جابر عصفور وجور القضاء المصري

آراء وأفكار 2022/01/02 11:23:29 م

جابر عصفور وجور القضاء المصري

 هادي عزيز علي

واكب جابر عصفور قضية زميله نصر حامد ابو زيد منذ لحظة تقديمه طلب الترقية الى اللجنة الدائمة لترقية الاساتذة في الجامعات المصرية لغرض نيل درجة الاستاذية سنة 1992 فالرجل مشهود له بغزارة ورصانة منجزه الفكري حينئذ ، كان جابر عصفورحينئذ يشغل رئاسة قسم اللغة العربية في كلية الاداب بجامعة القاهرة .

وبناء على ذلك تشكلت لجنة المناقشة من شوقي ضيف وعبد الصبور شاهين وعوني عبد الرؤوف .امتعض جابر عصفور من وجود عبد الصبور شاهين في هذه اللجنة لكون الاخير سبق وانتقد كتاب ( نقد الخطاب الديني ) لنصر حامد ابو زيد الذي بين فيه رؤاه عن التأسلم الديني هذا اولا ، وكون شاهين يعمل مستشارا لشركات توظيف الاموال المتأسلمة وعلاقته بـ ( شركات الريان ) وهذا ثانيا ، اما ثالثا فان شاهين فانه خطيب الجمعة في جامع عمرو بن العاص . الا ان ما خفف من وطأة الامتعاض لديه وجودالعالم الجليل شوقي ضيف في هذه اللجنة والقامة الباسقة عوني عبد الرؤوف . الا ان الامتعاض عاد ثانية بخروج شوقي ضيف من اللجنة مباشرة الى منزله ومن دون ان يكلم احد ليترك اللجنة من دون عودة . ويحل محله علي مكي حيث كتب تقريره تقريره الذي يوصي بالترقية لينسجم مع تقريرعوني عبد الرؤوف النتيجة ذاتها .

خرج عبد الصبور شاهين بتقرير مستقل يكفر فيه نصر حامد ابو زيد مدعيا ان الاخير يتصدى للعقيدة وثوابتها والخروج عن الدين مطلقا تعابير التجريح والتدليس والتشويه المتعمد ويقول ان ماكتبه ابو زيد عن الشافعي هو تنديد بالتاريخ الاسلامي والدعوة الى العزوف عن القرآن والسنة النبوية وخلص تقريره الى ان المنتج الفكري لنصر حامد ابو زيد مرفوض قدر تعلق الامر بأهل الاختصاص خاصة والقراء عامة لذا فان الاراء المنحرفة الواردة في منتجه الفكري لا ترقى الى المستوى الذي يؤهله لحيازة درجة الاستاذية ويوصي بعدم الترقية . هذه الاحداث وقعت بعد وقت قريب من حادثة اغتيال فرج فودة في حزيران 1992 اذ تركت اثرها على عميد كلية الاداب ورئيس الجامعة ونائبهمولدة هاجس الابتعاد عن المشاكل واللوذ بالصمت بغية ادراك السلامة خاصة وان عبد الصبور شاهين كان يلوح في الجامعة بمنصبه الرسمي باعتباره مسؤول الشؤون الدينية بالحزب الوطني كل ذلك واسباب اخرى افضت الى التخلص من ترقية الرجل خلافا للمعايير العلمية والاجراءات الاكاديمية لينتهي الامر الى قرار مجلس جامعة القاهرة المؤرخ 18 \اذار \ 1993 برفض الترقية ومن هذا الموقف تمكن الاسلام السياسي ان يؤسس الموقف التكفيري ويلبسه لنصر حامد ابو زيد .خاض جابر عصفور نضالا نبيلا لنصرة زميله نصرحامد ابو زيد من خلال وطيلة فترة النزاع حول موضوعالترقية من خلال الانحياز الى المعليير العلمية والمباديء الاكاديمية ولكن سطوة التاسلم من القوة بحيث تمكنت من وأد كل المحاولات النازعة نحو العودة الى التقاليد الجامعية الرصينة ولكن من دون جدوى .

