متابعة/المدى
ناقش تقرير سعودي الاليات التي ستساعد بها السعودية، العراق في المجال الزراعي وسط ازمة المياه التي يشهدها البلد، والتي اضطرته الى تخفيض المساحات المزروعة للموسم الشتوي بنسبة 50% مما سيدفعه للاستيراد خلال العام المقبل.
ومؤخراً كشفت وزارة الزراعة العراقية عن اتفاق وشيك مع السعودية يهدف إلى حل مشكلة شح المياه المخصصة للزراعة في العراق، حيث أن الوزير محمد كريم الخفاجي سيزور المملكة قريباً؛ لإبرام عقد يهدف إلى حل مشكلة شح المياه المخصصة للري في العراق.
وأوضح وكيل الوزارة مهدي الجبوري، أن وزارة الزراعة ستوقّع عقداً مع شركة "خريف" السعودية، مدته 10 أعوام ويتضمن الدعم بمرشات لتوصيل 50% من الحصة المائية، كما بيَّن وكيل وزارة الزراعة أن العقد سوف يساعد في زيادة الإنتاجية بنسبة 60% تقريباً.
معاناة العراق
يعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات، وروافدهما التي تنبع أغلبها من تركيا وإيران.
ويعاني العراق منذ سنوات، من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عبر نهري دجلة والفرات، وفاقم أزمةَ شح المياه كذلك تدني كميات الأمطار الساقطة في البلاد على مدى السنوات الماضية.
والأحد (17 أكتوبر 2021)، أعلنت السلطات العراقية تقليص المساحات الزراعية في عموم البلاد إلى النصف عن العام الماضي، بسبب تدني الإيرادات المائية.
وقال المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، إن "وزارة الموارد المائية أوضحت أن المخزون المائي المتاح في السدود والخزانات يكفي لسد احتياجات 2.5 مليون دونم (الدونم يعادل 2500 متر مربع)".
ويعني ذلك، أنه تم خفض نسبة المساحات المقررة للزراعة هذا العام إلى 50% عن المساحات المقررة للعام الماضي والبالغة خمسة ملايين دونم.
وأوضح النايف أن "القرار جاء نظراً إلى انحسار الإيرادات المائية، والغطاء الثلجي في العراق والمنطقة، واحتمالية أن يستمر الانحسار المائي خلال الموسم الشتوي المقبل".
وستضطر البلاد إلى تغطية الاحتياطات الاستهلاكية من السلع الزراعية، عبر الاستيراد من الخارج، فيما لم يورد المسؤول العراقي أصناف الزراعة التي ستتأثر سلباً.
وكان وزير الزراعة العراقي حذَّر في وقت سابق، من احتمال تسبب شح المياه في انهيار الأمن الغذائي بالبلاد، موضحاً أن 90% من الإيرادات المائية تأتي من تركيا، مقابل 10% من إيران.
وينتقذ خبراء مختصون الجهات الحكومية في طرق معالجتها للأزمة، مشيرين إلى وجود أخطاء في أساليب التعامل مع الأزمات والقضاء عليها، وعدم وجود استراتيجية ناجعة من قِبل الحكومة للتعامل مع شح المياه.
الدعم الحكومي
الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني، قال في تصريحات تابعتها (المدى)، إن ما يحتاجه القطاع الزراعي في العراق هو الدعم الحكومي، مبيناً أن ذلك يكون من خلال "توفير مدخلات الإنتاج؛ لكي يستطيع المنتج المحلي منافسة الأجنبي".
حديث المشهداني يشير إلى سياسة الجهات الرسمية العراقية بفتح باب الاستيراد أمام المنتجات الزراعية التي تعرض في الأسواق بأسعار أقل من المنتجات العراقية المشابهة؛ ما يتسبب في ضرر للمنتج المحلي، وهو ما أكده عدد من المزارعين، إذ يقولون إن عدداً كبيراً من المزارعين هجروا الزراعة، بسبب سيطرة المنتجات الزراعية المستوردة على السوق.
المشهداني يشير إلى وجود الأراضي الصالحة للزراعة، مستدركاً أنه لم يعد يُستغل منها سوى 15%، إضافة إلى تأكيده وجود المياه والقوى العاملة.
المشكلة تبرز هنا في الدعم الحكومي حسبما يرى المشهداني؛ حيث يقول إن وزارتي النفط والكهرباء ترفعان أسعار المشتقات النفطية والكهرباء المجهزة للقطاعين الزراعي والصناعي من 400 دينار (27 سنتاً) للتر الواحد للكاز إلى 750 ديناراً (51 سنتاً)، في حين ارتفع السماد الكيماوي ليبلغ الطن من 450 ألف دينار (307 دولارات) إلى أكثر من مليون وربع المليون (855 دولاراً).
