متابعة/المدى
يعيش مهاجرون عراقيون ظروفا صعبة داخل مخيم "نيا كافالا" للاجئين، وهو أكبر مخيمات شمال اليونان، حيث يسكن 1200 طالب لجوء في منطقة نائية بين الحقول الزراعية وخلف طرقات سريعة، تحت إشراف السلطات اليونانية.
ويقول المهاجر العراقي حمادة إن "كل شيء يبدو نظيفا ومرتبا من الخارج، لكن عليكم الدخول والعيش هنا ليوم واحد فقط لمعرفة إلى أي مدى الحياة اليومية في هذا المخيم تقودنا إلى الجنون".
ويبدي حمادة استياءه من واقع معيشي فُرض عليه وانتظار طويل لا مفر منه داخل مخيم "نيا كافالا" على بعد حوالي 60 كلم من مدينة سالونيك.
ومضى على وجود الشاب الثلاثيني في هذا المخيم تسعة أشهر، بعد أن نقلته السلطات اليونانية من جزيرة ساموس.
ويضيف: "أشعر وكأنني أنهار نفسيا في مخيم معزول لا يسعنا أن نفعل فيه أي شيء سوى الانتظار".
وبينما يكمل حمادة حديثه، تصل سيارة أجرة إلى باب المخيم الرئيسي وتتعالى أصوات الخلاف بين أحد اللاجئين والسائق.
ويعلق مهاجر عراقي آخر هو "ابو عباس" قائلا: "اعتدنا على هذا النوع من الأحداث".
أبو عباس الذي مضى على وجوده في هذا المخيم 18 شهرا، يقول "سيارات الأجرة الخاصة هي وسيلة النقل الوحيدة لقاطني المخيم، علينا أن نمشي 30 دقيقة على الأقل للوصول إلى أقرب متجر لشراء الطعام والاحتياجات الأساسية".
ويضيف: "ومن أجل الذهاب إلى أقرب مدينة (بوليكاسترو) يجب السير لمدة ساعة على الأقل".
جدار إسمنتي وطرق سريعة تحاصر المخيم
مخيم "نيا كافالا" يستقبل 1200 لاجئ وطالب لجوء ينحدرون بشكل رئيسي من سوريا والعراق وأفغانستان والكونغو الديمقراطية، وهو واحد من 28 مخيما رسميا تشرف عليها السلطات اليونانية بالتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة.
ويحق للمهاجرين الدخول والخروج منه دون قيود، لكن موقع المخيم المعزول في منطقة نائية بين الحقول الزراعية وخلف طرقات سريعة يزيد من شعور طالبي اللجوء بالوحشة.
منذ حوالي ثلاثة أشهر، أحاطت السلطات اليونانية المخيم بشكل كامل بجدار إسمنتي يتخلله حواجز حديدية وأبواب مقفلة.
ويتابع أبو عباس: "بعد أن هربنا من الظلم والاستبداد في بلدنا الأم، وجدنا أنفسنا في مخيم محاط بأسوار وجدار، وكأننا نعيش داخل سجن مفتوح في دولة أوروبية".
ويشك أبو عباس في ان السلطات اليونانية تخطط لتحويل المخيم إلى مركز مغلق، متسائلا: "لماذا يفعلون ذلك؟ لربما سيصبح المخيم مماثلا لمخيمات الجزر ولن نتمكن من الخروج بحرية".
وتقول وزارة الهجرة اليونانية أن الهدف من هذه الجدران هو "تعزيز الشعور بالأمن" لطالبي اللجوء وللسكان.
ونشرت الوزارة في نهاية آذار الماضي، مناقصة بميزانية تقارب 18.5 مليون يورو لأعمال الأمن والسياج في مرافق الإقامة في البر الرئيسي.
يقف أبو عباس إلى جانب الباب الرئيسي للمخيم ممسكا هاتفه بيده التي تعرضت لإصابة في العراق أدت إلى فقدانه جزء من أحد أصابعه، "نحن متروكون هنا، ولا توجد إدارة حقيقية للمخيم".
ويشتكي الرجل الأربعيني من سوء المتابعة الطبية "تعرضت للسجن على يد حزب في العراق، ولدي أمراض كثيرة ناجمة عن هذه التجربة. أعاني حاليا من انتفاخ شديد مؤلم في البطن، وطلبت المساعدة هنا، لكنهم قالوا إني بحاجة لرؤية طبيب مختص. أعطوني موعد بعد ثلاثة أشهر. الآن عليّ الانتظار وتحمل الألم لأشهر بصمت".
ومثل كثيرين، ينتظر أبو عباس منذ أكثر من عامين الرد على طلب لجوئه بعد أن حصل على رفض أولي، وينتظر قرار محكمة الاستئناف.
لا أحد يريد البقاء في اليونان
أنشأت السلطات اليونانية مخيم "نياكافالا" القريب من الحدود مع مقدونيا الشمالية وبلغاريا، منذ حوالي أربعة أعوام في مطار عسكري سابق لا توجد حوله سوى سهول وأراض شبه قاحلة، لكن الظروف المعيشية في هذا المخيم شهدت تحسنا في الآونة الأخيرة بعد أن استبدلت السلطات الخيام بغرف مسبقة الصنع، تكسو أسطحها صفائح الطاقة الشمسية.
لكن أبو عباس غير راض عن هذه التغييرات الجديدة، يقول "أتشارك غرفة واحدة مع خمسة شباب آخرين. المكان صغير للغاية ولا توجد لدينا مساحة كافية للجلوس جميعا في الغرفة التي تحتل مساحتها الأسرّة".
وفي مدينة كيلكس التي تبعد حوالي 25 كلم عن المخيم، تقدم منظمة "أومنيس" غير الحكومية بعض الأنشطة التي تساعد اللاجئين على الاندماج، إضافة إلى دعم طالبي اللجوء أثناء الإجراءات الإدارية.
لكن تحديات كبيرة تواجه هذه المنظمة بحسب مدير المشاريع في الجمعية ديمتريس دمترزيس، الذي قال إن "أغلب القادمين الجدد لا يريدون البقاء في اليونان، ولذلك هم لا يرغبون بتعلم اللغة اليونانية. الكثيرون يطلبون منا أن نعطيهم دروسا في اللغة الألمانية! هم يريدون فقط إكمال طريقهم".
حديث ديمتريس يؤيده أبو عباس الذي قال إنه يريد إكمال طريقه إلى ألمانيا، وماري تريد الذهاب إلى فرنسا، وحمادة لن يبقى "يوما واحدا في اليونان بعد الحصول على أوراقه"، بحسب قوله.
العزلة التي يعيشها طالبو اللجوء في اليونان لا تقتصر فقط على المخيمات البعيدة عن المدن، وإنما بحسب ديمترس "تروج هذه الحكومة لفكرة المخيمات المغلقة وتسعى لإبقاء اللاجئين في المخيمات حتى بعد حصولهم على الأوراق. الدولة تريدهم أن يبقوا بعيدين عن الأعين في مخيمات معزولة".
اترك تعليقك