تمكنت قوى التأسلم السياسي وبمعونة التيارات المحافظة ان تنحرف بموضوع الترقية الى موضوع التكفير من خلال الطلب من محكمة الجيزة الابتدائية \ دائرة الاحوال الشخصية المتضمن التفريق بين نصر حامد ابو زيد وزوجته لانه مرتد عن الدين الاسلامي وزوجته مسلمة وسجلت تلك الدعوى تحت رقم 59 لسنة 1993 آملين سحب القضاء الى ساحتهم ومقاصدهم التكفيرية ، اذ يرى جابر عصفور ان هذه الدعوى المقصود منها الجانب العقلاني او الفكر الاعتزالي بالمفهوم الفقهي او التيار المدني في الكتابات المعاصرة حيث ينتسب ابو زيد ، وهو لا يستغرب ان تكون هذه الدعوى قد خرجت من « كلية دار العلوم « ذات السمات المتأسلمة الممتدة جذورها الى حسن البنا وسيد قطب ،الا ان المحكمة الابتدائية بدلا من تحكم حسب طلب المدعين قررت حفظ الدعوى الامر الذي دفعهمالىالطعن في حكم المحكمة الابتدائية ، وبعداجراءات قضائية معقدة اصدرت محكمة النقض حكمها بتاريخ 5 \ آب \ 1996 المتضمن ادانة نصر حامد ابوزيد لكونه مرتدا .

يرى جابر عصفور ان المجتمع المصري كافح بمثابرة مشهودة من اجل تاسيس المجتمع المدني وتاصيله اذ نص دستور 1923 على ان حرية الاعتقاد مطلقة ومكفولة وهذا المبدأ الدستوري هو الذي اتاح للنائب العام محمد نور فرحات حفظ الشكوى واسقاطها المقامة بهدف تكفير طه حسين وكانت تلك علامة مضيئة للقضاء المصري في سني الدولة المصرية المبكرة ، ولكنه شعر بخيبة الامل وهو يراجع سطور الحكم القضائي المفضي الى تكفيرنصر حامد ابو زيد لكونه اعتمد العقل التقليدي النازع نحو اهدار الدم وتهديم الاسرة ووضع التيارات العقلانية للتراث الاسلامي موضع الريبة والانحراف والادانة والانحياز الى التيار المتأسلم الذي لا يؤمن بالتعددية ويقصي من يخالفه المتمسك بالبعد الواحد للحقيقة صاحب الفرقة الناجية ، وأن الاعتمادعلى مذهب فقهي بعينه في اصدار الحكم دون المذاهب الاخرى لا يجعل من القاضي مطبقا للقانون بل مشرعا له وهو هنا يستشهد بقول ابن قيم الجوزية في اعلام الموقعين :( لو اشترط الامام على الحاكم ان يحكم بمذهب معين لم يصح شرطه ولا توليته ) .

ولاحظ ان الحكم لا يعد المرتد شأنا فرديا بلاعتبره شأنا جماعيا يمس المجتمع والدولة تبيح حكم التفريق للزوجة وفصله من عمله وسلبه ما يملك فضلا عن اهدار . معلوم هذا التوجه الذي اعتمدته المحكمة يتناقض مع مبدأ تشريعي تتفق عليه كل دول العالم وبمباركة من الشرعة الدولية لحقوق الانسان ومنصوص عليه في قانون العقوبات المصري القائل بان : ( العقوبة شخصية ) اي ان العقوبة تلك خاصة بالشخص نفسه ولا يمتد اثرها الى الغير ، وقد حصر توجيه العقوبة وتنفيذها بالدولة ، الا ان الحكم بالردة يعني اهدار دمه لمن يشاء اي تنفيذ العقوبة خارج اختصاص الدولة الحصري والعودة الى مبدأ الانتقام الذي اعتمدته البشرية عندما كانت قريبة من عقلية الزواحف وهذا هو الحكم الجائر حسبما يصفه جابر عصفور بعينه الذي اعتمدته المحكمة بعد اناغلقت اذانها عن سماع ما ينقض هذا التوجه خاصة صحيفة الطعن المقدمة من فريق الدفاع المشهود لهم بالعلم والاطلاع الواسع باحكام الفقه المبسوطة على ثلاث وسبعين صفحة والتي كانت على درجة عالية من التوثيق والحاججة القانونية الموضوعية والتي تصلح ان تكون دروسا في المعاهد القضائية للدول العربية ، اذ خرجت لائحة الطعن تلك بقناعة مفادها : عدم جواز الذهاب الى احكام الحسبة الا من خلال وجود تنظيم قضائي يقر بوجودها ، ولما كانت الحكمة قد قضت بخلاف ذلك فان حكمها شابه عيب بيّن كونه صدر خلافا للقانون والاحكام الدستورية جعلت منه فعلا مخلا بتاريخ المؤسسة القضائية المصرية .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top