حكاية الجند.. اليوميات والمذكرات والرسائل الشخصية التي توثق للحرب

حكاية الجند.. اليوميات والمذكرات والرسائل الشخصية التي توثق للحرب

قراءة: علاء المفرجي

حكاية الجنود هي قصة الحروب الحديثة كما يرويها الرجال الذين خاضوا القتال الفعلي، يفحص صاموئيل هاينز في كتابه حكاية الجند..

الحرب والذاكرة والمذكرات في القرن العشرين) الصادر من جامعة الكوفة بترجمة فلاح رحيم، المجلات والمذكرات ورسائل الرجال الذين قاتلوا في الحربين العالميتين وفي فيتنام، وكذلك الحروب التي خاضت ضد الضعفاء والعاجزين في معسكرات الاعتقال ومعسكرات أسرى الحرب والمدن التي تعرضت للقصف.

من خلال تشابك أفكاره الخاصة حول الحرب مع مقاطع مختارة ببراعة من روايات الجنود، يقدم إجابات حية على السؤال الذي نطرحه جميعًا على الرجال الذين قاتلوا: كيف كانت؟ في هذه الصفحات القوية، تصبح تجارب الحرب الحديثة، التي تبدو غير متصورة لمن لم يكونوا هناك، مفهومة وحقيقية.

يشمل النطاق الواسع من الكتاب الذين تم فحصهم كلاً من كتاب المذكرات الأدبيين المشهورين مثل روبرت جريفز، وتيم أوبراين، وإيلي ويزل، والجنود المجهولين الذين كتبوا قصصهم الحربية فقط. باستخدام هذه الشهادات، ينظر هاينز إلى كل حرب من حيث ظروفها الخاصة وتأثيراتها على الرجال الذين قاتلوا، إن فهمه لعلم نفس الحرب - ودور كل حرب في التاريخ - يعطي هذه الدراسة سلطتها الفكرية. أصوات الرجال الذين كانوا هناك، وكتبوا عما رأوه وشعروا به، أعطته تأثيراً درامياً قوياً.

صموئيل هاينز ناقد أكاديمي بارز عمل في جامعة برنستون الأميركية ونشر العديد من الدراسات المهمة في أدب الثلاثينيات في بريطانيا، منها كتابه (جيل أودن: الأدب والسياسة في انكلترا الثلاثينيات 1982) ودرس شعر توماس هاردي، وتناول الحقبة الادواردية في الأدب الانكليزي. لكم مايجعل كتابه كما يقول المترجم فلاح رحيم، "فريداً من نوعه، أنه خدم طياراً حربياً في قوات البحرية الاميركية أثناء الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، أي أنه امتحن تجربة الحرب بنفسه وكتب عنها عنها مذكراته فضلاً عن كتابه هذا. وهذه المزايا في شخصية المؤلف تنعكس في أسلوب كتابه هذا الذي يجمع النبرة الاكاديمية الرصينة الصبورة في التقصي والتوثيق والنبرة العاطفية المؤثرة التأملية في سياقات التجارب الحربية على المستوى الإنساني."

الكتاب بحث جاد وموسوعي صادق من أجل فهم حقيقة الحرب أولاً. مالذي يعنيه أن يجد المرء نفسه في الخطوط الأمامية مشاركاً في القتال وضحية له؟ ويجد هاينز أن أفضل وسيلة لبلوغ هذه المعرفة الخاصة هي دراسة المدونات الشخصية للجند المشاركين في القتال، فيستعرض عدد كبيراً من كتب اليوميات والذكرات والرسائل الشخصية والروايات التي تعتمد سيرة المؤلف والتقارير الصحفية المكتوبة على خط المواجهة.. وهو مسح لاتقلل سعته من عمقه وتأثيره، ويخلص منه هاينز الى تقديم صورة حية مؤثرة لطبيعة الحرب الحديثة وما تثير من مشاعر وتداعيات لدى المشاركين فيها. وبينما تنشغل كتب التاريخ والسياسة بالأرقام والسياسات والستراتيجيات والمواقف يتركز هذا الكتاب على الأفراد الذين يقع على كاهلهم عبء المعركة الفعلية.

وتبقى الغاية الأساسية من ترجمة الكتاب أقرب الى هموم الثقافة العربية الراهنة. فالمدونات الشخصية للمشاركين في حروبنا الحديثة لم تلق ما تستحق من الاهتمام على مستوى الدراسة الأكاديمية الرصينة فضلاً عن إهمال هذه المدونات والتقاعس عن السعي في نشرها، كما أن هذا الكتاب يقدم للقراء العرب الذين شهدوا تجربة الحرب والعنف، أو يمكن أن يتعرضوا لها في حقبة عنف وحروب أهلية وإقليمية مدمرة، نماذج مدروسة بعناية تكشف آليات مثل هذه الكتابة وميدان رصدها وطبيعتها الفنية. وهو مايمكن أن يشجع الشهود على القيام بدورهم في التسجيل والتوثيق.

ويرى هاينز: "إن العمق في رصد تجربة الحرب يكمن في دقة التفاصيل، وهو ما يمنح معرفة الشهود المكانة التي تستحقها." كما يرى أيضاً: إن الانسان لايمتلك في مواجهة تجارب ساحقة تقرب من الإبادة وتسلبه كل حول وقوة إلا سلاح التوثيق وسيلة يحافظ بها على كرامته ويستعيد زمام المبادرة لفعل شيء يتحدى به إستهانة الحروب بوجوده الفردي والإنساني.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top