باسم محمد حبيب
على الرغم من أن البيان الذي أصدره مجلس القضاء الأعلى عن أسباب موافقته تشكيل لجنة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي ، قد عرض أجمالا أهم أسباب تشكيل هذه اللجنة ، وهي – بحسب البيان - رصد بعض الحالات المرفوضة أخلاقيا واجتماعيا مثل :
الدعوة إلى تبادل الزوجات ، والحث على الإلحاد ، وممارسة أعمال الدعارة ، والترويج لأفكار تتنافى مع ثوابت الإسلام المنصوص عليها في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، والتي نصت عليها المادة (2) التي اعتبرت الإسلام دين الدولة الرسمي ، وأكدت الحفاظ على الهوية الإسلامية ، إلا أن هناك جوانب مازالت غامضة وتتطلب إيضاحا أكثر ، أو حتى مناقشة لجدواها و ضرورتها إذا ما تطلب الأمر ذلك ، ومن هذه الجوانب : تحديد أهم الحالات التي علي اللجنة رصدها ؟ فهل هي فقط تلك الواردة في البيان ؟ أم يمكن إضافة حالات أخرى بحسب ما تراه اللجنة مناسبا أو تقرره خلية الأعلام الأمني ، كذلك هل هذه الحالات هي جزء من مهام خلية الأعلام الأمني أم هي ملحقة بمهامها ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، أليس من المفروض أن يتم تشكيل لجنة تختص بكل القضايا الأمنية وعلى رأسها قضايا الإرهاب والفساد التي تشكل الخطر الأكبر على البلاد ، على أن تشمل مهام اللجنة أيضا الحالات التي ورد ذكرها في البيان ، إلا إذا كانت هناك لجنة أو لجان متخصصة بتلك القضايا ، فيمكن حينئذ أن تكون هذه اللجنة رديفا لها .
كذلك هناك تساؤل عن مدى تقيد اللجنة بالحالات التي أشار بيان المجلس إلى أنها ستكون من مهامها ، و من يضمن أن لا تستغل جهات أخرى المعلومات التي توفرها اللجنة للتضييق على الحريات العامة التي ضمنها الدستور ومنها حق إبداء الرأي ؟ فقد يتم التضييق على أصحاب الآراء السياسية ، ومن يقوم بنقد أداء المسؤولين ، أو الأخطاء التي ترتكبها مؤسسات الدولة من وزارات ودوائر مختلفة سواء على مستوى البلد أو حتى على مستوى الإقليم والمحافظات. وعلى الرغم من أن بعض الحالات التي أشار البيان إليها واضحة كتبادل الزوجات والدعارة وهي من الأمور التي تحتاج إلى مراقبة ورصد ، إلا هناك حالات أخرى تتطلب أيضاحا أكثر كالألحاد والترويج لأفكار هدامة أو متناقضة مع ثوابت الإسلام الواردة في البيان ، إذ من الضروري وضع تعريف لها لمنع أي غلو في التعاطي مع هذا الأمر ، ولابد أن يحدد : ما المقصود بالألحاد هنا ؟ هل المقصود به نكران وجود الله فحسب ؟ أم يشمل قضايا دينية أخرى كـ نكران أركان الإسلام و العبادات أو التشكيك بقصص دينية وما إلى ذلك ، وكيف يتم التعاطي مع نكران طائفة ما لجوانب أعتقادية وعبادية تخص طائفة أخرى ؟ وهل يتم تجريم الأشخاص الذين يعرضون ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي ؟ و ماذا عن الديانات الأخرى : هل هي مشمولة به ؟ ما هي المعايير التي يحدد بموجبها الملحدون من أفرادها ؟ وهل تنطبق عليها المعايير ذاتها التي تنطبق على المسلم ؟
كذلك من الضروري أيضاح ما المقصود بالأفكار التي تتنافى مع ثوابت الأسلام ، وقبل كل شيء لابد من تحديد ثوابت الإسلام التي يجدر عدم المساس بها أو الترويج لأفكار مخالفة لها ، لأن هناك أختلافا بين الفقهاء والمذاهب الأسلامية حولها ، فهل هي الثوابت الخاصة بكلا المذهبين ؟ أم فقط الثوابت المتفق عليها بينهم ، أم يتم تحديدها بلجنة خاصة تجمع رجال دين من المذهبين لضمان عدم حصول خلاف أو جدل حولها ، لكن أهم سؤال برأيي هو فيما يخص الحفاظ على الخصوصية : فإذا كانت القوانين الدولية والدستور العراقي يضمنانها ، فكيف لـ اللجنة الالتزام بذلك وهي ستراقب مواقع فيها كثير من المعلومات الشخصية للأفراد ، ومن يضمن أن لا تقع هذه المعلومات في الأيدي الخطأ ؟ فيتعرض الأفراد إلى كشف خصوصياتهم التي قد تترتب عليها أمور خطيرة .
لذا نأمل من مجلس القضاء الأعلى أيضاح الجوانب التي تثير الجدل والألتباس ، منعا لسوء الفهم وتجنبا للأخطاء والمخاطر المحتملة .
اترك تعليقك