الـخـتـم الـسـابـع  فـي زمــن الــوبــاء

الـخـتـم الـسـابـع فـي زمــن الــوبــاء

نجاح الجبيلي

يحتل فيلم «الختم السابع»-1957 لأنغمار برغمان (1918-2007) مكانة مهمة في السينما العالمية ويعد من روائعها وأجمع النقاد على أنه ذو سرد جريء، وإبهار بصري لكونه متجدداً على مدى العصور بسبب مقارباته وتأملاته في ثنائيات الحياة والموت والإيمان والشك وغيرها.

تكمن أهمية هذا السيناريو والفيلم بصورة عامة في هذا الظرف لأنه يتناول قضية الوباء الذي حلّ بالأمم الماضية وقد ظننا أنّ الأوبئة لن ترجع مرة أخرى ولكن ها هو وباء كورونا غزا العالم... ويمكن للسينمائيين الشباب أن يستفيدوا من تجربة برغمان في هذا الفيلم ومجازاته واستعاراته لكي يحققوا أفلاماً تتناول الجائحة الجديدة.

دائماً ما تم التغافل عن دور وأهمية السيناريو الأدبي، فهو وثيقة أدبية وسينمائية في الوقت نفسه، وتم التركيز على السيناريوهات التنفيذية التي من الممكن استبدال قراءتها بمشاهدة الفيلم، لكن السيناريو الأدبي نصّ مهم يقرأ كأدب، وأدعو السينمائيين الشباب أن يكتبوا أفلامهم في البداية كسيناريو أدبي ونشره بصورة منفصلة ليكون إبداعهم مزدوجاً كسينما وأدب.

يقول الناقد السينمائي الهنغاري بيلا بالاش المتخصص بعلم الجمال « أصبح من المعترف به أن الأساس الأدبي للفن الجديد (السينما)، هو السيناريو، وهو شكل أدبي مستقل محدد الخصائص.. لم يعد السيناريو مكملا فنيا.. لكنه شكل أدبي».

ويضيف « إن السيناريو السينمائي شكل أدبي جديد تماما ، أكثر جدية حتى من السينما نفسها، لذلك فمن النادر أن ندهش حين لا نجد كتابا واحدا يذكره من كتب فلسفة الجمال في الأدب . «.

يقول برغمان:

“أكتب السيناريوهات وأقدمها مثل هياكل تنتظر إكساء اللحم ولكي تقوي الصور”.

ويقول في سيرته “المصباح السحري” “ طوّرت مسرحية بعنوان “رسم الغابة” بصورة تدريجية حتى أصبحت نصاً بعنوان “الختم السابع” وحولته إلى فيلم هو الأقرب إلى قلبي إذ أنه صنع تحت ظروف صعبة في فيض من النشاط والبهجة”.

لقد ساعد فيلم “الختم السابع” برغمان على اكتساب مكانته كمخرج عالمي. وحين فاز الفيلم بجائزة التحكيم الخاصة في مهرجان كان عام 1957 فإن الانتباه الذي ولّده جعل منه ومن الممثل “ماكس فون سيدو” والممثلة بيبي أندرسون معروفين في المجتمع السينمائي الأوربي واكتشفه نقاد وقراء مجلة “كراسات السينما” (كاييه دو سينما) بهذا الفيلم. وفي غضون خمس سنوات رسخ نفسه كونه المخرج الأول الحقيقي للسينما السويدية. إن فيلم “الختم السابع” بصوره وتأملاته في الموت ومعنى الحياة امتلك نزعة رمزية “كانت مفهومة حالاً بالنسبة للناس الذين مارسوا الثقافة الأدبية وبدأوا يكتشفون “فن” الفيلم، وسرعان ما أصبح مادة للعديد من الفصول الأدبية الدراسية.وخلافاً لهوليود وأفلامها كان فيلم “الختم السابع” واعياً لثقافة النخبة الفنية ولهذا سرعان ما كان محطة لتذوق الجمهور المثقف.

يطري الناقد جاك بتلر الفيلم بسبب مقاربته الحديثة للوباء قائلاً:

«إنه عمل خالد، إذ أنه خلفيته القصصية عن الطاعون- مع شخصيات ترثي التجارة الخاسرة بسبب الوباء، وتحافظ بشكل يائس على «التباعد الاجتماعي» وتهرب من المناطق التي ضربتها الجائحة لكي تنقل المرض إلى المكان الذي هربت منه- قد جعلته أكثر أهمية بالنسبة لزمننا. وعلى الرغم من أن الفيلم يدور بشكل ظاهري عن الموت إلا أنه في الحقيقي تأمل متسامٍ في الحياة وكيف يجب على الإنسان أن يعيش فيها».

ويقول الناقد السينمائي بيتر برادشو من صحيفة الغارديان:

إنه عمل فني طموح يعود إلى الكتاب المقدس وثيربانتس وشكسبير ليخلق مصطلحاً درامياً خاصاً به. وعلى الرغم من أنه عرض قبل خمسين سنة إلا أنه ما زال يبدو حديثاً. إنه فيلم بوزن الذهب الذي لا يفقد البريق لأنه يحمل الجدية الفنية والأخلاقية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top