صمام أمان السياسة الاقتصادية التي خسرها العراق لصالح العشوائية والفساد
بسام عبد الرزاق
تصوير/ محمود رؤوف
اقام بيت المدى في شارع المتنبي، أمس الاول الجمعة، جلسة تأبين للدكتور الراحل سنان الشبيبي الذي غادرنا السبت الماضي في العاصمة السويسرية جنيف، عن عمر ناهز 80 عاما.
وشهدت جلسة التأبين حضورا رسميا وشعبيا واسعا، شارك فيه امين بغداد المعمار علاء معن والقيادي في التيار الصدري الاستاذ نصار الربيعي والاستاذ فخري كريم رئيس مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون والاستاذ رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي.
الفعالية التي قدمها الباحث الاقتصادي ليث محمد رضا اشار فيها الى اهمية الراحل ودوره في ترسيخ منظومة جديدة للاقتصاد العراقي بعد 2003 والمعوقات التي واجهته وادت الى اقصائه من البنك المركزي العراقي مستعرضا سيرته التي اتسمت بالنزاهة والصلابة والمواجهة في تطبيق سياسات البنك المركزي، والتي كلفته ترك المنصب ومغادرة العراق بعد الهجمة التي تعرض لها من قبل حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي.
في بداية الجلسة تحدث سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، مبينا ان "هذه مناسبة حزينة لاكثر من سبب، كوننا نعرف الراحل سنان الشبيبي منذ السبعينيات عندما كان يدرس الماجستير والدكتوراه في بريطانيا، وايضا تعامل معنا لاحقا في اثناء تواجدنا في وزارة العلوم والتكنولوجيا وكان هو محافظا للبنك المركزي، وتواصلنا في الكثير من الامور من خلال مداولات ومناقشات في قضايا تتعلق بالسياسة النقدية والسياسة الاقتصادية عموما".
وذكر فهمي ان "رحيل سنان الشبيبي خسارة للعراق، كوننا نتحدث عنه باكثر من صفة، فهو قامة اقتصادية وقامة وطنية، وهو ايضا منشأه الاجتماعي وبيئته، وليس فقط موقفه الخاص، بل اسرته الوثيقة الصلة بالحركة الوطنية العراقية".
واضاف انه "عندما نتحدث عن الراحل يجب ان نتحدث عن هذه الجوانب مجتمعة، والاكثر من ذلك انه يتصف بمواصفات شخصية واخلاقية عالية ورفيعة، بالنزاهة والاخلاص والمهمة التي يؤديها، وحينما يجري المس بنزاهته لاشك ان هذا الامر يفوق كثيرا اية خسارة مادية سواء كانت وظيفة او غيرها، وهذا هو الرصيد الاكبر الذي يعتز به، وجرى التعدي عليه من هذه الزاوية".
واشار فهمي الى "خلفيات هذا الموضوع في لحظة استذكار الشبيبي، فالدكتور سنان جاء في مرحلة مهمة من تاريخ العراق بعد عام 2003، وتولى المهمة في وقت كانت معدلات التضخم عالية، وكانت هناك اشكالية في تحقيق الاستقرار النقدي واستقرار الاسعار خاصة، وهنا لعب الدكتور سنان دورا رئيسيا، فكان من المناصرين جدا لاستقلالية البنك المركزي، هذه الاستقلالية كانت مهمة وكانت موقع ضغط كبير من قبل الحكومة، وكانت هناك محاولات للتجاوز على استقلالية البنك المركزي وظهرت في عام 2009 حين انخفضت موارد النفط، وكانت هناك اشكالية لدى الحكومة العراقية وارادت ان يقوم البنك المركزي بالتمويل، وهنا وقف الدكتور سنان ضد هذه المحاولات، لان قانون البنك المركزي ينص على عدم تمويل الحكومة بصورة مباشرة".
واشار فهمي الى انه "عندما اريد للبنك المركزي ان يطلق يده في تمويل الحكومة بدون ضوابط، كان دور الراحل الشبيبي شديدا بالمواجهة، وكان يأتي الى مجلس الوزراء وتحدث خلافات بينه وبين رئيس الوزراء، آنذاك".
الخبير الاقتصادي باسم جميل انطون، قال انه "لا يختلف اثنان على كون الراحل سنان الشبيبي قامة اقتصادية ومالية، ليس على مستوى العراق فحسب، بل على مستوى شرق اوسطي وعالمي، وكانت علاقاته مع المنظمات الدولية يهدف بشكل رئيسي من خلالها، الى خدمة وتطوير الاقتصاد العراقي الذي كان يسير بشكل عشوائي لعقدين من الحروب والحصار، واستطاع ان يجتاز هذه المراحل رغم العقبات التي جابهته، في مقدمتها كان يتعامل مع بعض السياسيين الذين يجهلون الامور الاقتصادية والمالية، والصعوبة تكمن هنا، حين تعمل مع جهة تؤمن بالعشوائية لكي تفتح منافذ للفساد والابتزاز وهذا كان بالنسبة للراحل امرا مرفوضا".
واضاف ان "الحكومات التي تزامنت مع تولي الشبيبي لمنصب محافظ البنك المركزي، لم يديرها اناس ماليون واقتصاديون وهنا تكمن الصعوبة، حين تتكلم بلغة لايفهمها الاخر".
من جانبه تحدث الخبير الاقتصادي والمصرفي عبد الحسين المنذري عن الراحل، مبينا انه "حين استلم الراحل سنان الشبيبي مهامه في البنك المركزي بعد 2003 وجد ان اهم دائرتين في المؤسسة ملغيتان، وهي المديرية العامة للرقابة على التحويل الخارجي والمديرية العامة للاعتمادات وحين استفسر عن الامر قالوا اننا متجهين الى اقتصاد السوق وهذا الشأن من عمل المصارف، وكذلك وجد البناية مدمرة وبعض قيادات البنك المركزي تم استبعادهم بالتقاعد والاجتثاث".
وتابع انه "بالحقيقة ان اي اقتصاد يتحول من شمولي الى اقتصاد السوق تتحمل ركائزه ثلاث جهات، وزارة التخطيط والبنك المركزي ووزارة المالية، وفي تلك الفترة كان يتعرض العراق لضغوطات من قبل البنك المركزي وصندوق النقد الدوليين لتخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار، لكن الراحل كان يصر على ثبات سعر الصرف حتى يبقى الثبات الاقتصادي وتبقى القوة الشرائية عند الطبقات الفقيرة".
بدوره قال الخبير الاقتصادي ثامر الهيمص اننا "نعيش حزنا كبيرا بغياب العقول الجبارة، كامثال عقلية الدكتور سنان الشبيبي، ما اسسه الراحل اجتاحته الموجة الكبيرة التي اجتاحت العراق، واصبحت السياسة وحدها من تقرر مسيرة الاقتصاد، وكانت الحصيلة بعد 18 سنة مؤسفة، كون الاقتصاد الحقيقي للعراق هو صناعته وسياحته وهذه تم تدميرها بفعل العملية السياسية في العراق".
نائب محافظ البنك المركزي د. احسان شمران الياسري، اشار الى ان "الراحل من الشخصيات الكبيرة والمؤثرة، وعلى الرغم من خسارته يبدو ان الارضية التي وضعها الراحل كانت رصينة حيث لم يواجه من خلفه في البنك المركزي صعوبات في اكمال المسيرة، رغم ان السياسة النقدية بطبيعتها متحولة ومرنة".
وتحدث الياسري عن العلاقة التي جمعته بالراحل الشبيبي بعد العام 2006 ومنذ ذلك الوقت اصبح مقربا من الراحل، مشيرا الى ان "اللحظة المهمة في تاريخ البنك المركزي تتمثل بالصلابة التي كانت في مواقف الدكتور سنان والتي تسببت بالنهاية في ابعاده، كونه صلبا وواجه قضية الاقتراض الحكومي في وقت حكومة المالكي ورفض منحها طلبا بمقدار مليارين دولار لتمويل بعض المشاريع، كونها تتعارض مع سياسة البنك المركزي".
اترك تعليقك