التغيير الجذري المنشود

آراء وأفكار 2021/05/18 10:13:23 م

التغيير الجذري المنشود

 د. كاظم المقدادي

كانت الانتخابات النيابية المبكرة أحد المطالب الأساسية لثوار تشرين، وكان الهدف منها بلوغ التغيير الجذري للعملية السياسية، وإزاحة الطغمة الحاكمة الفاسدة الجاثمة على صدور العراقيين، والتأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي ولدولة المواطنة ولسيادة القانون والعدالة الإجتماعية الضامنة للحياة الحرة والكريمة للغالبية العظمى من العراقيين.

هذا المطلب الشعبي الهام جوبه، كما شهد القاصي والداني، بمساعٍ خبيثة حثيثة من قبل الطغمة الحاكمة، لتشويه مساره، بل ولمسخه كلياً. وما انفكت تسعى جاهدة لوأده، من خلال تأجيل الأنتخابات، مرة أخرى ، وحتى إلغائها، مختلقة ذرائع شتى، بغية البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، لا سيما بعد أن لمست حجم الموقف الشعبي الرافض لسلطتها وتحديه لكافة وسائلها القمعية الدموية..

واليوم، أفرزت الأوضاع السياسية والأقتصادية- الإجتماعية الراهنة وسط الشارع العراقي العريض موقفين مختلفين من الأنتخابات النيابية المبكرة المقرر إجراؤها في تشرين الأول القادم:

الأول - موقف رافض للمشاركة فيها، وقد شرعت تتبلور جبهة شعبية رافضة، مؤلفة من قوى مدنية ووطنية ديمقراطية وتشرينية، وقوى وطنية من خارج البرلمان، إنضمت إليها مؤخراً قوى من داخل البرلمان، معلنة عن إدانتها لجرائم إستهداف نشطاء الحراك الشعبي، وللمرشحين المعارضين لمنظومة المحاصصة والفساد، ومعبرة عن إستنكارها لتنصل حكومة الكاظمي عن الإيفاء بتعهداتها لثوار تشرين، وفي مقدمتها حماية المتظاهرين، والكشف عن قتلة ثوار تشرين، ومحاسبة حيتان الفساد، ونزع سلاح المليشيات، وتأمين البيئة الآمنة، الى جانب إستعادة الأموال المنهوبة، وتوفير الخدمات، وتحسين الوضع المعيشي للشرائح الإجتماعية الفقيرة والمحتاجة..

الثاني- يتبنى المشاركة في الإنتخابات المبكرة، ويضم في أطرافه قوى مدنية ووطنية ديمقراطية وتشرينية، أغلبها متحمسة للمشاركة بالأنتخابات على أمل بلوغ التغيير المنشود، معتمدة على وعود وتعهدات الكاظمي، وحسن الظن به وبحكومته، والوثوق بها، جهلآ بحقيقتها وبمساعيها والجهات التي تخدمها..

وهناك أطراف تروج للمشاركة في الإنتخابات خبثاً وإنتفاعاً من فُتات ما " تجود به " عليهم الطبقة السياسية المتنفذة، من مناصب وتعيينات ومنافع أخرى، وبينها من تخلى عن مسؤوليته الوطنية مقابل مكاسبه الشخصية والحزبية، الى جانب جيش من الإعلاميين المأجورين أعدته السلطة لخدمة كتلها وأحزابها..

عتبنا على المتحمسين للإنتخابات المبكرة من القوى المدنية الذين يتجاهلون أو يتناسون تداعيات المشاركة فيها، والتي يراد لها شرعنة وإدامة منظومة المحاصصة والفساد وسلطة اللادولة والمليشيات، بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.هذا في الوقت الذي يتوقع المراقبون والمحللون السياسيون الموضوعيون أن يكون التنافس الأنتخابي بين القوى المتنفذة على أشده، وسوف لن يكون تنافساً شريفاً أو ديمقراطياً أو نزيهاً. وسيكون السلاح المنفلت للمليشيات حاضراً وبقوة، وليس مستبعداً أن يصل النزاع حد الإقتتال بين المليشيات نفسها، وبينها وبين القوات الأمنية المحايدة، وستتصاعد الهجمات على النشطاء المعارضين، وستكون غالبية الضحايا من المواطنين الأبرياء..

المؤسف والمؤلم أنه رغم كل ما شهده العراقيون من فواجع واَلام طيلة العام الأول من عمر حكومة الكاظمي, لم يدرك البعض من المتحمسين للإنتخابات أن وعود الكاظمي ما هي إلا وعود فارغة، وتعهدات كاذبة، وضحك على ذقون السذج والبسطاء، بينما أدرك ذلك حتى أبسط المواطنين، الذين لمسوا كثرة تغليساته حيال ما يتعرضون له يومياً، ومواصلة مماطلاته وتسويفه للمهمات التي تعهد بتنفيذها..

يبرر البعض مشاركته في الإنتخابات المبكرة بان المقاطعة " ليس موقفاً سليماً"، لأنها "ستمنح الشرعية " للقوى المتنفذة للبقاء مهيمنة في السلطة.. وكأن قرار بقائها أو عدم بقائها في السلطة بيد القوى المعارضة لها.. أو أن القوى المعارضة "قادرة"، بوضعها الراهن ، على كسب الإنتخابات، و "ضامنة" لإلحاق الهزيمة بالطغمة الحاكمة.. بينما كل الدلائل تؤكد بان العكس هو الصحيح تماماً: المقاطعة الشعبية الواسعة ستنزع الشرعية عن السلطة، وتعزلها داخلياً ودولياً..

وفيما يتعلق بالقوى المدنية والوطنية الديمقراطية والشخصيات الإجتماعية والتشرينيين،فان البعض منها المتحمس للمشاركة في الإنتخابات، ينسى أو يتناسى الوضع المزري الراهن لقوى المعارضة، الذي لا يؤهلها حالياً للدخول في معركة متكافئة ضد نفوذ قوى وأحزاب ومليشيات المنظومة الحاكمة..

وهذا البعض يعول على تعهدات الكاظمي، وقد عمت عيونه وبصيرته ما شهده العراقيون في ظل حكومة الكاظمي، ونتيجة لسياساتها المتخبطة والرعناء، من أحداث وجرائم وفواجع، الى جانب تردي أوضاعهم المعيشية أكثر،خاصة شرائح الكسبة والكادحين وذوي الأجور اليومية..

والأنكى، هو إستمرار جرائم القمع الدموي الوحشي، والملاحقات والإغتيالات والاعتقالات والتغييب القسري والترهيب والترويع والتشريد لنشطاء الحراك الشعبي.. ولن ينسى العراقيون الدور الذي لعبته حكومة الكاظمي ضمن مساعي إخماد ثورة تشرين المجيدة، وفضها للإحتجاجات والإعتصامات الجماهيرية بالقوة، بالتنسيق والتعاون مع الجماعات المسلحة ، وإستغلال الأوضاع الإستثنائية التي فرضها وباء كورونا. .

ليس معقولآ ان "تنجح" الانتخابات، و"ينال" الشعب التغيير الجذري المنشود، في ظل السلاح المنفلت، ، وتصاعد جرائم الإغتيلات والخطف والتعذيب والتغييب القسري للناشطين المدنيين على أيدي البلطجية وعصابات الجريمة المنظمة التابعة للأحزاب الفاسدة..

يضاف الى ذلك عدم تطبيق قانون الأحزاب النافذ، الذي يمنع الأحزاب التي تمتلك أذرعاً عسكرية، ويمنع إستخدام المال السياسي، وشراء الذمم والأصوات، ولا يسمح للمجرمين والفاسدين بالترشح للإنتخابات..

يا سادة يا كرام:

إذا لم تعملوا فوراً على تلافي الأخطاء والنواقص والسلبيات، السابقة والراهنة، وعلى تجاوز الصعوبات، وهي كثيرة جداً، وتصبحوا مستعدين، كجبهة شعبية قوية، لمجابهة التحديات، فلن تستطيعوا وأنتم غير موحدين تنظيمياً وسياسياً وفكرياً ، وغير قادرين على مجابهة منظومة مهيمنة على مقدرات البلد، وتمتلك السلطة والنفوذ والمال والمليشيات والإعلام المأجور، ولديها الأغلبية في السلطة التشريعية ، أن توصلوا لمجلس النواب نسبة مؤثرة .. في كل الأحوال " النجاح" الذي ستحققونه في مجلس النواب،بعدد ضئيل من النواب، لن يسقط الطغمة الحاكمة ومنظومتها الفاسدة !..

إن من يسعى منكم لخلاص الشعب العراقي من منظومة الحكم الفاسدة، وفاء لدماء الشهداء الأبرار ولتضحيات ثوار تشرين البواسل ، والأخذ بثأرهم، بالقصاص من المجرمين على وفق القانون والعدالة، عليه أن يدرك جيداً أن ذلك لن يتحقق إلا بإسقاط المنظومة وأركانها..وبلوغ ذلك لن يتحقق بخوض الإنتخابات المبكرة على نحو غير متكافئ، وإنما بتشكيل جبهة شعبية نضالية عريضة وموحدة تنظيمياً وسياسياً وفكرياً، وذي قيادة موحدة وكفوءة قادرة على إستنهاض الجماهير العريضة وتعبئتها للكفاح الشعبي السلمي الفاعل والحاسم، الذي يحقق التغيير الجذري المنشود، ويؤسس للنظام الديمقراطي الحقيقي، ولدولة المواطنة، وللعدلة الأجتماعية، الضامنة للحياة الحرة الكريمة لجميع العراقيين.

خبر مفرح: وفقاً لمعلومات تداولتها وكالات أنباء عراقية تعدُ قوى ثورة تشرين لعقد مؤتمر جديد، تعيد من خلاله تنظيم صفوفها، وتنظيم الحركة الاحتجاجية رداً على التصعيد بعمليات الاستهداف التي تطاول الناشطين ، وتضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة، وتحديد موقفها إزاء العملية السياسية والانتخابات المقبلة..

كمواطن عراقي تجاوز الثمانين، شهد وعاش الكثير من الأحداث والتغيرات والتطورات العراقية، طيلة سبعة عقود من تأريخ العراق المعاصر، أبارك هذه المبادرة، وأدعو كافة القوى الوطنية والديمقراطية والمدنية الجادة والحريصة على حاضر ومستقبل شعبنا، أن تشارك في هذا المؤتمر،وتعجل بعقده، وتسعى الى إنجاحه من خلال المشاركة الواسعة فيه لكافة القوى الوطنية الخيرة والحريصة ، وتبني الطريق النضالي السليم، مضمون النجاح، المبني على أرضية العمل الجماهيري الموحد والمشترك تنظيمياً وسياسياً وفكرياً،

وهدفه الأسمى مصلحة الشعب والوطن ..ولتكن من مقررات المؤتمر مقاطعة الانتخابات المبكرة، وإنجاح المقاطعةّ.، وإستثمار الجهود والطاقة والوقت لتحقيق أهداف ثورة تشرين المجيدة.

 

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top