TOP

جريدة المدى > عام > فيليب روث يبحث عن كافكا

فيليب روث يبحث عن كافكا

نشر في: 6 إبريل, 2021: 10:18 م

ترجمة: أحمد فاضل

فرانز كافكا هو المسؤول عن وصولي إلى براغ في البداية ، فقد بدأت أقرأ كافكا بجدية فـي أوائل الثلاثينيات من عمري في وقت شعرت فيه بالفزع الشديد لأجد نفسي أنجرف بعيداً ،

لحكايات كافكا عن التشويش الروحي والطاقات المعوقة ، فإن تلك السنوات الشاقة وفرت لي وسيلة لاختراق كاتب عظيم تهربت مـن همومه سابقاً ، جعلني على استعداد تقريباً لأن أكون ممتناً للعرقلة والارتباك اللذين عانيتهما لبدء الاتصال بأدبه ، إن الـطرق التي سمح بـها كافكا للهوس بملء كل ركن فيها ، والكوميديا الخطيرة الغريبة الـتي كـان قادراً على تأليفها من طقوس الاتهام والدفاع المملة والـمرهقة ، زودتني بعدد مـن الأدلة حول كيفية تقديم الخيال والتعبير عن انشغالاتي الخاصة .

في جامعة بنسلفانيا ، حيث أقوم بتدريس الأدب فصلاً دراسياً واحداً مـن كل عام ، بدأت في قراءة ودراسة روايات وقصص كافكا مع طلابي الجامعيين ، بعد أن قرأوا “ الرسالة إلى أبيه “ التي كتبها كافكا في سن 36 ، كنت أحياناً أسألهم أن يأخذوا كافكا كنموذج لهم ومحاولة كتابة الرسائل على أنها صريحة للذات ، سواء أكانت موجهة للآباء أو الأمهات .

وبسبب اهتمامي بكافكا قررت أثناء سفري في أوروبا في ربيع عام 1972 ، البقاء لبضعة أيـام في براغ لرؤية مدينته ، وفور وصولي إلـى الفندق في ساحة وينسلوس ، قمت بتسليم أمتعتي وبدأت فـي المشي ، مشيت معظم الأيام الأربعة التي قضيتها هناك ، محاولاً بوعي تام أن أنظر إلى كل ما قد ينظر إليه كافكا ، باحثاً عن الأماكن التي عاش فيها هو وعائلته ، وتحديد الشوارع والمواقع المذكورة في رسائله ومذكراته . وكما ورد في سيرة ماكس برود عن الطقوس المتبعة في زيارة قبر كافكا ، أكملت حجّي إليه فـي المقبرة اليهودية في فينوهرادي ، حيث قمت ، مثل أي عدد من الزوار قبلي ، بوضع حصاة على حافة قبره .

في طوافي اليومي بساحة البلدة القديمة حيث كان كافكا في صالة الألعاب الرياضية وكان والده يدير عمله ، كنت أتجول دائماً في الشوارع الجانبية لما كان يوماً ما حي اليهود ، قمت بجولة في تلك المعابد التي احتفظ بها هتلر في براغ فقط من أجل تحويلها ذات يوم إلى متحف لإحياء ذكرى تدميره ليهود أوروبا ، زرت مبنى البلدية اليهودي وعدت كل يوم للسير عبر المقبرة اليهودية القديمة المؤلمة خلف كنيس بينكوس ، داخل الكنيس ، درست عرض صور الفنانين والمثقفين اليهود في براغ الـذين أنشأوا مجتمعاً درامياً وصحيفة ومسرحاً للأطفال ودورياً لكرة القدم في معسكر الاعتقال في تيريزين ، قبل أن يحرقهم النازيون في النهاية ، ، خلال الزيارات الطويلة التي قمت بها على مـر السنين لإنكلترا، فرنسا وإيطاليا ، شعرت بأنني أي شيء آخر غير أميركي عابر ، لكن في غضون الساعات القليلة الأولى من المشي في هذه الشوارع بين النهر وساحة البلدة القديمة ، أدركت أن هناك نوعاً من الارتباط موجود بيني وبين هذا المكان ، الذي لا بد أنه لم يكن يختلف كثيراً في الأيام السابقة عـن تلك الأحياء في منطقة ليمبيرج النمساوية المجرية وكييف القيصرية ، حيث كان فرعا عائلتي يعيشان قبل هجرتهم إلى أميركا فـي بداية القرن، وأثناء بحثي عن معالم كافكا ، كان لديّ لدهشتي بعض المعالم التي شعرت أنها مثل خاصتي .

قبل وصولي إلى براغ في ربيع عام 72 ، كنت قد أرسلت برقية إلى مدير دار أوديون للنشر ، وسألني عما إذا كان بإمكاننا الاجتماع أثناء إقامتي ، في أوائل الستينيات ، نشر

أوديون أول كتابين لي هما : “ وداعاً كولومبوس “ و “ التخلي عن “ ، لقد تلقيت استقبالاً كريماً في دار النشر ، وخلال محادثة لطيفة مـع رئيس الدار وموظفيه ، سألتهم عـما إذا كانوا مهتمين بكتابي المنشور مؤخراً في أمريكا ، رواية “ شكوى بورتنوي ، “ وهجائي من إدارة نيكسون ، قيل لي إن كلا الكتابين لم يعتبرا مناسبين للترجمة مـن قبل السلطات ، علمت لاحقاً أنه في الواقع تم التكليف بترجمة “ شكوى بورتنوي “ ، ترجمة جديدة ، ومـن الواضح أنها اكتملت في عام 1969 ، ولكن تم حظر نشرها في النهاية بسبب محتواها الجنسي .

كما اتضح ، لم تكن السلطات التشيكية وحدها هي التي اعتبرت هذين الكتابين غير مناسبين للقراءة للمواطنين التشيك، وافقت السلطات الأميركية في واشنطن ، في تقييم “ شكوى بورتنوي” الذي أعدته وكالة المعلومات الأميركية - التي تشرف على المكتبة العامة الملحقة بالسفارة الأميركية في براغ ، بالإضافة إلى مكتبات السفارات الأخرى في الخارج - تم اقتراح ذلك بسبب ما وُصف بأنه “غريب “الجنس المصور في الرواية ، قد يكون من الأفضل استبعاده من المكتبة المدعومة من الحكومة. فقط خلال زيارتي الأخيرة إلى براغ ، في أبريل 1975 ، علمت بالإقصاء المنهجي مـن المكتبة لتلك الروايات من قبل الكُتّاب الأميركيين الذين أعاروا الأنشطة المثيرة التي اعتبرتها غريبة “ ، مسؤولون فـي واشنطن ، عند عودتي إلى أمريكا ، كتبت رسالة إلى جيمس كيو ، مدير وكالة الولايات المتحدة الأميركية ، سألته عما إذا كان يشرح لي الإرشادات التي تستخدمها وكالته في تحديد الكتب التي توصي بإدراجها في الولايات الـمتحدة الأمـيركية ، مكتبات في تشيكوسلوفاكيا وحول العالم ، والتي بدلاً من الرد على استفساري بأي شيء يشبه الحقائق الثابتة ، انتهى الأمـر بالتعبير عن الامتنان لاهتمامي ببرنامج الوكالة .

الراحة الوحيدة التي استطعت أن آخذها من رسالة السيد كيو - واعتبرها مصدر راحة كبيرة - هي معرفة وكالته ، في حين أنها قد تستبعد من المكتبات التي ترعاها الحكومة (والمدعومة من الضرائب ) فـي الخارج ، الكتب التي تجدها مزعجة ، وأعتقد أنه لا يمثل “ الأفضل “ في الحياة الأميركية ، عاجز تماماً عن التدخل فـي نشر وتوزيع الكتب في أميركا ، الأمر المؤسف بالطبع هو أننا ، يجب أن نرغب في أن نقدم للتشيك ، أو لأي شخص ، فكرة أن أدبنا أكثر تحكماً مما هو عليه الحال في الواقع ، خاصة وأن غياب الضوابط ، السياسية وغير ذلك ، هو ما يميز حياتنا الثقافية عن حياتهم .

كان هذا الاختلاف بالتحديد هو الذي عمّق فضولي بشأن تشيكوسلوفاكيا ، كان الغرض من زيارتي الأولى إلى براغ هو معرفة المكان الذي عاش فيه فرانز كافكا ، عدت إلى براغ لأنني أردت أن أعرف كيف تمكن من العيش هناك ، والعمل في ظروف كانت غريبة تماماً ، وعندما كنت مستعداً للعودة إلى براغ في زيارة لمدة أسبوعين في الربيع التالي ، كنت قد قرأت كل مـا يمكن أن أجده في الترجمة ،الروايات والقصص والقصائد والمقابلات والمقالات والخطب لأهم الكتاب التشيكوسلوفاكيين المعاصرين ، أنا متردد في أن أذكر على وجه التحديد الكُتَّاب الـذين بحثت عنهم وتعرفت عليهم عندما عدت إلـى براغ فـي ربيع عام 72 ، في زيارتين لاحقتين ، أصبحوا أصدقاء لـديّ لهم قدراً كبيراً من المودة والتقدير .

من بين زياراتي هذه ، نشأت صداقات شخصية ، وكذلك الاهتمام بالأدب التشيكي الحالي ، والذي بدوره شجعني على قراءة أعمال الروائيين الذين كانوا يعملون في جميع أنحاء أوروبا الشرقية منذ نهاية الحرب العالمية مترجمة ، ثانياً ، قبل عام ، بعد فترة وجيزة من عودتي من زيارة إلى بودابست

تمكنت من جذب اهتمام دار نشر بنجوين لبدء سلسلة معاد طبعها يُطلق عليها “كُتّاب من أوروبا الأخرى “ ، في هذه السلسلة التي أنا المحرر العام لها ، سيتم نشر ثلاثة أو أربعة كتب لبعض الروائيين البارزين الذين يعيشون ويعملون في بلدان أوروبا الشرقية كل عام ، مع مقدمات للمساعدة في وضعها في سياق أدبي وتاريخي من أجل القراء الأميركيون ، “ الحب المضحك “ أول كتاب من تأليف التشيكي ميلان كونديرا ، و “ خنازير غينيا “ للودفيك فاكوليك ،

وسيتبعهما كتابان بولنديان هـما عبارة عن قصص معسكر

الاعتقال ، ورواية لتاديوس كونويكي حملت عنوان “ كتاب أحلام أوقاتنا “ ، وهي رواية محيرة ومروعة عن حرب أحد رجال العصابات السابقة ، تطارده ذكرياته عن الدماء التي أراقها هو وآخرون خلال الحرب العالمية الثانية ، في اليوم الآخر فقط تلقيت رسالة من الناشر السيد كونويكي البولندي تعبر عن فرحه لصدور هذه الروايات .

عن / صحيفة نيويورك تايمز

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: حصاد العام 2024

من مسالك الإبهار والمخاتلة السردية

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

التشكيلي العراقي عبد العزيز الدهر..هل هي عودة لمعارض الألوان المائية المنحسرة؟

علي جواد الطاهر.. مشيّد ركائز النقد الأدبي في العراق

مقالات ذات صلة

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له
عام

إيجادُ المعنى في كونٍ لا معنى له

ميسرة كمال*ترجمة: لطفية الدليميغيابُ المعنى يخلعُ الألوان من حياتنا ويجعلها باهتة. كلّ شيء مع غياب المعنى يتضاءل إلى لون رمادي خافت، ويتحرّكُ بكيفية آلية وبلا مبالاة كاملة نحو وجهة تعبث بها أيادي القدر. تماماً...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram