TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > فاشية التخلف – البعث العربي نموذجاً (11)

فاشية التخلف – البعث العربي نموذجاً (11)

نشر في: 31 يناير, 2022: 11:38 م

الجماعات الفاشية والنازية العربية قبل عفلق

 د. حسين الهنداوي

لا يعني الاقرار بان إيطاليا مهد الحركة الفاشية ومسقط رأسها الاول كحركة سياسية حديثة، او انها أول دولة قام بها نظام فاشي حقيقي في التاريخ، اقراراً بالضرورة بان الظاهرة الفاشية لم تكن موجودة قبل نموذجها الإيطالي او انها ظاهرة أوروبية تنتمي حصراً الى القرن العشرين وتحديدا الى الفترة السابقة على الحرب العالمية الثانية وانتهت بنهايتها أي بهزيمة الهتلرية.

بل نرى أن ظهور الفاشية كنظام سياسي استثنائي يمكن ان يظهر من جديد في أي منطقة في العالم اذا توفر عدد من الشروط المحلية والدولية ولا سيما في الدول الأقل حصانة أي الأقل تطورا وعراقة على الصعيد المؤسساتي والبنى والتقاليد الديمقراطية.

وتكشف تجربة دول غير أوروبية عديدة عن نشوء أنظمة سياسية وأحزاب ذات منظورات وممارسات فاشية مستلهمة او مقتبسة من الأحزاب الفاشية الأوروبية. ففي ثلاثينيات القرن العشرين مثلا، تشكلت في اليابان عدة أحزاب فاشية مثل حزب “كوكومين دومي” ( تحالف المواطنين القوميين) بزعامة وزير الداخلية اداتشي كنزو، وحزب “توهوكاي” (مجتمع الشرق) بزعامة ناكانو سيغو. كما تشكلت في اليابان حكومة فاشية تحالفت مع هتلر وسعت إلى إقامة امبراطورية يابانية في جنوب شرقي آسيا، لكنها هزمت في الحرب العالمية الثانية بعد إلقاء أول قنبلتين ذريتين أمريكيتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في آب 1945. وهناك أيضا الحركة الفاشية الأرجنتينية بقيادة الجنرال خوان باوتيستا مولينا الذي كان يقدم نفسه على أنه “هتلر الأرجنتين” ويتباهى بان لديه علاقات وثيقة مع ألمانيا النازية. لكن هذه الظاهرة تراجعت بشكل قوي خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفشلت الى الآن في امتلاك مشروعية اجتماعية حاسمة تمنحها القدرة على الوصول الى السلطة رغم تهديداتها المباشرة على النظام الديمقراطية الذي تستعمله بمهارة واضحة.

اما في دول العالم الثالث، فقد اختلفت هذه الحركات عن نظيرتها الاوروبية في عدد من المنطلقات والخصائص والاسس لأسباب شتى لا سيما ضعف القوة الاقتصادية والعسكرية والثقافية لدولها ومجتمعاتها ولعدم وجود انتماء حقيقي لنظرية فاشية وصريحة لدى القائمين على هذه الحركات اذ ظل مضمونها الايديولوجي قوميا تحرريا او دينيا او طائفيا، وتلفيقياً للغاية في معظم الأحوال، مع عدم الإيمان الجاد احيانا بالمقولات الفاشية الاساسية كالتفوق العرقي لأممهم التي تعاني في الغالب من احتلال استعماري او من تسلط طغم محلية وصلت الى السلطة عن طريق انقلابات عسكرية مدعومة من الاجنبي، وليس من اضطهاد قومي او تمييز عرقي. وعلى العموم فان رفض الاحتلال البريطاني او الفرنسي او الصهيوني او اتفاقية سايكس بيكو هو المنبع في هذا التوجه عند العرب اكثر من المنبع الفلسفي او الأيديولوجي الإيطالي او الألماني او غيره.

في هذا الصنف، يقف حزب مصر الفتاة الذي اسسه احمد حسين في عام 1933، كحزب “قومي راديكالي” وأطلق رئيس الحزب على نفسه لقب “الزعيم” تشبهًا بهتلر وموسوليني فيما اتخذ هذا الحزب لنفسه شعار “الله أكبر والمجد لمصر” كما كان أعضاؤه يرفعون أيديهم إلى أعلى للتحية على طريقة الفاشيين الايطاليين، زاعمين أنها تحية قدماء المصريين، وأخذها الرومان عنهم، ثم أخذها الفاشيون عن الرومان.. وعلى غرار ذلك، نادى هذا الحزب بتحويل مصر الى إمبراطورية عبر الحاق السودان بها وإعلان زعامتها لكل الدول العربية الأخرى. كما شكل منظمة شبه عسكرية باسم “القمصان الخضر” أو “جيش الخلاص” دخلت أحيانا في بعض الصدامات العنفية ضد حزب الوفد بل حاول احد أعضائه اغتيال رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس في 1937، مما أدى الى حل القمصان الخضراء” وتغيير اسم الجماعة إلى الحزب الإسلامي القومي.

وفي لبنان أيضا انبثقت احزاب ومنظمات متأثرة ظاهرياً ببعض الأفكار النازية كالحزب القومي الاجتماعي السوري والكتائب وحزب النجادة. فالحزب السوري القومي الاجتماعي تأسس في عام 1932 في عهد الانتداب الفرنسي على لبنان وكان حزباً سرياً قومياً علمانياً وضع منطلقاته النظرية وشكل خلاياه الأولى انطون سعادة (1904-1949) الذي زار روما وبرلين عام 1938. ويدعو هذا الحزب إلى وحدة الأمة السورية (الهلال الخصيب ونجمته قبرص) كما يؤمن بالعنف المسلح والانقلاب وباستلام السلطة عبر القوة.

اما حزب الكتائب اللبناني فتأسس في عام 1936 على يد بيار الجميل (1905 - 1984)، بعد زيارة قام بها الى المانيا الهتلرية في ذلك العام لمشاهدة الالعاب الاولمبية التي اقيمت ذلك العام في العاصمة الالمانية برلين التي كانت تعيش فترة صعود النازية. وبالفعل فان الحزب يشبه الى حد كبير الكتائب الهتلرية حتى في اداء التحية، ولعل هذا المظهر كان اكثر ما يزعج الاسرائيليين فيه، لأنه كان يذكرهم بالنازية. و”منظمة الكتائب” نواة هذا الحزب، ولدت في البداية لتجمع بين الهواية الرياضية والتمارين شبة العسكرية. واسم “الكتائب” تعريب لمفردة “فالانج” الاسبانية. ومما يؤكد تأثر بيار الجميل بطريقة الدكتاتور الاسباني فرانكو في العمل “فلسفة” التنظيم التي طرحها حيث ركز على مفهوم “الأمة اللبنانية” و”الوطن القومي اللبناني”. ومعروف أن هذه المنظمة باشرت منذ تأسيسها الاهتمام بتدريب أعضائها على استخدام السلاح وارتداء الملابس شبة العسكرية الموحدة. ولا يخفي الشيخ الجميل انه اسسه مقتديا بالكتائب الفرانكوية الاسبانية.

وهناك “حزب النجادة” المولود في عام 1936 إثر انشقاق عن “جمعية الكشاف المسلم” وكان منذ البداية متأثراً بالأفكار النازية حيث بنى هذا الحزب نفسه على شكل منظمة شبه عسكرية كرد فعل على تأسيس الكتائب. وهو حزب قومي شوفيني إلى حد كبير يربط بين العروبة والإسلام كما يفعل ميشيل عفلق بتأثيلا منه على الارجح.

وفي العراق قام يونس السبعاوي بترجمة كتاب “كفاحي” لأدولف هتلر إلى اللغة العربية ونشره بشكل متسلسل في جريدة “العالم العربي” ابتداء من 21 اذار 1933. وتعد هذه الترجمة اول ترجمة بالعربية للكتاب، كما نشط في قيادة “نادي المثنى” الذي تأسس في عام 1935 وتأثر بالأفكار والدعوات الفاشية والنازية. فقد عُرف النادي بتوجهاته القومية المعادية للاحتلال البريطاني وبالجهود التي بذلها قادته لتطوير حركة الفتوة العراقية، وبنائها على نمط التنظيمات الشبابية الفاشية شبه العسكرية وخاصة منظمة “الشباب الهتلري” التي أثرت بقوة على طريقة حزب البعث في انشاء قوات “الحرس القومي” ومنظمات الشباب البعثية في وقت لاحق.

وبالفعل، ففي كتابه «البعث» يربط سامي الجندي حزب «البعث» بوضوح وصراحة بالنازية مؤكدا ظاهرة اعجاب البعثيين الاوائل في سوريا بالفكرة الالمانية القائمة على العرقية والنازية بقوله: «كنا عرقيين معجبين بالنازية نقرأ كتبها ومنابع فكرها وخاصة كتاب نيتشه (هكذا تكلم زرادشت) وفيخته (خطابات الى الامة الالمانية). وكنا اول من فكر بترجمة كتاب (كفاحي) (كتاب أدولف هتلر الشهير). ومن غرائب الصدف اني كنت ابحث عن كتاب (اسطورة القرن العشرين) للمنظر النازي روزنبرغ , فلم اجد الا نسخة موجزة بالفرنسية عند الاستاذ ميشيل عفلق». ويرى الجندي ان بدايات مؤسسي الحزب عبّرت عن “تأثّر بالاتجاه النازيّ سياسيا، وبالرومانطيقية أدبيّا، وبالباطنية الصوفيّة والطائفية مذهبيا ودينيا” حسب قوله، لافتا الانتباه الى ان الجذور النازية تفسر الترحيب بالانقلابات العسكرية، كما تفسر الوحشية الأمنية التي مورست منذ اللحظات الأولى لانقلاب 1963، أما الجذور العرقية والطائفية، فكشفت عن نفسها في ممارسة سياسة الابادة الجماعية ضد العراقيين انفسهم في حملات الانفال في كردستان حيث استخدام حتى السلاح الكيمياوي ضد المواطنين العزل، وكذلك في دفن عشرات الالاف من الأبرياء احياء في مقابر جماعية اثر الانتفاضة الشعبانية المعروفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram