وثائقيات: كوبا والمصور

وثائقيات: كوبا والمصور

علي الياسري

منذ البداية يقترح المخرج جون ألبرت على مُشاهد فيلمه ان كوبا بعد الثورة هي فيديل وأن فيديل هو وجه كوبا soy cuba, soy fidel. فهو ينطلق من حشد جنازة كاسترو وينتهي برحلة نعش الكوماندانته حين طافت مدن بلده. على مدى اربعة عقود اقترب ألبرت الامريكي حاملا كاميرته ليطوف مدن الجزيرة المناهضة للرأسمالية بعد ان ابهرته السياسات الاشتراكية التي سمع ان فيدل يطبقها.

تبدو رحلته رغم انحيازها العاطفي اقرب لرصد انثربولوجي يدقق في تفاصيل العيش ويسجل وقائع التغييرات السياسية والاجتماعية على مجموعة من الناس صار ملتزما معهم بصداقة اثمرت ساعات كثيرة من التسجيلات التي تؤرشف من خلالهم تاريخ الجزيرة المناهضة للسياسات الامريكية وأحيانا تعبر عن استياءها وإن كان على استحياء من نظام الحكم وتبعات سياساته. كانت كوبا قطب رحى الحرب الباردة ومركز استقطاب الازمات لكنها مع كاسترو استطاعت ان تمرق من حصار ممتد فرضته امريكا حتى كان سقوط الاتحاد السوفيتي الذي مثل فاجعة متعددة الاوجه على نظام الحكم بكوبا. عرف ألبرت فيديل وتقرب منه واستقطبه الزعيم الكوبي حين اعتبره نافذة دبلوماسية يطل منها على الاعلام ومن بعد الشعب الامريكي، وهو الذي ما فتيء يسدد طعنات ماكرة للسياسة الامريكية المعادية ابرزها حين فتح الباب لمواطنيه في اكبر موجات الهجرة للولايات المتحدة ففرغ السجون من معارضيه ومن المجرمين ودفعهم للسفن تحملهم وكل تبعاتهم لُيلقيها على السواحل في فلوريدا ليخرج لنا توني مونتانا في فيلم المخرج برايان دي بالما سكارفيس بعد ان كتب ملامحه أوليفر ستون عاكسا لنموذج من تلك الهبات البشرية. يقدم المخرج اثمن اللقطات النادرة لكاسترو وهو يعكس شخصية مرحة متفائلة ترغب بالحياة بقوة وربما هذا احد عوامل النفس العاطفي الذي يغمر الفيلم. غير ان علائقه مع الشخصيات التي ألتقاها تعكس تنوعا اغنى صورة الفيلم بحركة التاريخ والمجتمع وأثمر نتاج وأرشيف حافل بالكثير من المعلومات والتفاصيل عن الجزيرة شبه المجهولة للعالم. يصل جون ألبرت برحلته الى موت فيديل ويقرنها بأضمحلال السياسات الاشتراكية التي انهاها كاسترو بشكل او باخر حين فتح الباب للسياحة فهرعت الرأسمالية تتجول وتُنشأ قواعدها على شواطيء ورمال كوبا الناعمة كي يستطيع البلد ان يقاوم الانهيار الاقتصادي الذي عاناه خصوصا في عقد التسعينات. فتظهر لنا الطبقية وكل خطوط الشروع الرأسمالية بعد ان غدا الحلم الاشتراكي مجرد حطام وبيوت متهالكة تعج بها ازقة وحواري هافانا تروي تلك الايام التي لم يتبقى منها سوى الشعارات وتذكارات تُباع للسائحين بالعملة الامريكية!!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top