نيكولا جوتزيت*
ترجمة: عدوية الهلالي
إن محاربة الاشتراكية ليست مجرد مسألة اقتصادية ، بل هي قبل كل شيء مسألة أخلاقية ، اذ تحتفظ الاشتراكية بقوة اغراء كبيرة ويبدو انها تعود بهيئة عصرية خاصة تحت ستار المطالب الاجتماعية والبيئية والاقتصادية المختلفة فما بين خطة التعافي من الوباء والتدابير الجماعية والقدرة المطلقة للدولة ، تأخذ الاشتراكية أشكالاً مختلفة.لكن هذه الأيديولوجية فشلت في الماضي وستستمر في ذلك لسببين رئيسيين: انها نظام غير أخلاقي وغير واقعي،كما ان طبيعتها هي التي تفسر إخفاقاتها، وليس كثرة تطبيقها.
إن الاشتراكية التي نتحدث عنها - والتي تسعى إلى تحقيق مُثُل العدالة الاجتماعية والمساواة – هي ليست شأنًا حزبيًا ، والقضايا التي سنتعامل معها هنا لا تشترك كثيرًا مع تلك التي هي موضوع الصراع بين العائلات السياسية. وسوف نوضح كيف تتعارض الاشتراكية والأفكار الكامنة وراءها مع مبادئ المجتمع الحر.وكيف تسعى الاشتراكية الى تغييرالطبيعة البشرية. وللتمييز بين الاشتراكية والليبرالية ، يمكن للمرء أن يميز بين الجماعية من جهة والفردية من جهة أخرى ، اذ يتمثل موقف الجماعيين في التفكير في أنه يمكنك “تشكيل” مجتمع وفقًا لرغباتك الخاصة ، وأنه يمكنك إدارته كما تفعل مع آلة. وهذا هو النهج الذي تتبعه الاشتراكية ، حيث يريد المرء أن يفرض رؤيته للمجتمع المثالي على الآخرين.
وفي المقابل ، يسمح الفرداني أو الليبرالي للمجتمع بالتطور بحرية ، حتى لو كان هذا الواقع مرتبطًا بعدم القدرة على التنبؤ بالنتائج. ويرغب الليبرالي في احترام الفرد على هذا النحو ، والاعتراف بأن آرائه وأذواقه تخصه فقط.ذلك إن مبدأ المساواة هو شكل معروف من أشكال التطبيق الملموس لمشروع جماعي. وهناك رؤيتان مختلفتان للمساواة: المساواة أمام القانون والمساواة في النتائج. وهذه الادعاءات متناقضة. فالنهج الأول هو أحد أسس الليبرالية ، لأنه يفترض أن جميع الأفراد متساوون أمام القانون. اما المدرسة الثانية ، التي تهدف إلى تحقيق المساواة في النتائج ، فتدافع عن رؤية للمجتمع تتطلب تدخلًا قويًا في العمليات الطبيعية للعيش معًا.
والفرق بين هذين النوعين من الرؤية أساسي. إنه يشبه عملية وضع اللافتات وإخبار الناس بالطريق الذي يجب أن يسلكوه. ومن خلال التدخل في مجرى الأمور ، لفرض النتائج وفقًا للنموذج الذي يدافع عنه من هم في السلطة ، فإن هذا النهج في الواقع غير عادل للغاية ، لأنه يضع على قدم المساواة أولئك الذين يرغبون في العيش من جهودهم ويفعلون ذلك. والذين يستغلون حقيقة أن كل فرد يستحق نفس المكافأة ، ويعيش على جهود الآخرين..
كما رأينا ، تضع الاشتراكية الكيان الجماعي (الأمة ، الطبقة ، المجموعة ، إلخ) قبل الفرد وحقوقه. وتحت اسم هدف مشترك ، يمكن للمجموعة أن تضحي به كما تشاء ، لأن المصلحة الجماعية أكبر، بينما ترفض الليبرالية استبدال الفرد بالجماعة وترفض فكرة “المصلحة العامة” ، لأنها ببساطة لا يمكن أن توجد. ونظرًا لأن جميع الأفراد لديهم تفضيلات متنوعة ، فمن المستحيل القول أن هناك “مصلحة عامة”. وإن التظاهر بخلاف ذلك هو إظهار الغطرسة والطموح اللذين يكونان مذهلين بقدر ما هما وهميين.
ومن خلال تأكيد وفرض هدف جماعي تحت اسم مصير من المفترض أن يكون للمصلحة العامة ، ينكر المرء حقيقة أن كل فرد قد يكون لديه تفضيلات مختلفة هي أيضًا مشروعة وتستحق الاحترام. لذلك فإن الاشتراكية تهاجم أسس مجتمعاتنا الحرة وتظهر ازدراءًا عميقًا للفرد.كما يؤكد آلان لوران بقوله “ما يميز الأنظمة التي تحمل اسم الاشتراكية هو محاولة مستمرة ومتنوعة ومتواصلة لتشويه وتقويض وإعاقة حرية الإنسان بكل الطرق ؛ إنها الفكرة القائلة بأن الدولة لا ينبغي أن تكون فقط قائدة للمجتمع ، بل يجب أن تكون ، إذا جاز التعبير ، سيدا لكل انسان خوفًا من تركه يفشل ،اذ يجب عليها دائمًا أن تقف بجانبه لإرشاده ، وضمانه ، وإعاقته ، والحفاظ عليه ؛ وباختصار ، إنها مصادرة لحرية الإنسان “. لكل هذه الأسباب ، فإن الاشتراكية قبل كل شيء غير أخلاقية.وإلى جانب كونها عقيدة غير أخلاقية ، فشلت الاشتراكية دائمًا في تطبيق مبادئها.. والخطأ الرئيسي هنا هو استعدادها للتخطيط المركزي لكل مايجري في المجتمع.
وبالنسبة للجماعيين ، لا يكفي إنشاء مؤسسات وإطار قانوني يوفر للأفراد والجماعات إمكانية التخطيط العقلاني لأنشطتهم ،لأن هذا النهج الليبرالي لا يجعل من الممكن استهداف هدف محدد مسبقًا على المستوى السياسي. إنهم يدعون إلى اتجاه مركزي لجميع الأنشطة الاقتصادية ، بهدف تحقيقها، مايؤدي الى فشل في التخطيط الاقتصادي..هذا السبب وحده يكفي لإظهار أن الاشتراكية غير قابلة للتطبيق ،ففي مثل هذا النظام ، يكون كل شيء تعسفيًا وبالتالي يخضع لصراع سياسي على السلطة،لذلك فإن اقتصاد السوق لا يعمل في ظل الاشتراكية ، لأن الجماعية هي بديل صارم للأفراد والتسعير اللامركزي.كما إن إعطاء هذه القوة الباهظة للجماعة يعني تكليف أقلية صغيرة ذات امتياز بمهمة غير واقعية يمكنها تحديد الأسعار للجميع ، دون أن تكون قادرة على مراعاة حساسيات كل فرد في المجموعة. باختصار، يقوم اقتصاد السوق بإضفاء اللامركزية على سلطة اتخاذ القرار ، من خلال إعطائها لكل فرد.وعلى الرغم من اللاأخلاقية المتأصلة فيها وافتقارها إلى الواقعية الاقتصادية ، تواصل هذه المدرسة الفكرية العثور على أتباع. وفق ما قاله لودفيج فون ميزس “لم تفشل الاشتراكية بسبب المقاومة الأيديولوجية ، فهي تظل الأيديولوجية المهيمنة. لقد فشلت لأنها غير عملية “ ...ومع ذلك فلا تزال قائمة حتى اليوم واذن فإن إن محاربة الاشتراكية أكثر من أي وقت مضى ليست مجرد مسألة اقتصادية ، بل هي قبل كل شيء مسألة أخلاقية.
* محلل اقتصادي سويسري
اترك تعليقك