موقع كُلُلَّوش؟

موقع كُلُلَّوش؟

عبدالكريم يحيى الزيباري

رغد السهيل في خارطتنا السردية القصصية؟ موقع الفَرَح المفقود من حياتنا، موقع الانفتاح في مجتمعنا المُغلق، موقع التهميش والشللية المُتَصَدِّر مشهدنا الثقافي.

لماذا لم تنلْ اهتمام النُّقاد؟ ماذا لو كانت القاصة رئيسة تحرير جريدة أو مجلة حكومية؟ أو مُرشَّحة لذلك أو رئيسة سابقة!

لا تنفصل نصوصها عن واقع البلد المزري، الذي تجسده في مشاهد ولوحات سردية مؤطَّرة بمحاكاة للتهكم السقراطي بمحاولة إخراج القارئ عن طوره التقليدي في رؤية الأشياء. و(أعرف جنون خيال هذه التي تتوهَّم أنَّها قاصة/ ص23) لا تلتزم براوٍ ولا ثيمة ولا حبكة ولا موضوع، تنساب مع تيارات حداثية تستنطق الهوية الوطنية والشوائب التي لحثت بها.

العنوان عتبة أولى: المجموعة القصصية (كُلُلَّوش/ 2017) رمز أسطوري كشفته في تنويه، وقلبُ القارئ ضدَّ الكشف في النصوص الإبداعية، الذي يقرأ ليستمتع لا ليتعلَّم، ليستكشف ويستنبط لا ليحاذي ويُقلِّد! ويليق الكشف بالدراسات والبحوث عن الأجوبة الفرضيَّة التي يطرحا النص.

كُلُلَّوش عنوان يتأرجح بين ثنائية كينونة أفراحنا النادرة وأحزاننا المُستَدامة في حاضرنا السَّاقط تحت هيمنة ثلة من الحمقى والمغفلين. ثنائية الطاغية الفاسد والعادل النزيه. بدلالة صوت النساء في الأفراح بالهلاهل والزغاريد وأكاليل الغار لهذا الخراب الناعم الجميل، والفساد المستشري في جوانب الحياة كافة، عواصف الغبار تترى، وفضائح تسرب الأسئلة والانسداد السياسي بعد كلِّ دورة انتخابية لا تأتي بجديد!

عتبة الاستهلالات، استهلت القاصة مجموعتها، بقصيدة عبدالوهاب البياتي (طفلةٌ أنتِ وأنـثـى واعـدة. وُلدت من زبد البحر ومن نار الشموس الخالدة. كلما ماتت بعصر؛ بُعثت. قامت من الموت وعادت للظهور. أنت عنقاء الحضارات. وأنـثـى سـارق النيران في كل العصور).

اللاقصة في (حديقة جمعة اللامي) بلا استهلال، ونثرت أسماء أعلام كثيرة، ابن النفيس وشخصيات اللامي القصصية، وانتهت (تعالي معي لأحكي لكِ حكاية كلُلُّوش/ ص19) وفي (كلُلُّوش) (اسمعي أرى حيواناً آخر على وجهك/ص38)، لتبدأ قصة (حيوانات الوجوه) بسؤال فائض عن السَّرد (هل للوجوه معنى/ ص39) وسؤالٍ سردي مُغطَّى (أين ذهبَ وجهي؟). (وفي سوق المرايا وجدتُ حكايةً أخرى. فالبشر بلا وجه إنسية.. انتصبت فوق الأجساد وجوه حيوانات/ ص41) ثم شروح وتعليقات عامة بلا تفاصيل سردية دقيقة تخصُّ شخصاً بعينه. وتنتهي (ثم كتبتُ قصة، ليست هذه القصة، إنَّما قصة الأفندي دال نقطة/ ص44) وهكذا نهاية كلِّ قِصَّة تُقَدِّم لقصتها اللاحقة بعبارةٍ تحقق أفق انتظار القارئ ولم تخلُ من تكلف.

استهلت قصة كلُلُّوش ببيت شعر شهير لعلي الشرقي 1892- 1964 (قومي رؤوس كلهم، أ رأيت مزرعة البصل؟) كمقولة الفيلسوف الفرنسي بسوت (حيث يملك كلُّ فردٍ فعلَ ما يشاء، لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لا سيد: الكل سيد، وحيث الكل سيد: الكل عبيد) وسَنَةٌ في ظلِّ سلطانٍ ظالم، خيرٌ من ليلةٍ بلا سلطان، و”إن اللّه يزع بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن” لأنَّ شُذَّاذ الآفاق ينزجرون بعقوبة السلطة التي لا تقدر على تطهير المجتمع من العنف ما لم تحتكِرُهُ لنفسها. (عوَّدتنا كلُلُّوش على نظافة القرية، كانت مهمتها التخلص من النفايات، حتى تصارع القوم بينهم بسبب البصل/ ص21). استهلت قصة (اللعبة) بالشاعر كاظم الحجَّاج (هذا الوطن المحسود. الوطن التفاحة. يحميه الله من الدود). واستهلت قصة (اغتيال حقيبة) بالنَّاثر السَّاحر غاليانو (نشرات الأخبار لا تولي اهتماماً للأحلام). واستهلت قصة (دندنة الأرض) بالقاص الكبير محمد خضير (الألم غُبار الروح). واستهلت قصة (موت أم) بالشاعر يحيى السماوي (لم تكن أنانية يوماً. فلماذا ذهبت إلى الجنة وحدها. وتركتني في جحيم الحياة؟) واستهلت قصة (التَّرِكَة) بالسَّاحر الأول كالفينو (الثورة الحقيقية تكون، عندما تحمل النساء أسلحة).

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top