إياد الصالحي
تهرب الكلمات المُعدّة للاحتفال .. كلما حاولتُ المُباشرة بخِداع نفسي للتكابر على الانكسار.. فشلتْ ولم أقوَ على كتابة حرف يُشجّعني على بلوغ الفكرة كلّها في يوم تاريخي ..لا مهرب من إدّعاء مواجهة ماضيه واستذكار مواقفه!
قضيتُ وحدتي مُصارعاً مشاعري بين أن تبتهج لذكرى حضوري الأول في مؤسّسة المدى بالثالث من تشرين الثاني عام 2003 بعد ثلاثة أشهر من تثبيت الجريدة في بلاط سُلطة الحرية، وبين أن ترتجف مهابة لفقدها الأحبة بعدما كانوا روح الإبداع طوال سنيّ العطاء برسم الوفاء.
لو كان لجرح قلبي فاه لصرخ أين حيدر مدلول؟ عُد يا صديقي لنكتب عن كُلّ ما يُسعدنا هذا اليوم ونسترجع ما مرّ من حكايات مأوانا الصغير في بيت المدى الكبير، تعال لنمزح مع خيال العم محمد حنون فقد ترك في جرّار مكتبهِ وشاح برشلونة وغادر العراق، وذاك ماجد الماجدي المنهمك في تصميم وتجميل المواضيع بحرفنة، لم يزل قلبه يتحمّل تغيير صورة وعنوان في الصفحة بعد انجازها، لنذهب الى الدكتورة غادة العاملي ونسلّمها رسالة طه كمر وقد كتب فيها مودعاً (أحبكم .. وإن حالت الضوابط بعدم عودتي اليكم)!
آه يا حيدر، فآب الرياضة الحالي ليس كل الأعوام الماضية التي كنا نتحيّن عيدنا هنا لنستطلع آراء الرياضيين بارتياح، فمؤسّساتهم فقيرة ومنجزاتهم وعود بلا تنفيذ.. وأولمبيتهم أدمنتْ المُخادعة في كل دورة عالمية تارة تشكو غياب المال وتارة تبكي على الحال ضُعفاً، بعدما استحوذ قادتها على أوراق النصيب للفوز بجوائز المناصب!
تمرّ الذكرى 18، نحمل مشاعل الوفاء للمهنة وللمؤسسة وسط طريق مملوء بفخاخ كورونا، يُباغتنا النكباتْ برحيل أحبّتنا، وها هو طه كمر آخر ضحاياه ولن يكون الأخير، استسلم لقبضته ويبات الليلة الثانية تحت الأرض، لم يتركه الفايروس إلا بعد أن بحلقت عيناه سماء قدره مع زفير النهاية مودّعاً أولاده اليتامى على ذمّة زوجة مخلصة ومؤمنة بتقلّبات الحياة، واستودع في ممرّات المدى ضحكاته وهمساته وكرسيّه الذي ما أنحنى لثقل وزنه، ومسودّات اشعاره الجميلة التي كان يُطلقها بعفوية هدايا للمارّين به، عربون صداقة بريئة لم يعرف للمداهنة والمساومة وجهين لهما في قلبه المسموع والمرئي بلسانه ونيّته.
بأية حال عُدتَ يا عيد المدى، رحلتْ ذكريات الأمس مع أهلها، وظلّت عيوننا تداري فردات دموع الشوق لغيابهم وصمت حضورهم الروحي في الكافتيريا لالتقاط صور العيد السنوي وتوزيع الحلوى والمرطبات، ونتفرّق بعده على إيقاع خطواتنا صوب مكاتبنا لنواصل الاصدار اليومي بحماسة كبيرة تستمد طاقتها من حبّنا للعمل واصرارنا بأن تكون المدى الأميز والأروع والأصدق والأنقى تجمّعاً مهنياً برغم الارهاصات الصغيرة الناجمة عن الارهاق الفكري والبدني.
لا ندري، هل سنحتفي في عيد المدى آب 2022 ونوقد الشمعة 20، أم سنغادر بمشيئة الله الى أماكن أخرى، وهذا الوباء المتخفّي والمتلّون والمتذاكي على حساب أرواحنا يُمسك دفتر ضحاياه ليدرج بالمزاج من يقع تحت أجهزة تنفس “رائحة الموت” التي لم تعد تمدّهم بالأوكسجين بقدر منحهم أوقاتاً اضافية للنجاة منه أو رفعها عنهم بصفارة النهاية!
كل عام والمدى باب العطاء لصحافة العراق ومجمع النُبلاء برغم هول البلاء.
اترك تعليقك