بغداد/ تميم الحسن
في مرحلة المراجعة التي يقوم بها "الإطار التنسيقي" الشيعي من قضية تشكيل الحكومة، عاد الحديث مرة اخرى عن "التضحية بالجزء" لإقناع الصدريين.
وتجري هذه المراجعات بدعم من طهران، وبموفدها الدبلوماسي السابق حسن دانائي فر، الذي امسك مؤخرا، بالملف العراقي.
واستعرض "التنسيقي" خلال الاسبوعين الماضيين، كل "السيناريوهات" المحتملة لما بعد مهلة الـ 40 يوماً، التي منحها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لخصومه.
وتعمل المجموعة الشيعية مع بعض الحلفاء غير الرسميين، التي باتت تعرف بـ"الثلث المعطل"، على خطين متوازيين: الحوار والتهديد، او ما يعرف بـ"سياسة العصا والجزرة".
ويسلط الفريق الاخير ضغطه على "حلفاء الصدر"، ضمن التحالف الثلاثي (انقاذ وطن)، وخاصة القوى السنية مستثمراً بعض النزاعات داخل المكون.
كل هذه الضغوط تأتي لجهة ان "التنسيقي" مازال متمسكاً بما يعتقد انه "حق الشيعة" في تشكيل الكتلة الاكبر، والتي يفترض ان "قوى خارجية" تريد انتزاع هذا الحق منه.
خلال الايام الماضية، تسربت معلومات عن ان حسن دانائي فر المولود في بغداد، السفير الايراني قبل 7 سنوات في بغداد، امسك لأول مرة كدبلوماسي، بالملف العراقي، بدلا من الحرس الثوري.
وعلى الرغم من ان خلفيات "دانائي فر" المهنية، تشير إلى أنه كان عضواً سابقاً في الحرس الثوري، الا ان استبدال جهوده بمحاولات اسماعيل قآاني، قائد فيلق القدس الايراني، يعني التأسيس لمرحلة جديدة.
هذه المرحلة انطلقت على ما يبدو مع تغيير السفير الايراني في بغداد اريج مسجدي، بسفير جديد وهو حسين آل صادق المولود في النجف، وهو مستشار سابق لقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
وتشير هذه التوليفة بين "الدبلوماسية والحرس الثوري"، بحسب بعض المعلومات التي تتداول في كواليس السياسية، بانها "جاءت لوضع حل جديد لازمة الشيعة في البرلمان وتقليل الخسائر".
مبعوث طهران الجديد، كان من السفراء القلائل لإيران الذين استمروا في بغداد بالمنصب لأكثر من 10 سنوات، حيث عُيّن في ادق مرحلة من تاريخ العراق بعد 2003 (بين 2010-2017)، والتي شهدت فيها الخروج الاول للقوات الامريكية.
دانائي فر، يعتقد وبحسب بعض التسريبات، بانه وراء صفقة التجديد لنوري المالكي، رئيس الوزراء الاسبق، لولاية ثانية في 2010 رغم تفوق القائمة العراقية آنذاك برئاسة اياد علاوي، وخصوصا وان السفير السابق كانت له علاقة صداقة مع "المالكي".
عودة الدبلوماسي السباق الى بغداد في هذا التوقيت، اشارت بحسب المصادر القريبة من اجواء المفاوضات، هي لـ "مراجعة" خيارات الإطار التنسيقي، الذي يخشى اقصاءه من الحكومة المقبلة.
وتحدثت المعلومات من الكواليس التي وصلت الى (المدى)، عن جملة من الطروحات الجديدة، هي أن "يقوم الإطار التنسيقي ببلورة نفسه وترشيق تشكيلاته تمهيدا للانضمام الى الصدر".
وكانت بوادر الازمة السياسية الاخيرة، قد بدأت بعد الانتخابات بسبب النتائج المختلفة هذه المرة عن سابقاتها؛ لاستخدام قانون انتخاب جديد سمح بالترشح الفردي واعتمد الدوائر المتعددة.
ازعجت النتائج تحالف الفتح حينها، الذي شكّل فيما بعد نواة "التنسيقي" مع نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، خصوصاً وان الاول خسر نحو 30 مقعداً عن ارقامه في انتخابات 2018.
عطّلت المجموعة الاخيرة الشارع ومفاوضات تشكيل الحكومة شهرين اعتراضاً على النتائج، حتى اعلنت المحكمة الاتحادية في نهاية العام الماضي ان الانتخابات التي جرت في تشرين الاول الماضي، كانت صحيحة.
وكانت هذه التحركات هي اول رد فعل يقوم به اعضاء الإطار التنسيقي على قرار زعيم التيار الصدري، بالذهاب الى حكومة اغلبية سياسية وليس "توافقية" كما سارت عليه الحكومات السابقة من 2005.
وتصاعدت الازمة مع سلسلة من التفسيرات القضائية، التي عقّدت نصاب جلسة انتخابات رئيس الجمهورية وهي المرحلة ما قبل الاخيرة لتشكيل الحكومة، وعلى إثر ذلك قرر "الصدر" اعتزاله الشهير من بداية رمضان حتى بعد نهاية عطلة العيد المقبلة، مانحاً خصومه الضوء الاخضر لتشكيل حكومة من دونه.
وتضيف المصادر المطلعة على اجواء الحوارات ان "الإطار التنسيقي عاد ليناقش طلب زعيم التيار الصدري السابق بضم جزء من التحالف الشيعي الى الصدريين لتشكيل الحكومة".
وكان هذا الاقتراح قد أعلنه مقتدى الصدر بشكل صريح، حين قال في خطاب مصور في اواخر كانون الثاني الماضي، بانه يرحب بكل قوى "التنسيقي" باستثناء نوري المالكي، وتضيف عليه المصادر و"قيس الخزعلي زعيم عصائب اهل الحق".
ولا تجزم المصادر، بـ"آلية التشكيل الجديد للإطار التنسيقي التي ستقدم إلى زعيم التيار الصدري" لكن الخطة ستكون بلا جدوى إذا لم تستبعد "المالكي" ومن يحسب عليه من "التنسيقي".
وكان رئيس الوزراء الاسبق، قد طمح للحصول على منصب نائب رئيس الوزراء او الجمهورية، لكن المصادر قالت ان "الصدر قد حسم امره ولن يقبل بمناصب تشريفية"، في اشارة الى المواقع التي يرغب بها زعيم ائتلاف دولة القانون.
كما كان هذا المقترح قاب قوسين او أدنى من التحقق قبل 3 أشهر، حين كان يفاوض هادي العامري، رئيس تحالف الفتح، زعيم التيار الصدري في النجف، وحدث شبه قبول بـ "ابعاد المالكي".
لكن التسريبات اكدت ان "طهران هي رفضت ذلك.. وحذرت الإطار التنسيقي بان ذلك سيكون بمثابة ضربة قاضية للقوى الشيعية في تشكيل الكتلة الاكبر بعد ذلك".
كما اشارت تلك التسريبات حينها، إلى ان المالكي هو من اقنع طهران بتلك المخاوف، كما زاد حينها وفق ما تسرب، بان "إيران ستكون في خطر عبر الصواريخ الامريكية"، حيث صور الاخير لإيران ان استبعاد الإطار التنسيقي من الحكومة المقبلة سيزيد من "نفوذ واشنطن" في العراق.
المقترح الجديد-القديم في دخول تشكيلة مصغّرة من "التنسيقي" مع الصدريين، يفترض ان "الاطاريين" سيحصلون على 5 وزارات من أصل 12 وزارة للشيعة، مع احتفاظ زعيم التيار الصدري ببقية الوزارات وحق تسمية رئيس الوزراء.
وكان "الصدر" قد ابلغ المالكي في الاتصال النادر بين الاثنين في آذار الماضي، بعد قطيعة استمرت نحو 7 سنوات، بانه يرشح للمنصب ابن عمه وسفير العراق في لندن جعفر الصدر، قبل ان يعلنه "انقاذ وطن" بعد ذلك بشكل رسمي في الشهر نفسه.
وعلى ضوء ذلك الاتصال رد "التنسيقي" بانه لن يعترض على جعفر الصدر، لكنه يريد في البداية الاتفاق على تسمية الكتلة الاكبر، وهو ما أعاد الامور الى المربع الاول.
وبدأ "الاطاريون" بعد ذلك تقييم الاحداث، واقتراح طهران الاخير بانه يمكن القبول ببقاء مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الحالي لفترة اطول في المنصب إذا استمر "الانسداد السياسي"، بشرط ان تتم صياغة تفاوض جديد مع الصدريين حول المناصب الوزارية.
كما زادت قبل ذلك الضغوطات على كردستان، وقصفت اربيل -احد اهم شركاء الصدر- بـ12 صاروخاً "بالستيا" اطلقت من إيران الشهر الماضي، وحرق مقر الحزب الديمقراطي في بغداد قبل ان يقوم الحزب بـ"تسويته مع الارض" احتجاجاً على استهدافه اكثر من مرة.
فضلا عن الاتهامات المبطنة من طهران ومن بعض أطراف "التنسيقي"، لكردستان بالتعاون مع اسرائيل ورواية بيع النفط الى تل ابيب، التي لم تثبت حتى الان، ولم يخرج التقرير النهائي اللجنة التي شكلها البرلمان الشهر الماضي، بخصوص قصف ما قالت طهران انه مقر لـ "الموساد" في اربيل.
وبنفس الصيغة تم "تهديد" الانبار بتدخل بعض الفصائل المتواجدة هناك منذ ايام معارك التحرير ضد "داعش" في 2016، وسقوط 3 صواريخ في شباط الماضي، في الكرمة شرق الفلوجة قرب منزل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وهو شريك الصدر في تحالف سيادة.
كما يعول الإطار التنسيقي على تفكك التحالف الثلاثي، من بوابة القوى السنية مستغلين وجود بعض الخلافات الداخلية، والترويج مثلا لوزير المالية السابق رافع العيساوي، الذي يحاول ان يسوّي مؤخراً لوائح الاتهامات التي ضده مع القضاء، بانه "زعيم السنة القادم".
حوارات بانتظار "الصدر"
وعلى المقلب الثاني، فان "الاطاريين" يحاورون شركاء الصدر، وكشف مشعان الجبوري القيادي في "السيادة" قبل يومين، من ان تفاهمات دولية وإقليمية، بدأت تنعكس إيجاباً على الحوارات السياسية في العراق.
أضاف الجبوري في تغريدة على "تويتر" الثلاثاء الماضي: "يمكنني القول ان تفاهمات اقليمية ودولية بدأت تنعكس ايجابياً على الاوضاع السياسية في العراق وأدت الى حوارات مباشرة بين المختلفين بما يمكن ان ينهي حالة الانسداد السياسي".
وقبل ذلك حاور عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة واحد أطراف الإطار التنسيقي، الكتلة النيابية للحزب الديمقراطي الكردستاني.
وعن ذلك يقول القيادي في التيار رحيم العبودي لـ(المدى)، ان مبادرة الحكيم "تلقى استجابة من أكثر أطراف التحالف الثلاثي، والازمة لن تستمر حتى نهاية مهلة الاربعين يوماً".
وكان زعيم تيار الحكمة، قد طرح قبل اسبوع، مبادرة من 9 نقاط لا تختلف في جوهرها عن مبادرات "التنسيقي" السابقة، والتي تتحدث عن ضرورة التحام الاول مع الصدريين "لتشكيل الكتلة الاكبر".
ويقر العبودي، بان "جميع تلك الحوارات مع القوى السياسية بحاجة الى عامل اساسي وهو وجود التيار الصدري".
ويضيف القيادي في الحكمة: "كل الاطراف التي نتفاوض معها تتفق على طرحنا وتشيد به لكنها تقول: اذهبوا للحوار مع زعيم التيار الصدري".