المدى/ خاص
عاد خيار المنطقة الآمنة شمالي العراق إلى واجهة النقاش كجزء من التصور التركي لمواجهة حزب العمال الكردستاني في العراق، بعد سلسلة عمليات عسكرية على مدار عدة سنوات، فيما أعربت قوى سياسية عراقية عن رفضها تلك المساعي.
وقال موقع "المونيتور" الأمريكي في تقرير، إن "تركيا تسعى لإنشاء مناطق آمنة في شمال سوريا والعراق، لمنع حزب العمال الكردستاني من القيام بعمليات في أراضيها".
وأشار إلى أن "العملية العسكرية التركية الجديدة ضد المسلحين الأكراد في شمال العراق، الجارية منذُ الـ18 من الشهر الجاري، أثارت مناقشات في البرلمان العراقي حول مزاعم بشأن صفقة سرية بين البلدين، تسمح للقوات التركية بالتقدم 30 كيلومترًا داخل العراق".
وعلى رغم حديث وسائل الإعلام التركية عن هذا المسار، فإن سلطات أنقرة لم تتحدث بشكل صريح وواضح عن هذا المشروع، لكن محللين ومراقبين يتحدثون عنه كجزء من التصور التركي لإيجاد حل دائم لمسألة حزب العمال الكردستاني، خاصة مع وجود تجربة وُصفت بـ "ناجحة" لتركيا شمالي سوريا، رغم اختلاف الظروف والأسباب.
لكن تلك الأنباء والتقارير، أثارت غضباً سياسياً في العاصمة بغداد، حيث عبرت مختلف القوى عن رفضها مثل تلك المشاريع، خاصة وأن النظام في البلاد، ديمقراطي، ويختلف بشكل جذري عن نهج الحكم في سوريا.
لا مقارنة بين العراق وسوريا
النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، محما خليل، قال إن "العراق لن يسمح لتركيا أو إيران أو غيرهما بإنشاء مناطق آمنة تبعاً لأهوائهم، وعلى تركيا حل مشاكلها داخل أراضيها، وليس عبر تصدير الأزمات والصراعات إلى الخارج".
وأضاف خليل في تصريح لـ (المدى)، أن "النظام والدستور العراقي يُحرّم التدخل في شؤون الدول المجاورة، وبالتالي فإن على الدول المجاورة التعامل بالمثل وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية".
خليل، يرى كذلك أنه "لا يمكن مقارنة الوضع العراقي بحال سوريا، ولا يمكن استنساخ المشاريع بشكل ارتجالي، فضلاً عن وجود اتفاقيات دولية تحكم مثل تلك التحركات".
وتثير العمليات العسكرية التركية بشكل دائم الجدل في الأوساط السياسية والمحلية العراقية، باعتبارها خرقا لسيادة البلاد، في حين تعبر حكومة بغداد وكذلك حكومة الإقليم عن قلقها إزاء تلك العمليات العسكرية وتصفها بأنها "خرق للسيادة العراقية وتهديد للأمن القومي العراقي".
ورغم إنشاء تركيا منطقة آمنة شمالي سوريا، فإن الوضع العراقي يختلف لجهة عدم وجود نازحين لإسكانهم في تلك المنطقة، كما حصل مع السوريين، لكن بوجود مأزق حزب العمال الكردستاني، وطول الصراع مع تركيا، قد يعزز نمو هذا المسار في الذهنية التركية.
رفض قاطع من بغداد
من جهته، قال الخبير الأمني فاضل أبو رغيف إن "النقاش الدائر بشأن عزم الجانبين العراقي والتركي على إقامة منطقة عازلة (آمنة) غير مطروح لدى قيادة الجيش العراقي، إذ إن أي تفاوض عراقي- تركي مبني في الذهنية العراقية على ضرورة جلاء تلك القوات وهو ما تصر عليه القيادة العسكرية العراقية".
وأضاف أبو رغيف في تصريح صحفي، تابعته (المدى)، أن "مسار المنطقة الآمنة ليس خيارا لدى القيادة العراقية، لكن هناك أيضا خطط للتعاطي مع حزب العمال الكردستاني، فأما التعامل معه بطريقة سياسية براغماتية لإنهاء الأزمة، وإلزامه بعدم اتخاذ الأراضي العراقية نقطة انطلاق أو عدوان على أية دولة، خاصة تركيا، أو الرحيل عن البلاد".
استهداف الممر البري الوحيد
وعلى رغم استمرار العمليات التركية منذُ عدة سنوات، لكن الهجمة الحالية تختلف عن السابق، وفق مراقبين في عدة نقاط، أولها أنها تستهدف منطقة بدرجة ”غاية من الحساسية“، إضافة إلى كونها تأتي في توقيت لافت، وهذا ينسحب على الداخل العراقي والتركي، وأيضا على المشهد الدولي ككل.
وتكتسب المنطقة التي تركز عليها العملية التركية "أهمية كبيرة"، كونها الممر البري المتبقي لـ"حزب العمال" إلى تركيا، وبالنظر إلى وعورة هذه المنطقة المليئة بالكهوف والتحصينات، والحاجة إلى البقاء العسكري الدائم فيها لتأمينها بعد السيطرة عليها، فإن الهجوم التركي قد يطول أمده.
توتر متوقع
ويرى مراقبون للشأن السياسي، خلال حديثهم لـ (المدى)، أن "الخطط التركية لإقامة قواعد عسكرية دائمة في المنطقة قد تؤدي إلى توتير علاقاتها مع بغداد بشكل أكبر".
لكن على الجانب الآخر، فإن تزامن العملية العسكرية التركية، مع الحراك الجاري في المنطقة، بشأن ملفات الغاز، تطرح تساؤلات عن ما إذا كانت أنقرة تسعى إلى تأمين خطوط الإمداد مع إقليم كردستان في حال أرادت وصول غاز الإقليم إليها.