الاشتراكية تعني فيضا من الديمقراطية

آراء وأفكار 2021/06/06 09:32:31 م

الاشتراكية تعني فيضا من الديمقراطية

 رشيد غويلب

في حوار أجرته معه مجلة جاكوبين اليسارية الامريكية ونشر في موقعها الألماني، تحدث ألفارو غارسيا لينيرا نائب الرئيس البوليفي السابق ايفو موراليس، في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس حول دروس انقلاب 2019 اليميني ، وحالة الحكومات التقدمية في أمريكا اللاتينية وأفضل استراتيجية سياسية لقيام حكومة يسارية بإيقاف محاولات الانقلابات اليمينية، وكسر سلطة الاحتكارات، وتمهيد الطريق لمستقبل اشتراكي.

وقبل ان نقدم عرضا لاهم الموضوعات الواردة في الحوار، دعونا نتعرف على ألفارو غارسيا لينيرا:

هو أحد أهم المثقفين في أمريكا اللاتينية ومن أكثر الفاعلين السياسيين خبرة في المنطقة. وخلال أربعة عشر عامًا من عمله في حكومة بوليفيا المتعددة القوميات، لم يكن مسؤولاً فقط عن رسم الإستراتيجية السياسية لحكومة إيفو موراليس، بل أيضًا وضع الأسس النظرية للحزب الحاكم "حركة من اجل الاشتراكية"

في الثمانينيات كان غارسيا لينيرا أحد قادة حركة الكفاح المسلح الماركسية "توباك كتاري". وبسبب نشاطه السياسي، أمضى الكثير من سنوات تكوينه الفكري خلف القضبان: وعندما كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة مشاركته في انتفاضة مسلحة ضد حكومة خايمي باز زامورا، كرس وقته لدراسة الماركسية وكتب كتاب (شكل القيمة وشكل المجتمع)، الذي يعد الآن من كلاسيكيًات الماركسية في أمريكا اللاتينية.

المنابع الفكرية التي تأثر بها غارسيا لينيرا متعددة الجوانب: الماركسية، الموروث الثقافي للسكان الأصليين (الهنود الحمر)، التفكير المستقل لأنطونيو نيغري والاشتراكية الديمقراطية لنيكوس بولانتزاس. ويُعد اليوم من أبرز مفكري اليسار في أمريكا اللاتينية وخارجها.

طبيعة الانقلاب

أن الانقلابات هي دائمًا مكائد تآمريه لعدد قليل من الأشخاص، لكنها لا يمكن أن تنجح إلا إذا كانت العوامل الخارجية ملائمة. ولكي ينجح الانقلاب، يجب أن يكون قسم من المجتمع مستعدًا للانفصال عن النظام الدستوري والديمقراطية.

لقد ضمت المجموعة التآمريه المسؤولة عن انقلاب 2019 جنرالات في الجيش والشرطة، ورجال أعمال قاموا برشوة ضباط وقادة، ولويس ألماغرو سكرتير منظمة الدول الأمريكية، وثيقة الصلة بواشنطن، وعاملين في ووزارة الخارجية، وبعض أعضاء الكنيسة الكاثوليكية، وحتى رؤساء سابقين. اجتمعت هذه المجموعة الأساسية وادارت القوات اللازمة لتنفيذ الانقلاب.

والانقلاب لم يأت من فراغ: في السنوات الأربع الماضية رأينا وسطا كبيرًا من المجتمع، ممثلا بالفئات الوسطى التقليدية (تميزا عن الفئات الوسطى الجديدة الصاعدة بفضل السياسات التقدمية)، يعارض بغضب الديمقراطية. وهو ما خلق مناخا من العنف، من خلال نشر اراء وموضوعات عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الأخرى، دعمت في نهاية المطاف إطاحة مسلحة استبدادية بالسلطة المنتخبة.

وهذه الكتلة الاجتماعية لا تزال موجودة في أوساط الراي العام البوليفي. وعندما أصبحت نتائج انتخابات 2020 معروفة، توجهوا مرة أخرى الى الثكنات العسكرية للدعوة إلى انقلاب آخر. وزعموا في صحفهم وشبكاتهم وجود تزوير انتخابي، مع غياب تام للأدلة. ان الأمر بالنسبة لهم على هذا النحو: إذا انتصر "الهنود الحمر"، فلا بد من وجود احتيالً. لكنهم خسروا وسيستمرون في الخسارة - لأنهم أقلية، ومنحطون كذلك.

رد فعل حكومة اليسار

ما حدث في انقلاب تشرين الثاني 2019 كان هزيمة عسكرية لمشروع سياسي شعبي. تم حشد القوات اليمينية المحافظة لاحتلال المدن والمناطق. كان رد حكومة اليسار على هذه المحاولة خاليا من أي إجراءات قسرية؛ وحاولت تشجيع العمل الجماعي ليكون بمثابة كاسر أمواج لمواجهة التظاهرات اليمينية. وكان الهدف امتصاص زخم التظاهرات

لقد كان رد الحكومة سياسيا، ولو بقي الصراع على المستوى السياسي لانتصرت الشرعية. خطأ الحكومة الكبير عدم الانتباه الى ان اليمين المحافظ سيقوم برشوة القوات المسلحة بمبالغ مالية كبيرة. كان هذا هو العامل الجديد في انقلاب عام 2019. في مواجهة انقلاب عام 2008، اتبعت الحكومة تكتيكين: أولاً، حاولت عزل الانقلابين سياسيًا حتى يتم القضاء عليها في النهاية؛ وثانياً، نظمت تعبئة اجتماعية حاشدة للتغلب على الانقلابين. لكن في الانقلاب الأخير، وقبل أن تتمكن الحكومة من إضعافهم سياسيًا، كانوا قد كسبوا الجيش والشرطة إلى جانبهم.

