ثائر صالح
زادت أهمية قاعات الموسيقى في القرن التاسع عشر لتلحق بدور الأوبرا التي سبقتها بسبب شعبية هذا الفن، فقد انتشرت في المدن الأوروبية منذ القرنين السابع والثامن عشر.
قدمت الحفلات الموسيقية في المقاهي التي يرتادها الأفراد من الطبقة المتوسطة في البداية، لكن مع نمو الاقتصاد والصناعة ازدادت الحاجة لبناء قاعات تسع لعدد كبير من الفئات الوسطى والأثرياء، منذ نهاية القرن الثامن وعلى الخصوص في القرن التاسع عشر. ترافق هذا مع تعاظم شعبية أشكال موسيقية جديدة تقدمها فرق كبيرة لعدد كبير من الناس، مثل السيمفونية والكونشرتو. ترافق ذلك مع ظهور الفرق الموسيقية المحترفة بالطبع، منها فرقة جيفاندهاوس (المدى 12 تموز 2019)، ونجوم قادة الأوركسترا مثل مندلسون.
ترافق هذا مع تطور كبير في بناء دور الأوبرا، فقد ازادت شعبيتها في القرن التاسع عشر بشكل كبير، فأخذت المدن الأوروبية ومدن الأميركتين تتبارى في بناء أجمل وأكبر دور الأوبرا، ولم تتخلف مدن أخرى في ذلك مثلما نرى في مثال الخديوي إسماعيل وبناء دار الأوبرا المصرية في القاهرة وافتتاحها بأوبرا عايدة التي ألفها فيردي سنة 1869 خصيصاً لافتتاح قناة السويس، وكانت من الدور الجميلة لحين دمارها في حريق هائل سنة 1971.
تحولت قاعات الموسيقى ودور الأوبرا الآن إلى معالم مهمة من معالم المدن يبذل في بنائها الكثير دخلت في إنشائها أحدث التقنيات.
هناك شركات انشائية متخصصة في بناء القاعات تعني بالتفاصيل الدقيقة للبناء من ناصية الصوتيات (أكوستيكا) والحماية من الحرائق واختيار مواد البناء المناسبة للسقوف والجدران والأرضيات والقواطع والإنارة والمداخل والكراسي ونحو ذلك. وقد ازدادت أهمية العناية بوسائل الحماية من الحريق وتصميم القاعات الآمنة في القرن التاسع عشر خاصة بعد الحريق المأساوي لمسرح الرنغ في فيينا سنة 1881 حيث بلغ عدد الضحايا الرسمي 384 (وهناك تقديرات للعدد الكلي قد تصل حد 1000 من مجموع 1700 مقعد وهو العدد الاستيعابي). لهذا السبب جرى تعديل تصاميم دار الاوبرا الشهيرة في بودابست وكانت في طور البناء، وادخلت أحدث وسائل الحماية في أوروبا وقتها، مثل استعمال ستارة الحريق وانشاء أحواض مليئة بالماء جاهزة لتزويد نظام الإطفاء بالماء للرش من السقف. وقد امتحن هذا النظام بنجاح في السنوات الأولى بعد تدشين الدار سنة 1884، وكان غوستاف مالر من أوائل المدراء الفنيين (1888 – 1891) وبقيادته عاشت الدار عصرها الذهبي الأول.
أقدم تصاميم القاعات حدوة الحصان وهو مسرح مشابه للمسرح الروماني، ونجد الكثير من دور الأوبرا بهذا التصميم. وهناك تصميم "علبة الأحذية"، تشبيهاً بالعلب، من أمثلته الجميلة قاعة أكاديمية فرانس ليست للموسيقى في بودابست (1907)، وهي تحفة فنية بنيت على طراز الفن الحديث باذخة في زخرفتها. وأحدثها تصميم بستان العنب حيث تحيط مقاعد المشاهدين بالمسرح في طبقات متفاوتة الارتفاع مثلما هو معتاد في مزارع العنب على التلال، من أمثلته الشهيرة قاعة برلين الفيلهارمونية (افتتحت في 1963) والألبفيلهارموني في هامبورغ (افتتحت في 2017) وهو التصميم الذي أخذ يغلب على التصاميم الأخرى لمزاياه الصوتية المميزة.