واسط / جبار بچاي
في سوق الخضار بمدينة الكوت حيث تصطف الدكاكين المشيدة من الصفيح تتعالى أصوات الباعة كل بطريقته في الترويج للرقي العراقي الذي حقق وفرة كبيرة في الانتاج خلال الموسم الحالي بعد أن حقق زيادة عن الموسم الماضي قدرت نسبتها بـ27.02% وفق تقرير أعده الجهاز المركزي للإحصاء في العراق، يوم السبت الموافق الخامس من حزيران الجاري.
حين تسأل أحد هؤلاء الباعة أو أقرانهم الآخرين ممن يفترشون الارض لبيع الرقي أو ممن يضعون كميات منه في مركبات صغيرة تجوب المناطق السكنية وأحياء المدينة المختلفة عن الـ (إندوانة) التي تعني بالفارسية رقية يأتيك الجواب سريعاً: "ماكو بعد لا إندوانه ولا خربوزة ( بطيخة).. هذا مال ولاية أزبري".
وفيما تحاول البحث عن رقية مناسبة يصيح البائع بأعلى صوته "أحمر وحلو شرط السجين" وفي الأثناء يصيح بائع آخر: "أربيلي عسل ياولد.. مدعبل سامرائي مدعبل.. تعال جاي شوف العظيم يسلم على القلب"، وهو يشير بذلك الى أنواع الرقي العراقي التي تزرع في أربيل وسامراء وفي قضاء العظيم بمحافظة ديالي حيث غطت كميات الانتاج في تلك المناطق أرجاء العراق من أقصى الشمال الى الجنوب من الرقي العراقي بالنكهة والمذاق الجميل.
الرقي العراقي ينافس الأجنبي
وكما يقول أحد باعة الرقي في سوق الخضار بمدينة الكوت، خضير عبد فارس إن "الصيف هو موسم نزول الرقي الذي لا غنى عنه بالنسبة للعوائل العراقية ولأهميته تختلف وسائل الترويج له عن غيره من الخضار الأخرى خصوصا وأن أسواق المدينة شهدت الصيف الحالي ضخ كميات كبيرة من الرقي العراقي الذي اكتسح الرقي الإيراني من المنافسة كلياً".
وأوضح "بسبب ضعف دعم المنتج الوطني في السنوات الاخيرة شهدت الأسواق العراقية ضخ كميات كبيرة من الرقي المستورد من ايران الذي صار سلعة يتداول بيعها حتى غير أصحاب محال الفواكه والخضراوات لسببين هما كثرته وأسعاره الزهيدة".
وأضاف أن "إندوانة ايران كانت تحتاج فترة تبلغ عشرة أيام أو أكثر لتصل من الحقل الى المستهلك وبالتالي تصل بحالة رديئة على العكس من الرقي العراقي الذي يكون في متناول الزبون في فترة 36 ساعة كأقصى حد من مرحلة الجني مرورا بالعلوة والتاجر والبائع ثم الى المستهلك وبالتالي تكون الرقية محتفظة بنكهتها وطعمها الذي يختلف كثيراً عن الرقي الإيراني".
ويقول إن "تجارة الخضار شهدت نشاطا ملحوظا في السنوات الماضية مع دول الجوار المختلفة بسبب الوضع الأمني الذي كان سائدا في معظم مناطق العراق خاصة التي تشتهر بزراعة الرقي مثل سامراء والحويجة والعظيم وبعقوبة والموصل وأربيل ومناطق أخرى وصاحب ذلك عزوف تجار الخضار عن الذهاب الى علاوي بيع الفواكه والخضار في اغلب المناطق مما جعل السوق العراقية تكون مسرحاً للمنتوج الاجنبي، يضاف الى ذلك تقاعس الحكومة عن حماية المنتج الوطني ودعمه وهذا أخطر سبب".
ويشير زميله أنس كامل التميمي الى أن "تجارة الرقي المستورد شهدت هذا الموسم تراجعا كبيرا وأصابها نوع من الكساد التام كون الدولة منعت وفق الروزنامة الزراعية استيراده من دول الجوار بعد نزول كميات كبيرة من الرقي العراقي المعروف بطعمه ومذاقه الطيب اذ يتميز الرقي العراقي بحمرته وحلاوته وهما الميزتان اللتان تجعلان له نكهة طيبة".
