ترجمة/ حامد أحمد
على مدى السنوات الأربع الماضية تعاون فريق علماء آثار من جامعة بنسلفانيا وهما، ريتشارد زيتلر ومايكل دانتي، مع شركاء في العراق لاستعادة واحياء مواقع ثقافية وتراثية في البلد تعرضت لنسب مختلفة من الاضرار.
وعندما تم الشروع بالعمل على الأرض في العام 2019 وبدعم مالي بملايين الدولارات من منظمة التحالف الدولي لحماية تراث مناطق النزاع، المعروفة باسم ALIPH مقدمة من الخارجية الأميركية وآخرين، تركز نشاط برنامج احياء تراث العراق IHSP، حول ستة مواقع صغيرة وكبيرة. واستنادا لعضو الفريق، زيتلر، فان العمل مستمر في اغلبها، مع قرب اكتمال اعمال الترميم لإحدى الكنائس التاريخية في الموصل واكمال نسبة 60% من مشروع ترميم موقع، بيت التتنجي.
وفرت منظمة ALIPH 1.1 مليون دولار إضافية لاعادة اعمار، بوابة ماشكي، وهي احدى بوابات سور نينوى القديم الـ18 . منظمة أخرى تدعى مؤسسة جيردا هينكل فاونديشن Gerda Henkel Foundation الألمانية، قدمت للفريق مبلغ 100,000 دولار لاجراء مسح على صرح معماري غير ديني في مدينة الموصل القديمة. وبالتعاون مع الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية، شرعوا بالجهود لإعادة تثبيت موقع تاريخي جنوب بغداد وهو طاق كسرى، الذي يعد أكبر بناء طوق مقوس من قطعة واحدة في العالم مشيد بدون دعامات ويعتبر من المعالم التاريخية المهمة في المنطقة.
وكما أصاب كل شيء خلال العام الماضي، فان وباء كورونا قد لعب دورا في عرقلة خطى التقدم في كل تلك الجهود. مبدئيا تم اغلاق كل شيء. رغم ان ذلك لم يستمر طويلا، فان آثار الفايروس أبطأت الحركة عبر كل تلك الأشهر، وذلك لتزايد اعداد المصابين في ذلك الوقت وتعرض بعض أعضاء فريق المشروع للإصابة. تقييدات الحظر المتعلقة بكوفيد -19 تعني أيضا بان عضوي الفريق زيتلر ودانتي لم يتواجدا في العراق منذ أواخر عام 2019.
ويقول عالم الآثار زيتلر من جامعة بنسلفانيا "في مثل هذه الحالات تكون العلاقات الشخصية والاتصالات مع الآخرين شيئا مهما جدا". ومع بدء الوباء بالتراجع، يأمل الباحثون بالرجوع الى الموقع قريبا لتقييم مراحل التقدم المتحققة في كل مكان بضمنها المشاريع الثلاث الأكثر حداثة.
على بعد 30 كم تقريبا جنوب شرقي بغداد يقع هناك مبنى طاق كسرى المشيد منذ العهد الساساني. ويعتقد انه يرجع للقرن السادس الميلادي. ويقول دانتي ان الحاكم الساساني خوسرو الأول الذي حكم في ذلك العهد، أراد ان يشيد قلعة تضاهي الكاتدرائية وكانت النتيجة بناء طاق كسرى.
في أواخر عام 2020 تسببت امطار غزيرة بانهيار جزء من القوس. وبعد زيارته للموقع اتصل وزير الثقافة بمنظمة ALIPH التي طلبت بدورها من فريق جامعة بنسلفانيا ان يجري تقييما ومسحا للمبنى. وقامت المنظمة بعد ذلك بتقديم تمويل مهم لعالم الآثار زيتلر وفريقه للعمل على تثبيت القوس وجدران الصرح الذي يبلغ ارتفاعه 120 قدما.
وقال زيتلر "سنقوم ببعض المسح الجيوفيزيائي لنطلع على ما يدور تحت جدران الايوان. سنضع مقاييس التشققات لمراقبة الحركة وسننصب اسقلات للوصول الى الطاق مع توفير إجراءات السلامة والاسناد".
استنادا لدانتي الكل قفز فرحا لفرصة العمل في مثل هكذا معلم تاريخي مهم. وأضاف قائلا "انه صرح ومعلم تاريخي شهير في عالم المعمار والآثار في حقبة تاريخ الشرق الأدنى القديم. يمكن اعتبار ذلك مشروعا رهيبا وذلك لكبر حجم المعلم وحساسية الموقف والوضع المعماري. الكل متخوف من ان في كل لحظة قد ينهار مزيد من كتل الطاق الصخرية".
