت المديرية أعلاه استخدام الاسفلت بدلاً عنها ويكون شكلها انسيابي بشكل يسهل الاجتياز ويقلل الخسائر.
عيوب في بداية العمل
ويقول عباس رياض من أهالي حي الحر: بعض الشوارع يتخللها عيوب منذ بداية العمل بها تؤدي الى حوادث مرورية وتكبد المواطن خسائر مادية، فمن البديهيات مثلا ان يكون مستوى «المنهولات» موزاي لمستوى الشارع ولكن نجد الكثير من «منهولات» المجاري أما مرتفعة عن مستوى الشارع او منخفضة، فكيف يمكن تطبيق البديهيات في حياتنا العشوائية تلك؟.
وعن أرتفاع وانخفاض «منهولات» المجاري أوضح لنا الحمداني، إن وضع المنهولات هو من اختصاص الجهة المنفذة للمشروع والسبب هو تلكؤ أو تسليم العمل قبل إكماله لأنها يجب أن تكون بنفس مستوى الإسفلت الخاص بالطريق.
إن السبب الرئيس عند إنشاء أي مطب سواء الكيفي أو الصناعي لتخفيف السرعات العالية للمركبات ولمنع الحوادث المختلفة كالدهس والاصطدام، وعليه فالمشكلة لا تتعلق بحاجة المواطن للمطبات بقدر تعلقها بالتزام ذات العلاقة بوضع مطبات بمواصفات عالمية لحماية أهالي المناطق والمشاة وتنظيم المرور وإجبار سائقي المركبات على إبطاء سرعتهم، لضمان أقل الخسائر في الأرواح والممتلكات، ولحين إنفاذ هذه الخطط المدرجة على أوراق القوانين العراقية منذ سنين وتطبيقها على أرض الواقع يبقى الوضع على ما هو عليه!