خبرات السعودية
ليست السعودية بأفضل حالاً من العراق من ناحية توافر المياه الصالحة للري، لكنها أكدت تفوُّقها في إدارة الأزمة لتُحقق نجاحات كبيرة، وتغطي احتياجاتها في عديد من المحاصيل، فضلاً عن تصدير محاصيل عدة؛ لتساهم الزراعة في واردات الدولة.
تحسنت الزراعة بشكل كبير على مدى العقود الماضية، خاصة في منطقة الجوف والقصيم وحائل والأحساء والخرج وغيرها من مناطق المزارع التي تمثل مناخاً وأرضاً خصبة للزراعة.
واليوم تبلغ مساحة الأراضي المزروعة -وفقاً لتقارير حكومية- نحو مليون هكتار (الهكتار يساوي 10 آلاف متر مربع).
ويمثل اعتماد الزراعة على المياه الجوفية غير المتجددة في هذه المناطق أبرز تحدٍّ لاستدامة الموارد الطبيعية والنشاط الزراعي بالمملكة.
وواجهت المملكة هذا التحدي، وفق الاستراتيجية الوطنية للمياه، بتقليص استهلاك المياه الجوفية غير المتجددة في الزراعة من 19 مليار متر مكعب في عام 2017 الى 2.6 مليار متر مكعب في عام 2030، وتطوير مصادر المياه المتجددة مثل حصاد مياه الأمطار وإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة.
وفي الوقت الحاضر، ترتكز الزراعة في السعودية على الاكتفاء الذاتي وتطوير ودعم الزراعة، ويتم الآن تشجيع المزارعين على استخدام التقنية واستخدام طائرات الدرونز في مجالات الزراعة؛ لمواكبة تطوُّر الزراعة ورفع الكفاءة الإنتاجية والتشغيلية.
وتبذل المملكة جهوداً كبيرة لمواكبة هذا التطور، من خلال تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، والاستفادة منها بأفضل السبل الممكنة لدعم الأمن الغذائي.
وبدعم من الجهات الخاصة بالزراعة يتم تقديم المعلومات الزراعية ووقاية المحاصيل والإرشاد الزراعي بشكل يومي، وإثراء المزارعين بالمعلومات المفيدة في وقت الزراعة والممارسات الزراعية السليمة وغيرها.
- الخبرات متوافرة
الخبير الزراعي العراقي جاسم الحديثي وصف شركة "خريف" التي يسعى العراق للتعاقد معها، بأنها "متميزة بإنتاج المرشات. هذا ما يميز هذه الشركة".
وأضاف: "لدى الشركة السعودية مرشات بأحجام 60 و80 و120دونم، تسمى مرشات محورية وكذلك توجد مرشات ثابتة"، لافتاً إلى أن العراق سبق أن استورد من هذه المرشات في أثناء فترة الحصار (1991-2003)، وتم توزيعها للفلاحين بالأقساط".
وأكد أن "الكوادر من مهندسين زراعيين عراقيين هم من اهتموا حينذاك بتنصيب هذه المرشات وصيانتها، وساعدت في تجاوز محن الحصار والتقليل من استيراد الحنطة والتعويض عنها بمواد أخرى لإغناء الحصة التموينية (مواد غذائية تدعم العوائل في فترة الحصار)".
وعليه يؤكد "الحديثي" أن "خبراتنا ليست قليلة ولكن الاستثمار بالمجال الزراعي حالياً، خاصةً النباتي، فاشل ويقتصر على الاستثمار بالمجال الحيواني".
بدوره فإن الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني يؤيد ما ذهب إليه "الحديثي"، مؤكداً أن "الخبرات موجودة ومتميزة، لأننا ورثنا الخبرة الزراعية تراكمياً أجيالاً عن أجيال".
ولفت إلى أن ما يحتاجه العراق هو "توفير معدات حديثة وخفض تكاليف الإنتاج وضبط المنافذ الحدودية؛ لمنع دخول السلع الزراعية المنافسة في أوقات الإنتاج".
ويرى أيضاً أن على الجهات الحكومية أن "تكون لها رؤية واضحة في دعم الاقتصاد، خصوصاً القطاع الزراعي، لأنه يحل عدداً من المشاكل مثل البطالة باعتباره أكبر قطاع يشغّل قوى عاملة من المؤهلات الاعتيادية؛ ومن ثم سيخفف معدلات الفقر".
اترك تعليقك