في موقع آخر عند مدينة الموصل وكما وصفه دانتي على انه "عمل تخريبي متعمد" أقدم تنظيم داعش الإرهابي على تحطيم وتجريف بوابة ماشكي التاريخية وهي من بين 18 بوابة تاريخية أخرى ضمن سور يحيط بمدينة نينوى الآشورية القديمة في الجانب الشرقي من مدينة الموصل.
يقول دانتي "لقد استهدفوا هذه البوابة لانها حسب فكرهم تعود للعصر الجاهلي ما قبل الإسلام. وكذلك فعلوا ذلك كجزء من حرب نفسية ضد أهالي الموصل وذلك لان هذا السور يشكل معلما مهما بالنسبة لهم ومصدر فخر لهم وللكثير من العراقيين".
في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي قام فريق آثاري عراقي بإعادة ترميم البوابة سابقا استنادا الى سجلات تاريخية وما بقي من أساسها. ويقول دانتي "لقد أعادوا إعمار هذا البناء المذهل الذي يمثل رمزا لدور نينوى التي تمثل عاصمة امبراطورية واسعة في بدايات القرن السابع".
بعد تحطيم البوابة قبل خمسة أعوام، طلبت هيئة آثار نينوى مساعدة من فريق بنسلفانيا. وقال زيتلر "استعادة بوابة ماشكي في نينوى هي مبادرة جاءت من داخل المدينة وليس شيء نحن فرضناه من قبلنا، وكما هو الحال مع بقية مشاريعنا، فنحن نقوم بالعمل بالتشاور مع الجانب العراقي".
عند اكمال إعادة اعمارها، فان البوابة ستصبح مركز الزائر للموقع الآثاري المحيط بها، وما يأمله الباحثون ان تصبح هذه البوابة نقطة انطلاق للسائحين ومجاميع طلابية واي شخص آخر يريد ان يعرف أكثر عن نينوى في عهدها المزدهر .
ويقول زيتلر انه بعد تعرض المدينة القديمة لدمار كبير في مواقعها التاريخية أثناء الحملة العسكرية لتحرير الموصل في عام 2017 ، فان قائمة اعمال الترميم للمواقع والمعالم والبيوتات التاريخية في المدينة ازدادت وقد تشمل مئات المواقع في المدينة القديمة لوحدها.
وأضاف دانتي بقوله "نريد ان نبدأ بأهم الممتلكات المعمارية التي من الممكن ان نحقق فيها شيئا مميزا. كثير من الممتلكات دمرت كليا، نعمل على انقاذ ما يمكن إنقاذه من معالم متحف الموصل التاريخي لكي لا ينتهي الوضع بعرض القطع الآثارية في أسواق ومزادات الفنون العالمية".
وعمل فريق جامعة بنسلفانيا على المساعدة في إعادة اعمار موقع قرة سراي وسيقوم قريبا بجهود مشابهة تشمل مقر ومستودع اسلحة الجيش العثماني السابق المعروف باسم، بارود خان.
ويقول عالم الآثار دانتي "حتى لو ان مواقع قرة سراي و بارود خان ومواقع أخرى لم تتعرض لضربة مباشرة اثناء العمليات العسكرية، فأنها تعرضت للتصدع والاهتزاز اثناء معركة الموصل. هذا زاد من عوامل الضرر للمباني التي هي أصلا تعاني من التصدع والهشاشة، علينا ان نقوم بإجراء المسح للمواقع وتقييم وضعها واتخاذ الإجراءات لتثبيتها وتعزيزها، فإنها قد تكون عرضة للانهيار في أي وقت".
ادرج زيتلر في القائمة حوالي ستة مواقع أو نحو ذلك من المشاريع التي يجري العمل فيها بضمنها استرجاع كاتدرائيتين في الموصل، وإصلاح ثلاث كنائس أخرى داخل وحول الموصل وكذلك موقع، بيت التتنجي، وهو منزل يعود للعهد العثماني، قد استخدمه داعش مقرا له. وقال زيتلر "لقد انتهينا تقريبا من ترميم الطابق الأول من ثلاثة جوانب".
ولهذا فان العمل مستمر مع تفشي وباء كورونا بالتعاون مع الشركاء العراقيين للحفاظ على اكبر قدر ممكن من هذا التاريخ والتراث قبل أن يتعرض للاختفاء الى الابد.
عن موقع Penn Today
اترك تعليقك