اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > آفاق ..الكتابة تجربة حياة

آفاق ..الكتابة تجربة حياة

نشر في: 3 يوليو, 2010: 04:23 م

سعد محمد رحيمقلّة من الكتّاب عاشت حياة صاخبة وغنية كالتي عاشها الروائي الأمريكي أرنست همنغواي ( 1898 ـ 1961 ). كانت حياته سلسلة من المغامرات والإثارة الدائمة التي هيأت له موضوعات قصصه ورواياته.
 وكل تجربة حياة ذات أثر عميق وواضح تحوّلت لديه إلى نص قصصي أو روائي. ولم تواجهه تلك التجارب التي لا تخلو من الخطورة والقسوة مصادفة بل كان يختارها في الغالب بإرادة قوية وشجاعة، ويخوضها بلهفة ونزق وكأنه يريد اختبار الوجود بين حدّي الحياة والموت، في تلك الذروة العارية والعبثية حيث يكون الإنسان وجهاً لوجه مع مصيره. من هنا اكتسبت نصوصه حرارتها وتوترها وصدقها. أمضى سنوات من مرحلة شبابه بين باريس ومدريد وكانت حصيلتها روايتي ( عيد متنقل، تشرق الشمس غداً ). أما تطوّعه بوحدة طبية في الحرب العالمية الأولى فتمخضت عن رائعته المبكرة ( وداعاً للسلاح ). فيما قاده تطوعه مع الجمهوريين في الحرب الأهلية الأسبانية لكتابة ( لمن تقرع الأجراس ). وذهب إلى غابات أفريقيا وجبالها فجاء بقصته ( ثلوج كليمنجارو ). وفي أعوام كهولته فضّل البقاء على شواطئ كوبا يكتب ويصيد السمك ويستمع إلى الصيادين وهذه الفاصلة من حياته ألهمته كتابة رائعته الأخيرة ( الشيخ والبحر ). وخلال ذلك أنجز أعمالاً أخرى كثيرة لكنه في نهاية حياته بات يشعر بالعجز والنضوب فأطلق على رأسه رصاصة من بندقية صيد بعد أن لم يعد بمقدوره أن يغامر ويكتب.    يرى إدوارد سعيد أن كتابة الرواية أصبحت ممكنة في أوربا بعد أن خرج الأوربيون إلى ما وراء حدودهم الجغرافية مع عصر الاستكشافات الكبرى والاستعمار. يصح هذا بشكل ما على الكتّاب أيضاً، أولئك الذين يستطيعون الخروج إلى ما وراء حدودهم التقليدية، وتخطي إطار وجودهم الساكن والرتيب. غير أن هذا لا يعني بأية حال أن على المرء أن يكون قد عاش تجربة حكاية كل رواية أو قصة دوّنها، فيما بعد، فنياً على الورق، أو على شاشة الحاسوب.وإذن ماذا عن كتابة الروايات التاريخية التي تدور أحداثها في الأزمان الغابرة، أو قصص الخيال العلمي التي تتحدث عن رحلات عجيبة في الفضاء الخارجي، أو عن خوارق لا معقولة. وتبقى ذات فائدة تلك النصيحة التي يعطيها الكتّاب الكبار للكتّاب الشبّان ومؤداها؛ اكتب عن الشيء الذي خبرته فعلاً، عن الشيء الذي تعرفه أكثر من غيره. آخر ما قرأته رواية ( حياة باي ) ليان مارتل الحائزة جائزة البوكر للعام 2002، وتحكي عن صبي في الرابعة عشرة من عمره يجد نفسه على ظهر مركب إنقاذ مع نمر بنغالي وضبع وسعلاة وحمار وحشي جريح بعد غرق السفينة التي كانت تقله مع عائلته في المحيط الهادئ وهم في طريقهم من الهند إلى كندا. ومن ضمن الحمولة حيوانات مفترسة يغرق معظمها مع بقية الركّاب. وأخيراً يبقى  الصبي (باي) وحده مع النمر وعليه ترويضه وإطعامه مما يصيده طوال أكثر من سبعة أشهر.. الرواية مثيرة وتتوافر على عنصر الإقناع الفني على الرغم من غرابة أحداثها.. ثمة راو أول يخبرنا عن راو ثان سرد له الحكاية بتفاصيلها. وهذا يجعلنا نتصور وجود شخص ما حكى للروائي قصة من هذا القبيل، أو أن الروائي لاحق قصص غرق السفن كما نقلتها الصحافة والكتب قبل أن يشرع بكتابة روايته. ولا أعلم عن مدى سفره في البحار والمحيطات لكنني أفترض أن له خبرة ما في هذا الجانب. فسعة المعلومات فضلاً عن المخيلة لابد أن تعين الكاتب فيما يكتب. ولم يكن تولستوي قد خاض سوى حرب محدودة في القوقاز حين كان ضابطاً في الجيش الروسي، بيد أنه مضى يجمع المعلومات طوال أربع سنوات عن غزو نابليون لروسيا قبل أن يبدأ كتابة عمل حياته الكبير ( الحرب والسلام ).    أعتقد أن الكتابة السردية تقتضي معرفة وخبرة بالحد الأدنى بجوانب الحياة. لكن الكتابة عن تفاصيل لم يعشها الكاتب يتطلب معايشة عقلية ونفسية ووجودية خلاقة مع تلكم التفاصيل على مستوى المخيّلة. هنا لا تلبث الكتابة تصويراً للحياة وحسب، بل تغدو هي ذاتها تجربة حياة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان بسيط, ولذلك سأقول لك يجب على المرء أن ينظر إلى الأشياء بسهولة اكبر ومن وجهة النظر العملية, فأنا كفرد قد حررت نفسي منذ زمن طويل من كل القيود وحتى الالتزامات , فأنا اعرف الالتزامات فقط حين أرى أن لدي شيء ما أستطيع الحصول عليه بها.
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram