في سحر الشاشة.. المشاهدة تجربة حسية مشفوعة بوعي فني

في سحر الشاشة.. المشاهدة تجربة حسية مشفوعة بوعي فني

علاء المفرجي

لحظة الكتابة عن الافلام تشبه - الى حد ما- محنة الوقوف أمام مسارات عدة لطريق وحيد ساحر. ذلك ان أيا منا – كما جرت العادة- يسلك طريقه الخاص في اكتشاف عوالم الفيلم وتأويلها،

من دون ان يعني ذلك ان الكتابة عن السينما منزوعة التقاليد أو فاقدة الاسس، بل على العكس من ذلك تتباين فيها الرؤى والمناهج والذائقة بشكل حر، لتقودنا الافلام السينمائية في كل مرة- مع تفاوت مستوياتها- صوب المعرفة الجمالية والفكرية، ليس فقط لوصف وتحليل ما شاهدناه عبر زاوية نظر محددة، وانما لاجتراح كتابة ابداعية ناجزة عن انجاز صوري يأسرنا ويقتضي منا تاليا وأبدا عناية نقدية جادة وتفكر شديد وتذوق حساس.

هذا ما سيتجلى في كتاب (سحر الشاشة) للناقد احمد ثامر جهاد، الصادر حديثا والذي يتضمن مقالات عن السينما بتبويب خاص بالاسلوب، والموضوع، والنوع السينمائي؛ فالمؤلف يرى:» في رحلة الكتابة السينمائية ربما تتلخص المهمة الاصعب والاجمل في اختبار القدرة على صياغة افكارنا في فضاء قراءة نقدية رحبة تؤمن بالرأي والرأي الاخر على قدر ابتعادها عن منزلق الجزم والصيغ الجاهزة، لتنشد في خواتيمها الوصول الى عتبة قراءة متماسكة وممتعة أسوة بتماسك الفيلم وإمتاعه».

عمد جهاد الى تبويب الكتاب الى عناوين تقع تحتها الافلام ذات العلاقة، حيث تضمن الكتاب اربعة ابواب هي: اللوحة الكلمة، الحرب السلطة، المستقبل الشر، وملحق قضايا وأراء.

ففي باب اللوحة الكلمة، نقرأ أنه ليست المرة الاولى التي تتعاطى فيها السينما مع الفن التشكيلي بما له من خصوصية فنية وما زخر به من روائع خالدة سجلت على مدى القرون الماضية تحولات التجربة الإنسانية بسعتها وتنوع افقها. فقد شهدت السينما العالمية منذ بداياتها محاولات اخراجية عدة افادت بطرق مختلفة من اساليب الفن التشكيلي في بناء اللقطة السينمائية، فيما توجهت افلام اخرى الى اعادة رسم اعمال الفنانين وحيواتهم في سياق علاقتها بفنهم او باحداث عصرهم. وبقدر ما برهنت السينما في المجالين الروائي والوثائقي على قدرتها في امتلاك لغتها الخاصة.

وفي باب الحرب السلطة.. يتناول في تطبيقات افلام الحرب، وإذا ما كانت الحرب تماثل، بشكل من الأشكال، أصوات رواتها وموقعهم منها، فإن صور المصائر الأليمة لضحايا حربي أفغانستان والعراق-على نحو خاص- اصدق من سيل البطولات الزائفة التي حيكت حول تلك الحربين وابلغ في توصيف حقيقتها المرّة. سرديات ضائعة لأناس من لحم ودم، ليس ثمة من يمثلهم في ماكنة هوليود العملاقة التي احتكرت-إلى حد ما- الحديث عن حروبها على الشاشة وهي كعادتها تشيح بوجهها عن حماقات ساستها. لكن تلك ليست الصورة كاملة، إذ نشهد من حين إلى آخر ظهور أفلام -أوربية غالبا- تحاول الاقتراب بموضوعية من حقيقة ما جرى.

أما في باب المستقبل الشر نقف وبالتحليل عند عدد من افلام الخيال العلمي، هل نبدو مبالغين إذا قلنا ان أفلام الخيال العلمي أصبحت تؤخذ بجدية اكبر من قبل النقاد والسينمائيين، بفعل عبقرية كوبريك في (اوديسا الفضاء) والذي قدم لعشاق الفن السابع نوعا سينمائيا جديرا بالقراءة والتأمل .

في المقابل نجد ان فرادة فيلم كوبريك الذي فتح آفاقا جديدة لسينما الخيال العلمي،جعلت منه ذروة فنية يصعب اجتيازها، وربما يمكن عده، مع الاحتمال الضعيف لاستبعاده من الذائقة السينمائية، تحديا جماليا أمام مخرجي هذا النوع السينمائي. هل يمكن نسيانه مع أية مشاهدة لفيلم خيال علمي جديد؟ المقارنة تبدو حتمية مع انها قد تكون مجحفة بحق بعض الأفلام التي تنتج اليوم، لاسيما مع اختلاف الموضوعات والمعالجات السينمائية من فيلم إلى آخر.

وفي قضايا وأراء يتناول علاقة السينما بالأدب، بعض الافلام الوثائقية، وراهن السينما الايطالية.

فقد يعتبر البعض ان علاقة الأدب بالسينما جوهرية، في حين لم تزل تلك الصلة بنظر العديد من صناع السينما –على نحو خاص-علاقة كاذبة أو مُضلِلة. وليس غريبا ان يقول»انغمار برغمان» في مكان اخر، وهو الذي عدت أفلامه من بين آخرين الأكثر قربا إلى الأدب والمسرح خاصة،»ان الفيلم لا علاقة له بالأدب، فطبيعة الاثنين ومادتهما مختلفتان».

في الوقت الذي يشير الروائي نورمان ميلر إلى ان»الفيلم والأدب يختلفان اختلاف رسم الكهوف عن الأغنية»،مع ان آخرين (سينمائيين وأدباء) مثل فلليني وآيزنشتاين وغراهام غرين يعتبرون السينما اقرب الفنون إلى الأدب، لناحية اشتراكهما في عنصر جوهري هو القصة.

ومع اختلاف وجهات النظر وتقاطعها في بعض الأحيان، فان الجهود التي سعت إلى وضع مقاربات مثيرة بين الفنين الغريمين ظلت متواصلة طيلة عقود طويلة، شهدت السينما خلالها تطورات عدة، سواء في بنيتها أو أسلوبها أو جمالياتها الخاصة، وقد ذهبت بعض المقاربات.

 

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top