الطاهر وطار في  laquo أراه- الحزب وحيد الخلية raquo

الطاهر وطار في laquo أراه- الحزب وحيد الخلية raquo

أنور محمد الكتاب : أراه .. الحزب وحيد الخلية - مذكرات المؤلف : الطاهر وطار الناشر : دار الحكمة-الجزائركتابة المذكرات ليست تقوى؛ من التقوى كعملٍ يُريد أن يتطهَّر به الكاتب من خطاياه. بل هي مواجهةٌ؛ هي سعيٌ لاستعادة؛ لإقامة معركة فكريَّة, لكن ليس أخذاً لثأر. هي تجاسر ليذهب العقل فيفكِّر بحرية.

وهذا ما فعله الروائي الجزائري الطاهر وطار في مذكراته(أراه- الحزب وحيد الخلية) فقد انداحت أفكاره؛ ذكرياته التي فيها استبصارا ته التي ترى أنَّ هناك قوَّة فوضوية عمياء-حتى في الثورات- تسحق كلَّ ما يعترضها في محاولة لمصادرة الآخر أو إلغائه. وفي تأمُّلنا لما كتبه الطاهر وطار نرى أنَّه يقدِّم نقداً يطال الثقافة والسياسة إنَّما بتفاؤل مأساوي. فالمثقَّف يتقزَّم, هكذا تقزّمه الثورات بعد أن تنتصر أو بعد أن تنهزم؛ فهو سبب كل الكوارث- هو وراء ولادة المأساة- كيف تكون جديداً وقديماً؟ كيف تكون مؤمناً وتكون كافراً،بل كيف تستطيع أن تتحوَّل إلى وسيط تقوم بدور هذا النذل المستغلِّ, متعهِّد الثورات, مستثمر الأخلاق الحميدة فتعيش بوجهين. الطاهر وطار يكشف عورات وسوءات هذا النذل ذي الوجهين, زعيم الغابة الثورة, يفرجينا عواطفه, يفرجينا غرائزه المتوحِّشة وهي تفتك بنا, إنَّما من تلك اللحظة التي كانت فاصلاً ما بين زمنين؛ حين أسَّس في تونس في الخمسينيات من القرن الماضي «الحزب الشيوعي الجزائري», المتكوِّن من خلية واحدة؛ ومعه ذاك البدوي ذي الأسنان الفضية المتهالكة والذي التقاه في مقرِّ الحزب الشيوعي التونسي. لحظة تمدَّدت على حياته ليُطيل التفكير ويتعمَّق فيه, ولتتحوَّل حياته بعدها إلى عراك سياسي أدبي(فلسفي), ومن ثمَّ ليتعرَّض للتهميش بعد مؤتمر جبهة التحرير الوطني في العام 1964, وليصطدم مع بعضهم في تونس حين قدَّموا له دستور «حزب البعث العربي» فأبدى عدم اقتناعه بما ورد فيه؛ مستعملاً المثل التونسي(كافر ولا نصف مؤمن). وكذلك حين عاد واصطدم معهم ثانية لمَّا هاجم(ميشيل عفلق) في جريدة «الأحرار» التي كان كلَّ شيءٍ فيها, مما دفع(أحمد بن بلّة) إلى طرد(عفلق) من الجزائر التي دخلها متسللاً. بداهة عقلية, سعي إلى توقير العقل الذي يعمل بورع عند الطاهر وطار, فلا يسقط في حبائل الإغراء, ولا يرتكب الخطيئة, ومن ثمَّ يطلب الغفران. وممَّن؟ ..من رجالٍ تعساء, من عصابةٍ من الجَهَلة, أشباه أمييِّن, من ذوي الأخلاق الفاسدة, أمثال منسِّق اتحاد باب الوادي الذي يمارس(الفتوَّة) على مستوى العاصمة, حيث يشرف على استخدام عدَّة نساء, ولا تراه إلا محاطاً بكوكبة من زبانيته يحمونه. جهل يحكم, وكأنَّ الطاهر وطار يخشى أن تخمد شعلة العقل, فالجهل الذي يحكم صار يحوِّل البشر إلى حيوانات.جهل حسب الطاهر وطار ينحدر بالتسلسل التراتبي من القمَّة إلى القاعدة, ويعود صاعداً كذلك من أسفل الهرم إلى أعلاه, وفوقها كانت مطاردة المثقفين بتهمة الشيوعية والانتماء إلى حزب الطليعة الاشتراكية متواصلة. هنا لسنا مع الرواية- مع روايات الطاهر وطار- نحن مع سردٍ, تبهرنا أشعَّته فنرى القيم الفكرية, نرى في المذكرات انتصار الوعي على الصراخ والزعاق. ثورة ناجزة, مليون ونصف المليون شهيد. ثمَّ الصراع, الانشقاق, خداع الناس الذين قامت الثورة من أجلهم, والويل الويل للجسور الذي يتحدَّى فيصيرَ اللعين الرجيم.الطاهر وطار في مذكَّراته لم يكن يهذي ويخترع ويخلط, فالمذكَّرات ليست إثارة لفضائح, وليست تغذية لشرّْ, وليست شغفاً لإثارة الأحقاد.فيوم نشرت روايته (اللاز) وكان ذلك بطريقة الخطأ- يقول الطاهر وطّار أنَّه بقي أكثر من شهرين ينام وهو بكامل اللباس الميداني, ينتظر أن تقبض عليه السلطات الأمنية في الجزائر- لأنَّه جرأة أن تكتبها, وجرأة أن تنشرها- لكن وقد نُشرت فليكن الذي يكون. فلقد حقّق الطاهر وطار في روايته (اللاز) مارسَمه من هدف وهو أن لايخيب فنياً, بحيث كان يريد أن يقترب يومئذٍ من الكتاب العرب,لا سيما أنَّ محتواها يعبِّر عن روح شعب المليون ونصف المليون شهيد. الطاهر وطار في مذكراته ليس لأنَّه مفطور على الخشونة والعنف؛ بل لأنّه لايخاف ولا يهاب طغاة الفكر, كان يثري حياته الفكرية بالمعارك/ بالخلاف الذي فيه جدل, جدلٌ فيه متعة, جدلٌ ليس فيه مكائد وحيل.فمثلاً وحين يدعو حزب جبهة التحرير الجزائرية الأحزاب الشيوعية العربية إلى زيارة الجزائر, نرى أنَّها تنزل؛ تحلُّ ضيفاً على الطاهر وطار في بيته؛ وهذا ماأثار حنقَ أحد كبار رجالات الحزب (محمد الشريف مساعدية) لأن يقول غاضباً: إنَّ جبهة التحرير تدعوهم والطاهر وطار يجتمع بهم. ليس خطأً ولا جريمة ما يفعله؛ ما يكشفه من أحداث؛ من وقائع جرت معه/عليه في مذكراته, لأنَّك لا تستبين فيها خبثاً ولا حقداً وإن شتمَ وهجا. بل تراه يحاسب نفسه على سير تفكيره ونتائجه منذ صباه, مذ كان طالباً متديِّنا في معهد «الإمام عبد الحميد بن باديس» في مدينة قسنطينة, وحتى ابتعد عنه شبح الانتحار نهائياً, وخلفته مهمَّة جديدة؛ هي التفرُّغ للأدب وللثقافة العربية في الجزائر التي صارت هدفاً, صارت مستهدفة, حيث يواصل الطريق خلية وحيدة في حزب وحيد, هو الحزب الذي أطلق عليه فيما

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top