متابعة : إياد الصالحي
ألهب بعض المدربين الوطنيين حماسة النقاد والجمهورعلى طاولات رمضان الحوارية، لتناول مصير الملاكات الفنية العراقية التي عانت التهميش والإقصاء من قبل مجالس إدارة اتحاد كرة القدم السابقة منذ نيسان عام 2003 حتى تشكيل الهيئة التطبيعية نيسان عام 2020، سبعة عشر عاماً لم يكن خلالها المدرب الوطني مُدلّلاً في مهمّات المنتخبات، مثلما أغدِقَ على المدربين الأجانب من أموال ومعسكرات ومجاملات على حساب نتائج أغلبها “بائسة»!
يتساءل عديد المهتمين في تطوير الكرة العراقية، هل ظَلم المدرب العراقي نفسه بإنزوائه في تجارب محلّية مستنسخة من موسم لآخر، ولم يبالِ لرفع مستوى كفاءته ليثبت حضوره العربي والآسيوي سواء مع الأندية أم المنتخبات؟ ليس صعباً بيان حقيقة ذلك، فالمسؤولية هنا مناصفة ما بين مجلس إدارة اتحاد الكرة والمدرّب نفسه، وغالباً ما تدخل ظروف بلدنا كطرف ثالث لما عاناه المدرب من معوقات إدارية ونفسية أطاحت بآماله الفنية التي حاصرتها تبعات الحروب والأزمات بدءاً من منع التأشيرة ولم تنتهِ عند شُح فرص العمل في الخليج أو بعض الدول العربية المتقدمة.
تبعات حرب 90
ثمّة حقيقة موجعة أسّست القناعة الراسخة بعدم تأهيل المدرب الوطني - مهما كان اسمه وتاريخه - وفقاً للتدرّج الفني المصاحب للتجارب القوية والدورات الخارجية المتزامنة مع معايشات نوعية تصقل إمكاناته الى درجة كبيرة من الاحترافية أثناء أداء مهامه، وهذه الحقيقة تعود بنا الى ما بعد حرب 1990، حيث تم حرمان المدرب العراقي من حقوق كثيرة، حاله حال الرياضة برمّتها عقب إصدار حزمة من العقوبات بتجميد أنشطتها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، لعب الاتحاد العربي لكرة القدم برئاسة السعودي فيصل بن فهد والمجلس الأولمبي الآسيوي برئاسة الكويتي أحمد الفهد دوراً مؤثراً في تطويق أية مبادرة لتحرير الرياضيين العراقيين من قبضة العقوبات طالما أن منظومة الرياضة تدار من قبل نجل رئيس النظام عدي صدام حسين (1985-2003).
مدربون بالفطرة!
كيف تضرّرت الكرة العراقية من تلك العقوبات؟ بلا شك أن عنصر التدريب من أهم مقوّمات النهوض باللعبة في أي بلد، وكان أغلب المدربين الكبار أمثال عمو بابا وأنور جسام وأكرم سلمان وواثق ناجي وجمال صالح وعبدالإله عبدالحميد وحازم جسام ويحيى علوان ونصرت ناصر وعامر جميل وغيرهم قد شارفوا على وضع خواتيم مشاويرهم منتصف عقد التسعينيات بعد رحلة طويلة ممتدة من مطلع عقد السبعينيات تلقوا تعليمهم التدريبي بالفطرة المحلية والممارسة الموسمية لقيادة الفرق في مسابقة الدوري لأكثر من خمس وعشرين نسخة وبعضهم أكثر من ذلك، مع دورات تطويرية نادرة لمدراء فنيين من ألمانيا وإنكلترا تم انتدابهم في بغداد لبضعة أيام وفقاً للعلاقات الخاصة.
حصار البدلاء
بداية عام 1992، استلم أغلب مدربي اليوم المهام من أساتذتهم المنوّه عنهم، وامتهنوا التدريب عبر دورات أولية، أمثال عدنان حمد وحكيم شاكر وباسم قاسم وأيوب أوديشو وهادي مطنش وثائر أحمد ونزار اشرف وثائر جسام وشاكر محمود وحسن أحمد وغيرهم العشرات، بدأوا مساعدين لمدربين كبار أو عملوا مع فرق متوسّطة، ثم تولّوا القيادة لاحقاً على رأس الملاكات الفنية لأندية جماهيرية أو مثابرة، هؤلاء ومن جاء بعدهم أسِّسوا طوال التسعينيات تحت وطأة الحصار والتحرّك المقيّد في تجارب ضعيفة ضمن دوريات الأردن ولبنان واليمن وسوريا، ولم يُسمح لهم بالتدريب في الخليج إلا لعدد محدود مع فرق الفئات العمرية بداية عام 2000، ومنهم من توجّه للمعايشة على نفقته الخاصة في أوروبا مثل الكابتن عدنان حمد الذي أختار ناديي إنتر ميلان وروما عام 2001.
