دولة الصراف الآلي!

آراء وأفكار 2022/01/08 11:00:39 م

دولة الصراف الآلي!

 محمد حميد رشيد

الجميع يعلم علم اليقين أن الدولة في خطر وأن الحكومة في أزمة شديدة وواجهت أخطار خارجية وداخلية متعددة وما إنتفاضة تشرين 2019 إلا دعوة للتغيير؛ فكانت وزارة الكاظمي في 7 آذار 2020 كمحاولة للخروج من إزمة ظاهرها إقتصادي في كثير من جوانبها وحقيقتها سياسي فكانت (وزارة إنتقالية) للخروج من (أزمة سياسية)

وكان إبرز وزرائها وأهمهم (الدكتورعلي عبد االأمير) الذي عين نائباً لرئيس الوزراء و وزيراً للمالية.ولأن الجميع يدرك أن حقيقة الأزمة السياسية التي كان يمر بها العراق إقتصادية بدرجة عالية لذا إختير شخص ذو (سمعة عالمية)عالية يحمل ثلاث جنسيات (أمريكية وبريطانية إضافة إلى العراقية) وهو مهندس و خبير اقتصادي وسياسي و باحث ،ولقد أشادت بإمكانياته صحيفة (نيويورك تايمز بوك ريفيو).

عمل علاوي كأستاذ في( جامعة أكسفورد) وزميل زائر في (مركز كار لسياسة حقوق الإنسان) بـجامعة (هارفارد) ، وتوسم الجميع منه كل الخيرليعبر بالعراق الأزمة التي كان يمر بها ويجد (العلأجات السريعة للوضع الإقتصادي المتردي للعراق) ، لذا كان من الطبيعي أن يكون نائباً لرئيس الوزراء !. ومن البديهي لأي تغيير وزاري هو إيجاد حلول ومعالجات لمشاكل فشل السابقون في معالجتها وإستدعت هذا التغيير الوزاري ولو كانت (الوزارة السابقة) ناجحة لما إستدعى إقالتها والمجيء بوزارة جديدة ؛ ولما كانت الوزارة (إنتقالية) كان لزاماً عليها أن تكون (وزارة أزمة) تبحث عن حلول سريعة وحاسمة وإيجابية لتراكم سلبي وفشل واضح .

وتوقعنا أن يكون الدكتور نائب رئيس الوزراء و وزير المالية محملاً بخطة طواريء إصلاحية سريعة وفعلاً كانت (الورقة البيضاء) وهي برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعدته خلية الطوارئ للإصلاح المالي كخارطة طريق شاملة تهدف إلى إصلاح الاقتصاد العراقي ومعالجة التحديات الخطيرة التي تواجهه والتي تراكمت على مدى السنوات الماضية بسب السياسات الخاطئة وسوء الإدارة والفساد وغياب التخطيط بالإضافة إلى الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر أساسي لإيرادات الدولة. هكذا تكلمت (الورقة البيضاء) والتي أشرف على كتابتها نائب رئيس الوزراء وزير المالية علي علاوي ومجموعة من الخبراء. والتي تتكون تقريبا من 100 صفحة وتحتاج من 3 إلى 5 سنوات لتطبيقها ! وكان لها هدفان الأول هو الشروع في برنامج إصلاح عاجل لغرض معالجة العجز المالي والثاني هو رسم مسار صحيح للاقتصاد والموازنة العامة يضمن من خلاله الاستدامة ليتخذ العراق قراره باتجاه الاقتصاد الصحيح. وإستبشرنا بها خيراً!.

وكنت ومنذ 23/6/2020 (قبل صدور الورقة البيضاء) قد رفعت إلى معاليه رسالة خاصة توسمت فيها كل الخير ليخرج بالعراق من قعر الجهل الاقتصادي والمأساة التي يعيشها إلى إشراقات الأمل والتخطيط العلمي السليم ومن ما قلته لمعاليه (لطالماً أوحت الحكومات السابقة للشعب أن لا خيارات أمامها غير خيار الأرنب و أن الطرق أمامها مغلقة إلا طريق بيع النفط وتوزيع مردوداته على الوزارات لتوزع كمرتبات بائسة ليستهلكها الشعب أو لتسرقها الأحزاب!) وقلت لمعاليه في الرسالة الخاصة ( أن العراق يمتلك ثروات بشرية وطبيعية وأمكانيات تجعله أقوى من ما وضعته فيه الحكومات البائسة المتعاقبة جعلت العراق عاجزا بلا حول ولا قوة وهذا خلافاً للحقيقة وخلافاً للإمكانياته وخلافاً للارقام والمعطيات على أرض الواقع) . وفعلاً كنت من المتوسمين في معاليه الخير،وأرفقت لمعاليه الدراسة المنشورة في صحيفة المدى الغراء في 25/3/2019 العدد(4399) و(4400) بعنوان (فلسفة الميزانية العامة للدولة) ودراستي (هل العجز حتمية إقتصادية؟) المنشور في المدى بتاريخ 2019/05/28 العدد 4440ودراستي المنشورة في المدى (نحوعراق مرفه) بتاريخ 2020/07/12 في العدد 4704 تكلمت فيها عن ظرورة تجاوز العراق (عقدة الإقتصاد الريعي) والإعتماد على العائدات النفطية وعدم تسطيح الفكر الإقتصادي للدولة ... وفعلاً تحدث معاليه بتاريخ 2 يونيو قائلاً (أن أمامه الكثير من الكوارث والتحديات الإقتصادية ورثها عن من سبقه.) ولكن الغريب أنه حددها كما حددها بخطبته الأخيرة كأنك يابو زيد ما غزيت !. وقال (الطبقات الفقيرة والمتوسطة المسؤولة عنها الدولة مباشرة خط احمر ولن يتم المس برواتبهم او تقاعدهم ابداً.) ولكنهم إزدادوا فقراً! وقال معاليه في بداية توزيره (فان الحكومة ستعمل على ترشيد الانفاق العام وايقاف الهدر والتصدي للفساد،) ولازال الفساد ينعم بالأمان.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية”أن مع نمو القطاع الخاص، ستزداد ايضاً فرص العمل وسيرتفع مستوى الإنتاج المحلي.” وتقلص عمل القطاع الخاص !. أماعن الورقة البيضاء لازالت بيضاء ناصعة! لم يتحقق منها شيء بدليل البكائية التي أطلقها معالي السيد (النائب) علي عبدالأمير علاوي بمرثيته في (الملتقى الوزاري لأفاق طاقة المستقبل) في 24/12/2021 وفي نعى الإقتصاد العراقي وبقائه على الإقتصاد الريعي وإنعدام إيرادات الدولة إلا من النفط الذي ستتقلص الحاجة إليه إعتباراً من 2030 وإن الإقتصاد العراقي يواجه كارثة حتمية إن لم تتغير السياسات!.وكل هذا ليس بالجديد ولقد عرضته شخصياً في مقالي (نحو عراق مرفه) من بينها عجز 5 ترليون دينار وضعف الاستثمارات الخارجية ورواتب 3.5 موظفا حكومي أضافة الى 2.5 متقاعدا ومنهاإعتماد الميزانية العمومية الكلي على المبيعات النفطية 90‎%‎. والحقيقة أن بيانه هذا ليس نعي للإقتصاد العراقي فحسب بل هو نعي للدولة العراقية بما فيها وزارته و وزارة المالية فهل صحيح ما قاله معاليه في نعيه؟ ليس صحيح وهناك الكثير من الحلول كان بإمكانه اللجوء اليها منها (الإستثمار في الموارد البشرية ؛ السعي لإعتماد على تنوع الموارد الذاتية والإكتفاء الذاتي؛ زيادة الإعتماد على الصناعات النفطية البتروكيمياويات؛ تشجيع الإستثمارات الخارجية وتذليل العقبات امامها؛ تشجيع الوزارات وشركات الدولة على تلإستثمار الذاتي؛ تشجيع المنتجين المحليين على الإنتاج والتصدير؛ القضاء على الفساد وتهريب الأموال؛ إستعادة الأرصدة العراقية المجمدة؛...).

أمام العراق خيارات متعددة سريعة كان عليه إتخاذها غير (تسعير الدولار) وهو العمل الوحيد الذي نجح فيه لتجنب كارثة عدم تأمين رواتب موظفي الدولة بما فيها الرواتب الخيالية للدرجات الخاصة و(حراس المعبد) الذي تجنب المساس بها؛ومن كل هذا يتبين أنه و وزارته كانت عبارة عن صراف آلي(بمواصفات عالية) يوفر كل ما مطلوب منه من مصروفات ولكن حتى تامين الرواتب والنفقات لم تأتي بطريقة علمية صحيحة بل قد تكون بطريقة إحتيالية وعن طريق تسعير الدولار بدلاًمن اللجوء إلى (تعويمه) للحصول على السعر الحقيقي للدولار! ومهما كانت خبرة من (سعر الدولار) فهو ليس أدق من (تعويمه) بل انهم جلبوا رقمين الأول (رقم الإنفاق المطلوب من الدولة بالدينار العراقي) والرقم الثاني(حجم الإيرادات المتوقعة للدولة بالدولار) ولكي لا يكون هناك عجز مالي قسموا الرقم الأول على الرقم الثاني فكان سعر الدولار المقترح! دون النظر إلى عواقب ذلك الأمر ومدى تأثيره على الإقتصاد العراقي بشكل عام وعلى الحياة الإنسانية لذوي الدخل المحدود (من غير فرسان المعبد) . هذا هو عقل الدولة الذي يصرح بالشلل والعجز ! ويطلق صفارات الانذارفقط ! ولماذا معالي الوزير لا يترك لنا إلا خيار الارنب الوجعان ؟!

لدينا نفط لماذا لا نحوله الى صناعات بتروكيمائية ؟ نحرق غاز ضعف ما نستورد ! إلى متى تبقى الدولة عاجزة عن الجباية ؟ ولماذا هي مشلولة وعاجزة أصلاً؟! باختصار الذي يريد إيصاله لنا معاليه هوعدم وجود عقل لدى الدولة أو بالاحرى عدم وجود دولة مع الأسف والكل يتنصل من مسؤولياته !. ويبقى العراق في إنتظار المنقذ . إمكانيات العراق الإقتصادية وثرواته متعددة وعظيمة تتعدى الثروة النفطية ولكن هناك تجهيل وخداع وتظليل نعرف أسبابه ونعرف أن خيار الأرنب الوجعان هو خيار(العصابة) الذي فشل (الحمل الذكي) عن مواجهتها! وإن أمام العراق خيارات عظيمة لا حصر لها .

تعليقات الزوار

  • محمد حميد رشيد

    يمكن لمن أراد الاطلاع على ما يحاك للعراق الاستماع إلى خطبة معالي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية في منتدى الطاقة والرجوع الى تصريحاته حال توزيره !

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top