بيت المدى يؤبن شاعر القصيدة الثائرة مظفر النواب

بيت المدى يؤبن شاعر القصيدة الثائرة مظفر النواب

بسام عبد الرزاق

اقام بيت المدى في شارع المتنبي، امس الاول الجمعة، جلسة تأبين لشاعر العراق الكبير مظفر النواب، الذي ذهب بالشعر الشعبي الى فضاءات جديدة، وجعله مادة للدرس الوطني ورسالة عشق ابدية تثير الشجون على الدوام. الجلسة التأبينية التي قدمها الباحث رفعت عبد الرزاق، ضيّفت عالمين قريبين من النواب، الدكتور سعدي الحديثي والشاعر ناظم السماوي، والتي دارت الجلسة في فلك حديثهما، فضلا عن مداخلات اخرى.

وقال عبد الرزاق في افتتاح الجلسة، انه "نحتفل بتأبين قامة عراقية سامقة الا وهو الشاعر الكبير مظفر النواب.. رقد النواب رقدته الابدية بعد حياة حافلة بالابداع الادبي والجهاد الوطني، واصبح شخصية متميزة في المشهد الثقافي العراقي منذ فترة مبكرة اذ ولج هذا المشهد بكل قوة واصبح وجها جماهيريا معروفا، على خلاف ما هو معروف بان الجمهور العراقي، في السنوات الاخيرة، ابتعد كثيرا عن المشهد الثقافي واصبح الشعراء لا يُعرفون بين هذه الاوساط، لكن مظفر بقي شامخا والطبقات المختلفة من شعبنا تردد نصوصه الشعرية، الشخصية الوطنية والسياسية الذي عرفته المنافي والسجون وقد كتب عنه الكثير في حياته، ونحن هنا في بيت المدى احتفلنا به اكثر من مرة واصدرنا ملاحق عديدة، وهو بلا ريب يستحق الحديث كثيرا".

الدكتور سعدي الحديثي تحدث عن علاقته الثنائية مع مظفر النواب وقال الحديثي:- تعرفت على النواب في مدرسة بالكاظمية، هو يدرّس العربية وانا ادرّس الانكليزية والرسم. وجاءنا النواب من النشاط الفني. واول يوم دوام سألني النواب عن المرسم فاخذته اليه لاني كنت مدرسا للرسم ايضا. فتعارفنا واخذته الى بيتي وتناولنا الغداء واصبحنا صديقين من ذلك الوقت. وحين كنت اغني امامه اعجب بي كثيرا. وكنا نجتمع انا وهو وبلند الحيدري وجبرا ابراهيم جبرا لمرات عديدة في الاسبوع، وكانوا يسمعوني بلهفة وامعان. وكان النواب معجبا بالقطار وصوته حين يأتي الى المحطة، وقد وظف ذلك كثيرا في شعره. في السجن ايضا التقينا، انا بتهمة تأسيس منظمة غير مجازة من الحكومة وحكمت 17 شهرا، وهو بتهمة سياسية. واستمرت العلاقة بيننا وكنا نشكل لجانا ثقافية وسياسية في السجن لغرض التثقيف واصدرنا جريدة كنا نكتبها بخط اليد وننسخها لعدة نسخ. وروى الحديثي بعض المواقف لمظفر النواب داخل السجن وكيف كان يشد من ازر المعتقلين ويقيم لهم امسيات شعرية وحفلات غنائية اسبوعية حيث كانت هذه الاماسي ذات نكهة خاصة عندما يحييها مظفر النواب بصوته ذو النبرة المتميزة.

وتحدث البياتي عن قصيدة النواب الشهيرة "صويحب" التي قرأها بطريقته الخاصة وبصوته الغنائي المتفرد. وتحدث الدكتور سعدي الحديثي عن شخصية مظفر النواب التي وصفها بانها سخصية ذات قدرات عظيمة سواء في التدريس او الادارة، مضيفا ان قدراته ليست ادبية وانما سياسية واجتماعية، وله قدرة على جمع الاخرين حول قضايا اجتماعية وحياتية، واختتم الحديثي ذكرياته عن النواب بالحديث عن الحفلات المشتركة التي اقاماها سوية وخصوصا في لندن وكيف استطاع مظفر ان يطوع القصيدة ليحولها الى اغنية تتردد على شفاه الناس، وقدم بعدها نماذج من قصائد مظفر بطريقته الغنائية.

من جانبه قال الشاعر ناظم السماوي انه "تعرفت على مظفر النواب في "نقرة السلمان" بعد ان تم ترحيلي من سجن البصرة، واصبح صديقي مثلما هو صديق لكل الناس، والى اليوم لا اعرف كيف جمع البعثيين كل هذه الاسماء في هذا "القاووش" د. سعدي الحديثي، زهير الدجيلي، فاضل ثامر، الفريد سمعان، ظافر صبحي اديب، واسماء كبيرة اخرى".

واضاف ان "ادب السجون كان فلسفة الحزب الشيوعي، وكان كذلك السائد اذا ما اردت ان تصبح مثقفا عليك ان تصبح شيوعيا، وثقافة اليسار ثقافة معروفة في العراق، وكانت القاعة رقم (10) مميزة جدا وتركت في نفسي الاثر الكبير، ومن بين الاشخاص كان فيها عزيز سباهي وكتبت عنه قصيدة ومنها:

"التابوت كل شي يشيل

مثل ساعي البريد

يجيب ويودي

بس الزين من ينشال بالتابوت

مثل سعف النخل صيف وشتى يسدي"

وهكذا كان مظفر النواب حين حملنا نعشه في اتحاد الادباء.

وتابع انه "تعلمت من "نقرة السلمان" فنون الادب الشعبي، وكان مظفر النواب في تلك الفترة ايقونة ولديه طباع جميلة جدا ويتمتع ببساطة وشفافية وصاحب موقف، وحين كتب قصيدة "البراءة" كنا انا ومظفر نقرأ على "الفانوس"، وكان البعثيون حتى علب السكائر ياخذون اغلفتها كي لا نتمكن من الكتابة، كان يتحدث بلغة المناضل الكبير اضافة لكونه بسيطا جدا".

وأكمل انه "كتبت الكثير عن مظفر النواب، كونه كان يستفزني بقصائده وسلوكه وفي حواراته، اضافة لكونه فنانا ويرسم بصورة جميلة، وكان رمزا من رموز الموقف العراقي سواء كان في دخوله السجن او بعد خروجه، وحتى الهور كان صامتا وحين دخله مظفر وهو يحمل "البرنو" على كتفه، حتى المشحوف بدأ بالغناء".

الاستاذ علي حداد تحدث عن ذكرى جمعته بالشاعر مظفر النواب في دمشق.

وبين انه "في تاريخ الشعرية العربية هناك شعراء مفصليون، وفي شعرنا الشعبي مظفر النواب هو الشاعر المفصلي الذي غير مسار الشعرية وخلق تيارا جديدا، وريادته لا تقل عن ريادة السياب".

من جانبه تحدث د. عقيل مهدي، عن حضور مظفر النواب خلال الجلسة من خلال مداخلات د. سعدي الحديثي والشاعر ناظم السماوي، وكذلك عن احدى مسرحياته التي اشار فيها الى النواب وكيف فقد منزله وتعرضه للنهب، وقارنها بما كتبه الكاتب المعروف جبرا ابراهيم جبرا عن الشاعرين محمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب، ويجدها مطابقة جدا مع مظفر النواب من ناحية الموروث الثوري والانساني.

الاستاذ امين الموسوي قال: احاول مجتهدا ان اجيب عن السؤال المهم، من اين للنواب هذه الامكانية في استعمال المفردات الشعبية الجنوبية وهو ابن العائلة الارستقراطية البغدادية؟

واضاف ان "النواب الذي اثر عليه هو جده الذي كان يكتب الشعر بالعربية والفارسية، فنمت في نفسه بذرة حب الشعر والجمال، وحين كان النواب في كلية الاداب انتمى للحزب الشيوعي العراقي، وهذا يسمى انسلاخا طبقيا، وجعله يحتك مع الفقراء"، لافتا الى انه "في فترة الجامعة رافق النواب طالب يلقب بلبل الجامعة، وهو عبد الرحمن شمسي، وكان غالبا ما يأخذ النواب الى الهور والاجواء الجنوبية".

في ختام الجلسة تحدث الباحث هادي الطائي عن لقاء جمعه بمظفر النواب "في مطلع عام 2008 في سوريا، والحوارات التي دارت بينهما حول قصائد معينة ومواقف اخرى".

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top