خاص / المدى
في المستقبل القريب لن تزرع الأراضي في بلاد النهرين، وأمام انهيار الخزين المائي ستكون المياه الجوفية خيار لا عوض عنه للمزارعين الذين تأخذ أعدادهم بالتناقص مع تضاؤل فرص الحصول على المياه اللازمة لإرواء محاصيلهم.
وبينما أتمت السلطات التركية تشغيل سد (أليسو) على نهر دجلة في مدينة ماردين قرب الحدود العراقية، تعمل الآن على إنشاء سد (الجزرة) جنوب السد السابق، وهو ما سيزيد من خطر جفاف دجلة قبل وصوله إلى مدينة الموصل، وفقاً لخبراء مائيين، تحدثوا لـ"المدى".
من الجهة الشرقية، لا تبدو إيران أقل استغلالاً للمياه من الجانب التركي، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالفروع والروافد الواردة إلى العراق من الحدود الشرقية والشمال شرقية.
إذ قللت السلطات الإيرانية الإيرادات المائية إلى العراق بنسبة كبيرة جدا، وهو ما أثر سلباً عن نهر دجلة وزاد من انخفاض منسوبه، الذي أثر بالمقابل على الثروة الحيوانية والزراعية.
وكان العراق وتركيا، قد وقعا مؤخراً اتفاقاً لتوزيع عادل للحصص المائية دخل حيز التنفيذ، لكن الأمر ومع بدء الجانب التركي إنشاء سد الجزرة، لا يبشر خيراً لمستقبل العراق المائي.
وقال المستشار في وزارة الموارد المائية عون ذياب خلال حديثه لـ"المدى"، أن "تركيا تساهم بنسبة 40 % وإيران 18% من المياه الواردة إلى نهر دجلة داخل الأراضي العراقية"، لافتاً إلى أن "الجانب العراقي، أوصل رسائل عدة إلى دول الجوار، مفادها "تقاسم الضرر في مواسم الجفاف، وعدم تركز الضرر على العراق بصفته منطقة المصب".
وبين ذياب، ان "وزارة الموارد المائية لم تلتق حتى الآن بالجانب الإيراني، لإبلاغها بضرورة تقاسم الضرر المائي في مواسم الجفاف، رغم أن الجانب العراقي طالب مراراً بضرورة عقد هذا اللقاء، ووضع النقاط على الحروف بشأن مستقبل المياه العراقية".
واشار المسؤول العراقي الى، أن "الخزين المائي في البلاد وصل إلى مستوى حرج، بسبب استهلاك كميات كبيرة من السدود خلال فصل الصيف، وسط انعدام تساقط الأمطار في مواسم الشتاء، لذا بات التقيد بتوجيهات الوزارة بشأن المساحات المروية من المياه السطحية واعتماد المياه الجوفية، ضرورة ملحة".
يشار إلى أن وزارة الزراعة، قد خفضت مستويات خطتها الزراعية لجميع المحاصيل المخطط لها في العام القادم، إلى النصف بسبب تدني مخزون العراق المائي في نهري دجلة والفرات وروافدهما.
لكن المستشار في وزارة الموارد المائية، طمأن بأن "مياه الشرب والاستعمالات البلدية متوفرة، ولن يتم التفريط بها، كما تعمل الوزارة على تأمينها بشكل مستمر".
وأكد ذياب، أن "الوزارة لديها تحفظا على إنشاء سد (الجزرة) التركي، حتى إجراء المفاوضات الجانبية للوصول إلى صيغة مرضية للطرفين بشأن الإطلاقات المائية، كون إنشاءه في الوقت الراهن، سيسبب انخفاضا أكبر لمنسوب مياه نهر دجلة".
وعن سبب مواصلة الجانب التركي العمل على تشييد سدود إضافية على نهر دجلة قرب الحدود العراقية، من دون رادع حقيقي، نوه مستشار وزارة الموارد المائية، إلى أن "إرادات سياسية الوزارة في غنى عنها، تقف وراء مواصلة السلطات التركية انشاء السدود".
من جهته، اكد الخبير المائي والزراعي، تحسين الموسوي، أن "أزمة المياه في العراق تعود إلى نحو 30 عاماً ولها شقان، سياسي متمثل باستغلال ظروف ومشكلات العراق الداخلية والخارجية، وانشغال العراق بالحروب، سهل على دول الجوار القيام ببناء سدود وخزانات مخالفة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المائية"، أما الشق الآخر فهو بيئي متمثل بـ"التغيير المناخي والاحتباس الحراري وزيادة نسب الموارد البشرية".
وأوضح الموسوي، خلال حديثه لـ"المدى"، أن "هذا الملف لم يأخذ أولويته من قبل الجانب العراقي، الأمر الذي فاقم من آثاره السلبية"، مشيراً إلى أن "وضع هذا الملف بيد وزارة الموارد المائية، وتحميلها كامل المسؤولية أمر خاطئ، كونها ملزمة بإدارة الأمور فنيا، أم التفاوض مع الدول فينبغي أن يكون بيد أعلى سلطة، خاصة مع دول المنبع".
واشار الى أن "ما نسبته 60% من سكان العراق يعتاشون على الزراعة، وهو ما أثر سلباً على ملف المياه، كما لا يوجد في البلاد استخدام أمثل للمياه عبر تقنيات حديثة، وحتى تقنيات الري الزراعي كلاسيكية".
واوضح الخبير، ان "تدويل الأزمة، غير مجدي كونه سيأخذ وقتاً طويلاً، كما أن الذهاب إلى المجتمع الدولي يتطلب إيجاد وسيط يكون قوياً كالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة"، كما حذر من "كارثة شح المياه، في حال استنفذ الخزين المائي في البلاد، كارتفاع نسبة التصحر وارتفاع نسب البطالة وحدوث أزمة في الأمن الغذائي، جراء توقف الزراعة".
اترك تعليقك