عندما اختاروا الطريق العسكري، كان هناك خياران: إما تحشيد السكان لمواجهة الشرطة والجيش او عدمه. هذا القرار كان بيد الرئيس، الذي قال: "لن أرسل رفاقي إلى حتفهم"، لقد كان قرارًا متعمدًا مبنيًا على قناعة أخلاقية. من الناحية النظرية، كان بالإمكان الدخول في مواجهة مفتوحة، ووقوع خسائر فادحة، وموت العديد من الناس. لذلك كان القرار عدم التعبئة واختار الرئيس التنحي.

الطبقة الوسطى التقليدية، التي تشعر بالتهديد من صعود طبقة وسطى جديدة وشعبية من سكان البلاد الأصليين، لا تملك نقابات، لكن لديها هياكلها الخاصة في شكل مجموعات الأحياء السكنية ونوادي كرة القدم بالإضافة إلى شبكاتها الخاصة في المدارس والجامعات. ولم يكن لدى الحكومة آليات للدخول في حوار مع هذه الهياكل لتحييدها سياسياً. لقد تمخض الصراع عن دروس منها.

الدرس الأول: هو معالجة الأسباب التي أدت بهذه الجماعات إلى الانجراف نحو الفاشية.. إذا توقفت الحكومة عن جهودها لتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق السكان الأصليين، فيمكنها التوقف عن تسمية نفسها بالحكومة التقدمية. ما يمكن فعله، هو الحفاظ على سياستها الخاصة بالحراك الاجتماعي للطبقات الشعبية، وفي الوقت نفسه أيضًا إشراك الطبقة الوسطى التقليدية من أجل تفكيك صلتها السياسية الوثيقة بالتيار اليميني المتطرف.

التعامل مع الشرطة والجيش أكثر تعقيدًا. لن تمنع أبدًا رجل أعمال ثريًا من رشوتهم بملايين الدولارات. الجيش جزء من الدولة وله ديناميكياته الخاصة. لكن يجب أن تكون السياسة قادرة على التأثير على هذه الديناميكية من خلال احترام المؤسسة العسكرية، ولكن في الوقت نفسه التأثير في تأهيل الجنود من أجل خلق روح جماعية أقل فسادًا وتعزيز التضامن مع مصالح السكان. بمعنى آخر، عليك تغيير التركيبة الطبقية للقوات المسلحة.

التجربة الملموسة تقول في لحظات المواجهه لا مكان للتجريب والمراهنات على تجارب سابقة. إذا تآمر رجال الأعمال والجنرالات ووقفت الطبقة الوسطى التقليدية المحافظة وراءهم، فعندئذ يجب مواجهة ذلك على الفور بالتعبئة الاجتماعية الجماهيرية.

هذا ليس مجرد درس للمثقف أو الحكومة أو المرشح، انه قبل كل شيء درس اجتماعي: أن تكون متشككًا وتتحرك للدفاع عما ناضلت من أجله. وهذا ما حدث في أغسطس 2020 عندما تظاهر أنصار الحركة من اجل الاشتراكية وأغلقوا الطرق لمنع حكومة الانقلاب من تأجيل الانتخابات الجديدة. عندما تواصلت الحركة مع الناس والحركات والمنظمات الاجتماعية، كانوا يعرفون ما يجب عليهم فعله. كانوا يعلمون أنه على الرغم من القمع الانقلابيين، يمكنهم ممارسة السلطة السياسية من خلال السيطرة على الأرض.

حدثت التعبئة الجماهيرية آخر مرة في عام 2000 - لم يكن ذلك ضروريًا في اعوام 2005، 2008، و2009، لكنه كان ضروريا في عام 2019. لقد ضاعت التجربة في غضون ذلك. بعد الانقلاب، وفي آب 2020، كانت السيطرة على الأراضي مرة أخرى مصدر قوة. لقد استيقظت المعرفة العملية والتكتيكية للمجتمع، وبالتالي يمكن منع مذبحة أو عملية عسكرية أخرى يقدم عليها الانقلابيون.

يحتاج هذا النوع من المعرفة الجماعية إلى التوسع والتعزيز. إنها ليست مسألة قضايا عسكرية بحته بقدر ما هي مسألة كيف يمكن للمرء أن يقوم بعمل جماعي للدفاع عن نفسه ضد العنف المسلح. في بلد مثل بوليفيا، حيث عدد سكان الريف كبير، وبروليتاريا صناعية سيئة التنظيم، وجد الناس هذه الفرصة لممارسة السلطة بطريقتهم الخاصة. يجب توسيع هذه الاستراتيجية وتحسينها، لمنع الانقلابات التي يقودها العسكر في المستقبل

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top