فيلم «أوروبا» للمخرج العراقي الإيطالي حيدر رشيد  في مهرجان «كان» السينمائي الدولي

فيلم «أوروبا» للمخرج العراقي الإيطالي حيدر رشيد في مهرجان «كان» السينمائي الدولي

المدى – عرفان رشيد

تنطلق يوم السادس من تموز المقبل الدورة الرابعة والسبعون لمهرجان كان السينمائي الدولي، وذلك بعد توقّف قسري بسبب جائحة كوڤيد 19.

وسيشهد المهرجان عروضاً من كلّ أنحاد العالم، من بينها فيلم جديد أنجزه المخرج الإيطالي العراقي حيدر رشيد وهو بعنوان «أوروبا» الذي سيُعرض ضمن مسابقة «نصف شهر المخرجين» في هذا المهرجان الذي يُعدّ الأكثر أهميّة في العالم، ويقول المخرج حيدر رشيد عن آصرته بالسينما بأن المرّة الأولى له في موقع التصوير كانت ”عندما كنت طفلاً، ما بين التاسعة والعاشرة من العمر؛

عندما كان والدي الصحفي والمخرج عرفان رشيد، يُنجز برنامجاً تلفزيونياً عن تاريخ العرب والمسلمين في صقليّة واختارني أن أمثل معه، فأمضيت شهوراً منغمساً في أجواء كانت بالطبع غريبة ومذهلة لطفل. وكنت قد اعتدْتُ على قضاء الإجازات الصيفية في سنوات المراهقة في مرافقة والدي إلى مهرجانات السينما والفعاليات الثقافية، حتى صرتُ مصوّره الخاص في العديد من المقابلات التي كان يُنجزها للعديد من القنوات التلفزيونية حول العالم، ما زاد من اهتمامي بالوقوف خلف الكاميرا“. ويُضيف حيدر رشيد قوله ”وبدأت بكتابة بعض النصوص والتجارب، ثم صنعت فيلماً قصيراً مع أصدقائي في المدرسة الثانوية بعنوان «كما الماء» حاولت التعلّم من خلاله على عمل كل شيء، شيئًا فشيئًا. ثم انتقلت بعد ذلك إلى لندن لدراسة السينما، لكن سرعان ما تركت الجامعة لأن الكليّة التي كنت قد اخترتها كانت تُدرّس الإعلام وليس السينما، ثم مارست العديد من الاختصاصات ذات العلاقة بالفيلم كالمونتاج والتصوير وترجمة الحوارات، ومن ثمّ بدأت في كتابة أول فيلم لي، أخرجته وأنتجته في سن الثثالثة والعشرين. كانت أحداث الحكاية تدور في لندن والفيلم بعنوان «المحنة» ويروي عن ابن كاتب عراقي معروف يتعامل مع حادث فقدان والده إثر عملية اغتيال في بغداد،

 هل لك أن تختزل لي مغزى وحكاية فيلمك الجدي «أوروبا »؟

”سينمائياً هو فيلم إثارة وشحذٍ للوعي، حيث يُبرز الحقيقة المروّعة لما يواجهه مئات الآلاف من الأشخاص الذين يسافرون عبر طريق البلقان، وما يُحدق بهمعلى يد المهربين اللاإنسانيين والقوات الحكومية وغير الحكومية. كل ما يحدث في الفيلم يستند على ما حدث في الواقع فعلاً. وقد تعرّفنا عليه من خلال مصادرنا أو من خلال التعرّف الشخصي أثناء عمليات البحث والاستكشاف، كما أنّنا استندنا على الكثير من تقارير أبرز منظمات حقوق الإنسان. إلاّ أن الفيلم، أولاً، وقبل كل شيء قصة إنسانية عن كفاح من أجل البقاء على قيد الحياة في رحلة البحث عن حياة أفضل“.

 وكيف أتتك فكرة الفيلم؟

”حين انتهيت من إنجاز فيلمي الوثائقي الموسيقي ”ستريت أوبرا» في عام 2015 ، كانت تقنيات «الواقع الافتراضي» في طريقها إلى البروز وبدا لي بأن هذا التقنيّة وجدت لتبقى. لم تكن، بالنسبة لي في تلك اللحظة مجرّد تلاعب بالتكنولوجي، بل وسيلة لتوسيع مديات الرؤية بالتصوير بزاوية 360 درجة واستخدام الصوت الغامر. لم تكن التكنولوجيا كافيةً بعد لجعل الواقع الافتراضي يعمل كما هو الحال اليوم ، وكان الجزء الأكثر متعةً خلال تلك الفترة هو ابتكار حلول لمواجهة التحديات التقنية. كنت محظوظًا جداً للعمل مع شخصين أساسيين في هذه العملية: زميلي دانييلي برنابي، الذي عملت معه لسنوات، وكان قد انتقل للعمل الآن في لندن في Foundry ، أحد أهم شركات برامج المؤثرات البصرية في العالم ، وعلى وجه التحديد على أدوات VR لـ Nuke ، ومجموعة VFX الخاصة بهم ؛ أمّا الشخص الثاني فقد كان زميلي غابرييلي فازانو، مصمم الصوت الخاص بي الذي كان يعمل ويبحث عن الصوت المكاني لسنوات ودرسنا الوسائل لمعرفة كيفية التعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة المذهلة. ومع ذلك فقد كنت متأكّداً من شئ واحد، وهو، أنّه، على الرغم من التأثير المبهر لهذه التقنية، فإنّ تقنيّة الواقع الافتراضي، لم تكن بالنسبة لي إلاّ وسيلة للتحريض في السرد الجيد، لأنّ ذلك كان سيمنحه الفعالية والضرورة، وإلاّ فإنّ سيبقى مجرّد تقنية عالية. عندها خطرت لي فكرة فيلم ” No Borders - لا حدود!“، ،أردت بأن أغمر به الجمهور في مراكز إيواءٍ للاجئين مدارة ذاتياً في روما وفنتيميليا - على الحدود مع فرنساوالقريبة جداً من جدًا مدينة كان -. كان الفيلم محاولة لإظهار الأشخاص من داخل النضالات التي يواجهها هؤلاء الشبان والشابات في السفر عبر البلاد، بعد وصولهم إلى سواحل جنوب إيطاليا، للوصول إلى شمال أوروبا. لقد كان مشروعاً مليئاً بالتحديات وكان من المفترض بالنسبة لي، من الناحية الفنية، أن أتخلّى عن قواعد صناعة الأفلام التقليديّة وفكرة الإطار والتكوين بالطريقة التي اعتدت على التفكير بها. ولمجرّد حدوثه شعرت بتحرّر كامل من ربقة قيودٍ كثيرة، لأنني بدأت أفكر في عرض 360 من حيث الصور والصوت ، وهو كنت كنت معنيّاً به لفترة طويلة. كان هناك الكثير من التجريب والخطأ، واستغرقت عمليات ما بعد الإنتاج لفيلم وثائقي مدته 15 دقيقة شهوراً طويلة ، حيث أجرى دانييلي وغابرييلي بحثاً وتطويراً للتقنيات المستخدمة. ما هو ممتع في هذه التجربة هو أن الكثير من البحث والتطوير الذي قمنا به كان مفيدًا في ذات الوقت لتطوير أدوات Nuke VR ، حيث تم استخدام «No Borders» على نطاق واسع للاختبار بواسطة Foundry ، لذلك ساهمنا بنشاط في هذه الصناعة.

في الوقت ذاته، كنت أتأثر كثيراً بسماع قصص لأشخاص - أحيانًا مراهقين وأطفال بمفردهم - يعبرون الحدود للوصول إلى أوروبا؛ لم يؤثر فيّ ذلك كمواطن فحسب، بل ذكّرني أيضاً بقصص وذكريات عائلتي. وخلال عمليات القراءة والمناقشة والدراسة، مررت أكثر فأكثر بما كان يحدث على الحدود الشرقية لأوروبا، أو ما يسمى بـ»طريق البلقان» ، حيث كان يتم اصطياد المهاجرين من قبل ما يسمى «صائدو المهاجرين». وعندما خطرت لي فكرة شأوروبا» أردت أن أستعيد كل ما تعلمته من الواقع الافتراضي وأعيده إلى المشهد بشكل واقعي، ما يُتيح للجمهور بالتواجد مع الشخصية، وعلى مقربةٍ منها، وأحيانًا يتنفس معها. كان الصوت جزءاً أساسيّاً في الفكرة: أردت أن تتحرك المؤثرات الصوتية والأجواء وأن تدور على مجال الصوت بـ 360 درجة وفقاً لحركات الكاميرا. وجاء العنوان مع الفكرة، فكرة استحالة أن يعيش المرء دون الآخر“.

 كم من الوقت استغرق تطوير الفيلم؟ ما هي أهم المراحل؟ كيف كتبت السيناريو؟ ما هي مراحل الكتابة؟ هل طورتها مع كاتب مشارك؟

”كنت أقرأ كثيراً عن تجارب الحياة الواقعية للمهاجرين الذين يعبرون الحدود بين تركيا وبلغاريا وبدأت في مناقشتها مع بعض الزملاء والأصدقاء والعائلة. وبدا لي وللآخرين بأن مفهوم الفيلم قوي جداً، إلاّ أنّه كان تحدياً فنياً كبيراً من ناحية الإنتاج، وهذ ما جعل الأمر بالطبع أكثر إبهاراً بالنسبة لي. اللافت أنّ بلغاريا هي البلد الأول الذي وصل إليه والدي في أوروبا عندما فرّ من العراق عام 1978، في وقت كان نظام صدام حسين يطارد المعارضين ويقبض عليهم ويعذبهم ويقتلهم في كثير من الأحيان. على الرغم من أن رحلته كانت مختلفة عن تلك التي بدأها بطل «أوروبا» ، إلا أنه شعرت، بطريقة ما، أنه من الصواب سرد هذه القصة. كتبتُ المسودة الأولى للسيناريو في حوالي خمس أو ست ليالٍ بطريقة عميقة للغاية. أعطاني ذلك الهيكل الأولي للقصة والشخصية. كان من الواضح لي أن علي استخدام عناصر نوعية لتشكيل بنية القصة وإيقاعها، لكنني لم أكن متأكدًا بعد من اقتداري على كتابة هذا النوع من الأفلام، حتى جلست بالفعل لكتابة القصة واستكشافها من خلال الكتابة. كنت مصممًا على تجنّب أي نوع من الخطابة والتعليميّة واعتقدت أن مفتاح ذلك يكمن في التركيز على الشخصية عن كثب، سواء من حيث السرد أو من حيث التصوير الفوتوغرافي. ولكي يشعر الجمهور بالتعاطف مع هذه الشخصية، أردت أن يعرف عنه كلّ ما هو ضروري، لكن دون أن يقوده ذلك التعاطف إلى التماهي معه كما لو أنّ الفيلم يروي حكاية شخص واحد فحسب. الحالة تروي عن مأساة شخص واحد، لكنّه ليس بمفرده ، إذْ أن الكثيرين مثله، قبله وبعده، مرّوا بتلك التجربة، وربّما هناك من يمرّ بها ونحن جالسان نتحاور هنا الآن. وإلى حدٍّ ما، كان على الفيلم أن يحتوي أيضاً على قدرة إثارة الجمهور واستفزازه على عدة مستويات، كان الهدف هو خلق تجربة تشمل المشاهد بإحساس قوي بالتواجد في المكان. ولمدة عام كامل تقريبًا لم أُجري أيّة تغييرات جوهرية على المسوّدة الأولى من النص، بينما بدأت في البحثالتمويل. إذّاك تساءلت عن فكرة الفيلم وأسلوبه ونوعه وحاولت تطوير نسخ بديلة عن الفكرة الأولية، والتي كانت تتمثل في استخدام بعض قواعد أفلام الإثارة، بدلاً من صنع فيلمٍ مُغرق بالإثارة. سافرت إلى بلغاريا وبفضل المنتج إيفان تونيف تمكنت من مقابلة أشخاص على الأرض - مهاجرون ومسؤولون حكوميون سابقون ومحامون في مجال حقوق الإنسان - وزرت الغابة والمنطقة التي حدثت فيها القصة. خلال رحلتي إلى بلغاريا، فهمت أن القصة التي كتبتها كانت واقعية للغاية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top