المعيار الأساس
لا عجب أن يكون تاريخ مدربي قمة الفرق في الدوري العراقي الموسم 2020-2021 يعود الى هذه الحقبة المُظلمة والظالمة من تاريخ اللعبة نتيجة الحروب والسياسة والمقاطعة والقيود، لكنهم اجتهدوا وحققوا البطولات مع فرقهم المحلية وكذلك مع المنتخبات، إلا أن معظم تلك المنجزات لم تخرج عن دائرة بطولات آسيا المستوى الثاني أو مع الفئات العمرية، فالمعيار الأساس الذي بقي عصياً على المدرب الوطني هو (كأس العالم وكأس آسيا ودوري أبطال آسيا) الثلاثي الصعب الذي فضح قدراته مهما برّر وشكا، لم يزل طموحه بعيداً عن هذه التحدّيات، وبالتالي لن نبخس حق من لفت الانظار الى جهوده في دورات الاولمبياد أو بطولات الخليج أو غرب آسيا أو العرب أو مونديال الشباب، لكن قيمة الانجاز الحقيقي يرتكز على قوة المنافسة وبراعة اسلوبه وحداثة تفكيره لبلوغ أدوار متقدمة في القمم الثلاثة.
اللغة.. والنرجسية
ولا يخفى على الجميع إن جميع المدربين يعانون من ضعف تسويقهم الى دوريات الخليج المستوى الأول خاصة في قطر والسعودية والإمارات، فالسطوة دائماً لمدربي المغرب العربي لامتلاكهم سيرة ذاتية قوية على صعيد نتائج مهامهم التدريبية، وكذلك إجادتهم التحدّث بلغتين أو أكثر وهي واحدة من أسباب تقوقع المدرب الوطني في الدوري المحلي لسنين طويلة، فضلاً عن اكتفائه بالحصول على شهادتي A و Proوينقطع عن أية دورة تطويرية خارجية أو تثقيف نفسه بمتابعة أحدث أساليب التدريب بسبب شعوره بنرجسية كبيرة أنه بلغ الكمال الفني بين أقرانه!
درس منير
رابطة المدربين التي يتناوب على رئاستها قحطان جثير ورحيم حميد تتحمّل مسؤوليتها في تدني مستوى المدرب الوطني، ولم تتدخل حتى بوضع ضوابط مثل بقية الروابط بالمنطقة تمنع تسلّم المدرب المُقال أية مهمة في الموسم نفسه مع نادٍ آخر، لما تسبّبه من انتقاص لقيمة المدرب ذاته الذي يتوجب عليه احترام مهنته، ولا يبقى يدور بين الأندية بذريعة مَن لا يبقى تحت أضواء الدوري تُضعف ثقة الأندية به فيُهمل ويُنسى! بينما الصحيح أن يعطي الفرصة لغيره مثلما أعطى المدرب الشاب قصي منير درساً بليغاً لزملائه عندما علم بمجالسة رئيس نادي الديوانية حسين العنكوشي مع مدرب آخر أثناء وجوده على رأس الفريق سارع لتقديم استقالته حِفْظاً لكرامته، بينما تشير الاخبار المسرّبة من نادٍ متقدّم في لائحة الدوري أن مدربه الحالي تسلّم المهمة بعد تنسيقٍ خلف الكواليس أطاح بالمدرب السابق الذي تلقى مكالمة مفاجئة من مساعده (استاذي.. أبق في بيتك، الإدارة اتفقت مع مدرب جديد) !
فوضى عارمة
نتساءل مع المدرب الوطني المحتج على ظُلم الاتحادات السابقة باعتماد مدربين أجانب :دُلّنا عن دوري في العالم، بل في دولة تصنيفها متأخّر بين الاتحادات الكروية، هل شهدت إقالة واستقالة خمسة وعشرين مدرباً في موسم واحد؟ فبعد قرار نادي زاخو بإنهاء التعاقد مع المدرب سامي بحت أمس الأول الأثنين بعد تقديم استقالته لم يبق سوى المدربين أيوب أوديشو (القوة الجوية) وعصام حمد (أمانة بغداد) في مأمن من الإقالة قبل بدء الجولة التاسعة والعشرين من مسابقة الممتاز في السابع والعشرين من نيسان 2021، ألا يعني ذلك فوضى فنية عارمة يتحكّم بها المدرب والنادي في ظل غياب اتحاد اللعبة الذي يرى الموضوع محصوراً بين الطرفين بحكم وثيقة التعاقد؟
اسحبوا الاحتجاج
إذاً، عندما تنتهي الفوضى، وتسود النظم واللوائح وينال المدرب الوطني حقه دون مجاملة أو مؤامرة أو تزكية من حزب أو مسؤول أو جماعة، وبعد أن تكون الشروط المهنية معياراً للمفاضلة بين هذا المدرب أو ذاك لتسلّم منتخب وطني لفئة عمرية، ويتمكّن المدرب المحلي من تأكيد جدارته في قمم البطولات الثلاث، اسحبوا قبل ذلك كل تصريحات الاحتجاج ضد المدربين الأجانب لمنتخب الأسود ما بعد عام 2003 بالتوالي (الألماني ستانج، والبرازيلي فييرا، والنرويجي أولسن، والصربي بورا، والألماني سيدكا، والبرازيلي زيكو، والصربي بتروفيتش والسلوفيني كاتانيتش) برغم سوء اختيار بعضهم وعدم استحقاقهم الأموال الطائلة التي يتباكى البعض عليها دون أن يعترف بحقيقة انعدام الثقة بالمدرب المحلي التي تكبر شيئاً فشيئاً في مباريات الممتاز وتنفجر سريعاً في أول مباراة دولية أو تصفيات بطولة!
اترك تعليقك