باليت المدى: كعب كلينت إيستوود

ستار كاووش 2022/05/22 10:57:11 م

باليت المدى: كعب كلينت إيستوود

 ستار كاووش

سألني صديق تعرفتُ عليه حديثاً (هل الرسم هو هوايتك) فأجبته (الرسم هو عملي ومهنتي، أما هوايتي فهي جمع وشراء الجوارب الملونة) فما كان منه سوى الضحك حد الإختناق. كنتُ أودُّ أن أشرح لهذا الصديق كيف إنبثقت هذه الهواية التي بدت له نوعاً من المزاح، وكيف إرتبطتْ بتفاصيل أخرى. كنتُ أود حقاً أن أقول له،

كيف إن بعض الإهتمامات تحتاج الى الخروج عن السائد حتى لو كانت من خلال أفكار تبدو غريبة أو مجنونة أو حتى طفولية. فالملل لا يُطاق حين نكرر الأشياء الرتيبة كل يوم، دونَ جنون أو بلا كسر للمألوف. وهنا أستعيد أيام أكاديمة الفنون الجميلة، وكيف كنتُ أكرر إعجابي ببنطال صديقي كريم كشكول، ذلك البنطال الذي صممه بنفسه ثم جعل فيه بعض التغييرات، ليكون مثالياً كزي موحد، إضافة لكونه مختلفاً عن الملابس السائدة.

(ياله من بنطال) هكذا أسمعته مراراً، وأنا أشير الى كونه ليس بنطالاً عادياً بل عمل فني قامت بصياغته يد ماهرة. كان كريم قد سبقني بالدراسة في الأكاديمية، لذا لم يتردد بعد أن تَخَرَّجَ، في إرسال ذلك البنطال لي، وقد فوجئتُ وقتها حين وصلني في كيس صغير الى الأكاديمية، وبذلك تجاوزَ ذلك البنطال كونه قطعة ملابس عادية، لأنه قضى من السنوات أكثر مما قضيناه نحن في ذلك المكان الجميل. تلك الأشياء الصغيرة كانت جزءً من جمال تلك الأيام، حيث كنا نعوِّلُ كثيراً على التفاصيل المختلفة، لا لأجل أن نجعلَ مظهرنا جيداً بل ليكون مغايراً ولا يشبه الآخرين، والأمر يشبه تنقيبي في زوايا غير متوقعة من بغداد، بحثاً عن صديري من ذلك النوع الذي يرتديه رعاة البقر، الى أن وجدته أخيراً في زاوية مهملة في سوق الهرج قرب ميدان بغداد، حتى بدوتُ وأنا أتلقفه، كإني حصلتُ على لقية أثرية، وسط تعجب وحيرة البائع.

أما أشكال الأحذية وكعوبها، فقد إستحوذت على جانب كبير من الإهتمام والخصوصية، لدرجة إحداث بعض التحريفات عليها لتتلائم مع ما أريده وتصبح منحرفة قليلاً الى الداخل مثل أحذية ممثلي الويسترن، وكانت أجواء الأكاديمية تساعد على تلك التفاصيل. وبما أني كنتُ مولعاً بأفلام كلينت إيستوود التي صنعها الأسطورة سيرجي ليوني، ثم سلسلة أفلام (ديرتي هاري) الشهيرة، لذا كانت كعوب الأحذية من متطلبات تلك الهيئة والتجول بين أروقة الأكاديمية، وقد لجأتُ وقتها الى حيلة غريبة وتبدو صبيانية، وقمتُ بقطع جزء صغير من شريحة علبة الكبريت وألصقتها أسفل حذائي بمحاذاة الكعب العالي، ووضعتُ بضعة أعواد ثقاب في الجيب الصغير للصديري الذي تحت سترتي الزرقاء.

وأثناء تجولي بين ممرات الأكاديمية، كنت أتوقف متعمداً أمام بعض تجمعات الطلبة وأضع سيجارة بطرف فمي بشكل مائل ثم أخرج عود ثقاب بإصبعين، وأثني ساقي قليلاً وأشعل عود الثقاب من أسفل الحذاء (كما يفعل بطلي المفضل) ليتعالى صياح الطالبات والطلاب، بينما أتظاهر بـأن الأمر قد حدث بشكل عفوي وأمضي لامبالياً وأنا أُطفيء عود الثقاب وأرميه في حاوية القمامة.

ثم أتوجه الى النادي لأرسم مجموعة من التخطيطات السريعة وأنا أغير مكاني مرات عديدة بحثاً عن سيقان جميلة أثبتها على الورق، وكانت الكثير من تلك التخطيطات هي نواة معرضي الشخصي (سيقان وأرصفة) الذي أقمته سنة ١٩٨٧ في قاعة التحرير وسط بغداد.

والآن أعود لذلك الصديق الذي سألني عن هوايتي، وأستعيد الشيء الوحيد الذي بقيت مولعاً به منذ أيام بغداد التي تبدو بعيدة، حتى هذه اللحظة، إنها الجوارب الملونة. والإختلاف الوحيد هو أني لم أكتفِ وقتها بالألوان الصارخة كما أفعل الآن، بل كنت أعمد لإستعمال جوربين بلونين مختلفين، وكنتُ أستعمل ذلك في الغالب أيام إفتتاحات المعارض، كما فعلتُ وأنا أدخل وسط ضحك الحاضرين بجوربين أحدهما أحمر والآخر أزرق، قبل لحظات من إفتتاح معرضي (رجل وامرأة) الذي أقمته في قاعة الرواق سنة ١٩٩٣.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top