الحضانة تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون

آراء وأفكار 2021/07/14 10:10:14 م

الحضانة تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون

 هادي عزيز علي

على امتداد فترة تزيد على الستين عاما أرسى القضاء العراقي المبدأ القضائي القائل بأن : ( الحضانة تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون ) هو المبدأ الذي استقرت عليه احكام محكمة التمييز الجليلة منذ تشريع القانونفي نهاية عام 1959 الى يومنا هذا اي على امتداد فترة تزيد على الستين عاما، فالحضانة لديها اينما ترسو يكون عندئذ المرفأ الذي فيه مصلحة المحضون ،

فالاعتبار الاول في هذا الموضوع هو مصلحة المحضون وهوما اولاه القضاء العراقي جلّ اهتمام مستندا في احكامه على مانصت عليه الجملة الاخيرة من الفقرة (2) من المادة السابعة والخمسين اذ جاء النص : ( ... احقية الام او الاب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون) ، وان المشرع عندما نص على ( أحقية الام بحضانة وتربية الولد حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ...) فان ذلك لا يعد انحيازا من قبل المشرع للام على اساس جندري بل لانه مدرك وعلى يقين ان مصلحة المحضون تجد اسبابها لدى الام متى ما كانت الام محتفظة بشروط الحضانة ولم تفقد اي شرط منها وبهذا قضت محكمة التمييز الاتحادية \ هيئة الاحوال الشخصية في حكمها الصادر بالعدد 2885 \ شخصية اولى \ 2007 في 11 \10 \ 2007 : ( اذا ثبت للمحكمة ان الأم اصلح للحضانة من خلال عرضها على الجنة الطبية لبيان سلامتها وكان تقرير البحث الاجتماعي مؤيدا لذلك فلا مانع من الحكم لها بحضانة اطفالها لأنها احق بتربية الطفل وحضانته ) .

الملاحظ ان مصلحة المحضون غابت عن نصوص مشروع تعديل قانون الاحوال الشخصية المادة (57) المعروض حاليا على مجلس النواب خلافا لما استقرت عليه الاحكام القضائية وبالشكل المبسوط اعلاه ، اي ان الحضانة لا تدور وجودا وعدما مع مصلحة المحضون كما عهدنا نصا وتطبيقات قضائية ، وعندما يذكرها المشروع مصلحة المحضون فانه يذكرها مقترنة بمصلحة الاب او الجد الصحيح كما في نص الفقرة 5 من المادة الاولى من التعديل التي تنص على : ( .... تنتقل الحضانة الى الاب الا اذا اقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك عندها تنتقل الحضانة الى الجد الصحيح ...). اي ان مشروع القانون أولى مصلحة الذكور في حضانة المحضون وليس مصلحة المحضون موضوع المادة 57 قبل تشويهها بمشروع التعديل .

ولم يكتف المشروع باهمال مصلحة المحضون بل تعمد وبقصدية مسبقة الى تهميش دور الأم في حضانة محضونها . وهذا واضح من جملة النصوص المناهضة لمصلحة الام في الحضانة منها : أ - تقليص مدة الحضانة لدي الام الى سبع سنوات بدلا من عشر سنوات المعمول بها حاليا . ب - منع الام المتزوجة من اجنبي من حضانة ابنها . ج - انتقال الحضانة الى الجد الصحيح . د - مزاحمة بقية الاولياء للام في حضانة المحضون . هـ - ان استرداد الام لحضانتها المنزوعة بحكم قضائي لا يتم الا بعد مرور سنة على اكتساب حكم نزع الحضانة الدرجة القطعية ولو كان المحضون يتلوى ضررا خلال تلك السنة . و – عدم ذكر الشروط الواجب تطبيقهاعلى الاب اسوة بالشرط التي فرضها المشروع على الام ، اذ يلاحظ ان المشروع كان ينزع نحو مصلحة الاب والجد الصحيح وغير ذلك من الاولياء .

ان من انيطت بهم مهمة وضع التعديل – مثار الجدل – فاتهم الاطلاع على النظام التشريعي العراقي وعلى الخصوص القوانين المعنية بحقوق الطفل كقانون رعاية القاصرين والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المصادق عليها من قبل العراق بالقانون رقم 3 لسنة 1994 ، اذ بموجب ذلك التصديق يكون المشرع العراقي قد الحق الاتفاقية المذكورة بالنسيج التشريعي العراقي واصبحت ضمن النظام القانوني العراقي باعتبارها قانونا عراقيا لها ما للقوانين العراقية من احكام ملزمة ونصوص واجبة الاتباع ، اذ الزمت الدول الموقعة عليها بان : ( تضمن للطفل الحماية والرعايةاللازمتين لرفاهه وتتعهد الدول الاطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته وصلاته العائلية على النحو المقرر قانونا كما تحترم احتفاظه بصلات منتظمة في علاقاته الشخصية بوالديه ، الا اذا تعارض ذلك مع مصالح الطفل الفضلى ) اي ان الأتفاقية الدولة للطفل تضع هي الاخرى مصلحة المحضون في الاعتبار الاول بما في ذلك في علاقته بوالديه ، لذا فان عدم الاخذ بالاحكام التي تضمنتها الاتفاقية المذكورة باعتبارها قانونا وطنيا يؤشر الخلل الذي اكتنف بواطنالمشروع وفي العديد من جوانبه ومواضيعه ونصوصه .

فضلا عما تقدم فان رئاسة مجلس الوزراء قد ارسلت الى مجاس النواب مشروع قانون حماية الطفل وان النصوص المثبتتة في المشروع تتداخل مع نصوص مشروع تعديل المادة 57 ، فكان حريّ بالقائمين على التعديل ان يطلعوا على مشروع القانون وخاصة المادة 4 منه المتعلقة بالعلاقات الاسرية او على الاقل على اسبابه الموجبة التي تنص على : ( لضمان حقوق الطفل والاتقاء بواقع الطفولة في البلد وتحديد وسائل حماية تلك الحقوق والعقوبات المناسبة في حالة انتهاكها وتوفير الرعاية البديلة وتامين احتياجاته ولضمان تطبيق اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها العراق بالقانون رقم 3 لسنة 1994 ) . لذا فان اغفال الاحكام تلك تؤشر على عدم المام القائمين بموضوعه مما جعل المشروع في حالة الضعف والوهن التي جاء بها .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top