كلف النقل والإتاوات تزيد الأسعار
وعن أسعار الرقي العراقي يقول إنها "جيدة حالياً، إذ يصل سعر الكيلو الواحد من الدرجة الأولى الى 500 دينار كأعلى حد هذا بالنسبة الى رقي أربيل كونه يباع للمسوقين مطروحا داخل علوة أربيل بسعر 250 دينار للكيلو وتضاف الى ذلك العمولة والنقل المكلف إضافة الى بعض الاتاوات التي تدفع للسيطرات أحيانا".
ويلفت الى أن "رقي سامراء والعظيم يباع بسعر أقل بقليل من سعر رقي أربيل كون الأول نوع هجين يتميز بقشرة سمكية على العكس من رقي أربيل والثاني أيضا ظهرت نوعيات منه نطلق عليها مشحلف وهي غير مرغوبة".
واستدرك قائلا: "هذا لا يعني أن النوعين غير جيدين، بل بالعكس كلاهما بذات النكهة والمذاق لكن هناك تفاصيل جزئية لا يعرفها سوى التاجر بينما المستهلك وحتى البائع الصغير قد تمر عليه".
الاوضاع الامنية التي مرت بها البلاد في السنوات الماضية خاصة في المناطق الغربية التي تشتهر بزراعة الرقي دفعت بمزارعي مناطق أخرى في العراق الى التوسع بزراعته مثل طويريج في كربلاء وفي قضاء الحمزة بمحافظة بابل وفي ناحيتي الدجيلة وشيخ سعد بمحافظة واسط ومناطق أخرى متفرقة لكن إنتاج هذه المناطق غير كاف لسد حاجة السوق المحلية في كل المحافظات، يقول التميمي كاشفا عن "مزارع الرقي في محافظة واسط على سبيل المثال بدأت للتو بطرح الانتاج من الرقي العراقي الذي يطلق عليه تسمية مال ولاية".
موضحا أن "رقي الولاية يكون في الغالبية مدعبل وصغير الحجم ويتميز بطعم لذيذ وحلاوة فريدة ويباع باسعار أقل، تتراوح مابين 250 ــ 350 دينار للكيلو الواحد وعليه اقبال كبير خاصة من الباعة الجوالين أصحاب الستوتات ومركبات الحمل الصغيرة التي تجوب الاحياء السكنية أو يتخذ أصحابها في بعض الاحيان أماكن لعرض بضاعتهم عند مفترقات الشوارع العامة أو الطرق الخارجية وفي الحالتين هناك إقبال كبير على رقي الولاية".
تكاليف ودعم
ويرى أحد المختصين بالقطاع الزراعي في المحافظة أن من أهم الأسباب التي أدت الى تراجع زراعة الرقي في العراق خلال السنوات السابقة ارتفاع تكاليف المستلزمات الزراعية ابتداء من بذور الرقي، ثم شحة الوقود وانقطاعات الكهرباء وارتفاع النقل علاوة على الأوضاع الامنية السائدة حينها"، موضحا أن "سعر الكيلو من بذور الرقي كان يجهز الى الفلاحين سابقا بمابين، 12000 ـ17000 دينار لكن ارتفع أضعافاً مضاعفة عند تجار التجهيزات الزراعية وقد يكون سعر الكيلو قد وصل، 60000 دينار أو أكثر، هذا بالإضافة الى ارتفاع تكاليف العمليات الزراعية الخاصة بالرقي من الحراثة والعزق والتسوية والتعديل وفتح السواقي كما أن ارتفاع تكاليف الأسمدة الكيماوية هو سبب مباشر أيضا".
لافتا الى أن إهمال الحكومة في السابق دعم المنتج الوطني قضى على كل آمال الفلاحين والمزارعين لذلك صارت السوق العراقية ساحة منافسة للمنتجات الزراعية الاجنبية وهو أمر مؤسف جدا".
واعتبر افضل مواسم دعم المنتج الوطني قد تحقق في ظل إجراءات وزارة الزراعة الحالية التي كانت سباقة باعداد روزنامة زراعية راعت كل الضوابط وقرأت واقع الحقول العراقية وواقع السوق وبالتالي أعطت ميزة كبيرة لدعم المنتج الوطني من خلال منع أكثر من 20 منتجاً زراعياً لوفرتها محلياً ومنها الرقي والبطيخ لذلك نجد اسواقنا اليوم عامرة بالرقي والبطيخ العراقي ولا وجود للرقي والبطيخ المستورد".
مطالبات بمزارع نموذجية للرقي
وقال "لابد للحكومة وتحديدا وزارة الزراعة أن تعمل على دعم إنتاج الرقي العراقي كونه أحد أهم العوامل الداعمة لاقتصاد البلد، مع وجود مساحات شائعة من الاراضي لزراعته ووفرة المياه الى جانب سهولة عوامل الزراعة والجني، بل أصلا زراعة وجني الرقي والبطيخ ممتعة جدا للفلاح".
وطالب "وزارة الزراعة بالعمل على تخصيص مناطق وتحديد مساحات في جميع المحافظات لتنفيذ مزارع نموذجية للرقي وأن يكون هناك مشروع وطني تتبناه الحكومة المركزية لإعادة الحياة للرقي كما هو الحال في مشاريع إحياء بساتين النخيل والزيتون والفطر ومشاريع الدواجن والاسماك وبالتالي سنجد الرقي العراقي يُصدر الى الدول الاخرى كما حصل مع التمور والطماطم والفلفل والباذنجان التي صدرت كميات كبيرة منها الى بعض دول المنطقة".
تسميات عديدة للرقي العراقي
ويطلق العراقيون على الرقي تسميات عديدة تبعا لمناطق زراعته ويفضل الكثير منهم تناول طعامه في الصيف (خبز ورقي) سواء عند أهل الريف أو في المدينة، ومن أشهر تسميات الرقي تبعاً لمناطق زراعته رقي العظيم ورقي سامراء الذي يطلق عليه محليا دبشي وهو شبيه بالرقي الإيراني لكن يتفوق عليه بالحلاوة والحمرة، ويسمى رقي الموصل "دن أو الفحل" لطول الرقية بينما يطلق على رقي الحمزة وطويريج (أزبري) لكونه يتميز بالحلاوة، وفي محافظة واسط هناك رقي الدجيلة الذي ذاع صيته باسم (الأحوازي) أو العربستاني. لان أول من زرعه في هذه المنطقة فلاحون من عرب الأحواز كان النظام السابق استوطنهم في تلك المنطقة ثمانينيات القرن الماضي، بينما يسمى رقي الدلمج، 30 كم غرب الكوت رقي (السادة) لان أول من زرعه هناك المزارع السيد عبد الله، ورقي منطقة الكارضية شرق الكوت يعرف بتسمية (رقي الجرف) لان مناطق زراعته في جرف نهر دجلة وهناك أيضا رقي النعمانية وشيخ سعد.
رقي هرفي وآخر سهيلي
يقول أحد فلاحي ناحية شيخ سعد بمحافظة واسط ويدعى كريم حميد البدر إن الرقي المحلي يزرع بعروتين، الاولى خريفية تبدأ من منتصف نيسان الى شهري أيلول وتشرين الاول سنوياً ويسمى هذا النوع رقي "سهيلي" فيما تكون العروة الثانية وهي الربيعية ما بين بداية آذار وحتى نهاية نيسان ويسمى هذا النوع الهرفي ويكون الإنتاج فيها وفيراً لكنه في المناطق الشمالية والغربية من العراق تتأخر هذه المواعيد كما هو الحال بالنسبة للمحاصيل الأخرى"..
وأضاف البدر "نحن في واسط لدينا رغبة كبيرة بالتوسع في زراعة الرقي كلما مضت الحكومة بالمحافظة على دعم المنتج المحلي ومنع الاستيراد العشوائي وأرض العراق خصبة ومياهه وفيرة رغم شيطنة دول الجوار في منع تدفقها لكننا سنمضي بالزراعة المحلية ولو اعتمدنا المياه الجوفية".
موضحا أن "محافظة واسط وحدها كانت ترفد معظم المحافظات الوسطى والجنوبية بالرقي الذي يزرع في منطقة الدجيلة والذي كان يطلق عليه الرقي الأحوازي لكن الوضع تغير الان كثيرا ولم يعد رقي الدجيلة بذات الشهرة والتفوق لظروف عديدة لكنها ستزول إن شاء الله".
وقال "هناك إمكانية كبيرة على وجود الرقي العراقي طوال السنة لو أن الحكومة وفرت دعما مركزيا لزراعته، فحين ينتهي موسم الرقي الهرفي ينزل الرقي السهيلي وهكذا تبقى العائلة العراقية تنعم بحلاوته دوما في حين يظل باعته يرددون مقولتهم الشهيرة (أحمر وحلو شرط السجين) أو (أزبري مال ولاية).