متابعة/المدى
ناقش تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الخميس، التحولات الخطيرة في المناخ واثارها على العراق، مما ستؤدي إلى انخفاض المنتجات الزراعية وندرة المياه وعواصف ترابية شديدة، فيما اعتبر التقرير ان ارتفاع درجات الحرارة في العراق ستكون نموذجًا عما سيشهده العالم أجمع مستقبلًا.
ويشير التقرير إلى وجود شعور باليأس لدى السكان في جنوب العراق جراء الجفاف وارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية، وهو الأمر الذي أدى لتلف الأراضي الزراعية وهجرة السكان من منطقة كانت يوما مهدا لأول حضارة إنسانية على وجه الأرض.
وقدرت الأمم المتحدة مؤخرا أن أكثر من 160 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية في العراق تحولت إلى صحاري جرداء.
في المقابل، أدى نقص الأمطار خلال السنوات الماضية إلى اعتماد المزارعين على مياه نهري دجلة والفرات، التي شهدت هي الأخرى نقصا نتيجة بناء تركيا وإيران سدودا عديدة على منابع تغذية النهرين.
أدى ذلك، وفقا للتقرير، إلى صعود المد الملحي من مياه الخليج جنوبي العراق باتجاه شط العرب، وصولا إلى نهري دجلة والفرات وبمسافة تقدر بـ100 كيلومتر في عمق مدينة البصرة.
ويلتقي نهرا دجلة والفرات في منطقة كرمة علي شمالي البصرة، ليشكلا شط العرب الذي يصب بدوره في مياه الخليج.
في منطقة الأهوار، المشهورة تاريخيا بمسطحاتها المائية منذ أيام السومريين، بدأت معاناة السكان المحليين بالازدياد حيث تموت الجواميس وتهاجر العائلات إلى المدن لعدم قدرتهم على تحمل ارتفاع درجات الحرارة.
وفقا للتقرير، ما يحدث في العراق من ارتفاع لدرجات الحرارة يعد مؤشرا على ما سيشهده العالم في المستقبل.
فقد تجاوزت درجات الحرارة في العراق هذا الصيف 51 درجة مئوية، بالتالي بات البلد الأسرع الذي ترتفع فيه درجات الحرارة مقارنة بباقي دول العالم.
وارتفع متوسط درجة حرارة العراق بمقدار 4.1 درجة فهرنهايت منذ نهاية القرن التاسع عشر أي ضعف ما شهدته باقي مناطق العالم، وفقا لمؤسسة "بيركلي إيرث" لعلوم المناخ ومقرها كاليفورنيا.
ويحذر علماء المناخ من أن ارتفاع درجات الحرارة في أماكن مثل جنوب العراق ليست سوى مؤشر بسيط على ما سيجري في أماكن أخرى من العالم.
وتعد ملوحة المياه، مرفقة بالارتفاع الشديد في درجات الحرارة، ضربة قاضية للقطاع الزراعي العراقي الذي يشكل نسبة 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ويوظف 20 في المئة من إجمالي اليد العاملة في البلاد.
وفي الأعوام الماضية، تسببت ملوحة المياه بتحويل آلاف الهكتارات من الأراضي إلى أراض بور، وبدخول مئة ألف شخص إلى المستشفيات في صيف العام 2018.
وفي الإجمال، تضرر "سبعة ملايين عراقي" من أصل 40 مليونا، من "الجفاف والنزوح الاضطراري"، وفق ما ذكر الرئيس العراقي برهم صالح في تقرير أصدره عن التغير المناخي الصيف الماضي.
وليست هذه سوى البداية. ففي السنوات القادمة، سوف تزداد تداعيات التغير المناخي حدة، كما كتب الرئيس العراقي: "مع وجود أعلى معدلات التزايد السكاني في العراق، تُفيد البيانات بأن عدد سكان البلد سيتضاعف من 38 مليونا اليوم إلى 80 مليونا بحلول عام 2050، وهذا يُضاعف المخاطر الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ إذا تُركت من دون معالجة".
وحذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2019 من أن "التغير المناخي من المتوقع أن يقلل هطول الأمطار السنوي في العراق، مما سيؤدي إلى زيادة العواصف الترابية وانخفاض الإنتاجية الزراعية وزيادة ندرة المياه".
ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه في عام 2015، كان لدى كل عراقي 2100 متر مكعب من المياه المتاحة سنويا، مضيفا أنه بحلول عام 2025، ستنخفض تلك الكمية إلى 1750 مترا مكعبا، مما يهدد استقرار الزراعة والصناعة في البلاد على المدى البعيد، فضلا عن تهديد صحة السكان.