اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ثورة إصلاحية وطنية لاستعادة سيادة وهيبة الدولةالعراقية

ثورة إصلاحية وطنية لاستعادة سيادة وهيبة الدولةالعراقية

نشر في: 2 أغسطس, 2022: 10:23 م

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

عقب مرحلة عصيبة جاوزت الثمانية اشهر من الانسداد السياسي منذ الانتخابات البرلمانية في العاشر من اوكتوبر 2022 التي شهد المجتمع الدولي بحسن إدارتها وبنجاحها كان لابد لجميع العراقيين المخلصين لبلادهم أن يترجموا آمالهم بتحقيق وحدتهم الوطنية الشاملة لكل الطيف العراقي الجميل من خلال إعلاء وتأكيد أولوية الهوية الوطنية الجامعة بعيدا عن لغة المكونات والمحاصصة السياسية التي إطرت دستوريا من خلال تعميق أنتماءات وولاءات فرعية ثانوية (رغم احترامنا لها)

ولكنها لاترقى بالمطلق للهوية العراقية الوطنية الجامعة لكل العراقيين.. وهذا ما أكده التيار “الصدري” من خلال سعيه السياسي المستمر لتطبيق مبدأ الاغلبية الوطنية داخل قبة البرلمان والتي عرقل الوصول إليها الثلث المعطل لكتلة الاطار التنسيقي. أما وقد أضحى خارج العملية السياسية البرلمانية وليس الشعبية فإن التيار الصدري كما هو متوقع سعى لإنجاح خطته السياسية مستندا أولا على جمهوره الواسع بعيدا عن كل انواع الولاءات الثانوية والمحاصصات السياسية – الاقتصادية المقيتة التي جلبت للبلاد والعباد الفساد والدماروالتبعية للغير بعيدا عن حب العراقي لوطنه لهويته الاصيلة. من هنا، فإن هدف الثورة الاصلاحية للنظام السياسي الديمقراطي العراقي للمرحلة المستقبلية تطلبت كخيار وطني فريد أنطلاق المسيرة السلمية الاحتجاجية الصدرية - الوطنية سعيا لأحداث تغيير ثوري شامل وجوهري “إصلاحي ديمقراطي – دستوري”. حراك جماهيري أنطلق نحو بيت الشعب “البرلمان” سيرافقه إن أجلا أم عاجلا حراك قوى سياسية أخرى على رأسها قوى ثوار تشرين الذين سطروا بين عامي 2019 و2020 ملحمة وطنية دامية هدفها مماثل للحراك الجماهيري الراهن أي إعمال تغيير ثوري حقيقي في بنية النظام السياسي – الدستوري - الاقتصادي والمجتمعي بعيدا عن المحاصصة السياسية المقيتة التي أذكت الانقسامات الطائفية – المذهبية والقومية – العرقية والجهوية.

ما حدث خلال الايام الاخيرة من شهر تموز/يوليو تطورات سياسية “شعبية” مهمة جدا ضمنت في شكل برنامج ثوري وطني أصلاحي يعكس بدء مرحلة جديدة تتمحور حول إنجاز متطلبات التنمية الانسانية المستدامة بعيدا عن حوارات عقيمة هدفها الحفاظ على مصالح شخصيات، أحزاب وتكتلات ضيقة الافق لاتهتم حقيقة بالمصلحة الوطنية العراقية قدر أهتمامها بمصالح فئوية وشخصية. إن إستمرار وضع كهذا يعد وصفة لأزمات مركبة معقدة معها ستتراجع بل ستنحدر الثقة الشعبية بالنظام السياسي برمته وهو ما حدث وسيحدث بمديات كبرى إذا ما تم إعتماد التوافقية السياسية التي أهدرت المال العام بمليارات الدولارات بل وبددت عن عمد الطاقة البشرية العراقية خاصة تلك التي تحمل تخصصات وكفاءات حيوية استقطبتها، رعتها ,احتفت بها دول العالم المتقدم بينما العراق بامس الحاجة إليها.

إن دولة المؤسسات الديمقراطية المدنية ولاشك تليق بالعراق منبع الحضارات العالمية حيث يجب أن تستند السلطات الرئيسة الاربع على مبادئ وسياق الفصل المتوازن الموضوعي بصورة تنجح العملية السياسية ولا تتقاطع معها من خلال توفيرمجالات حيوية لتكامل وتنمية جهود السلطات الاربع (التشريعية، التنفيذية والقضائية والاعلامية). علما بإن ثورة الاتصالات التقنية أذكت الروح المعنوية للشعوب شجعتها على الانتفاض على السلبيات التي ارجعت تقدم البلاد والعباد طويلا. نحن بأمس الحاجة حاليا لإحداث تغييرات أيجابية بنيوية أو هيكيلية للنظام السياسي بصورة ستوصلنا في نهاية المطاف لبر الامن والامان والازدهار الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي والثقافي في ظل دولة مدنية شرائعها الدينية محترمة لكل الاديان والطوائف والاطياف العراقية المتنوعة. بنفس الوقت ستقدم لنا صورة رائعة لمستقبل جميل للتفاعل الانساني الذي يسوده الاندماج الوطني و الانسجام الاجتماعي بعيدا عن اللجوءلآليات القوة المسلحة التي يجب أن تستخدم فقط لحماية البلاد من الارهاب الداعشي ومن كل انواع الارهاب والجريمة المنظمة التي تجد في كل فرقة وأنقسام سياسي – مجتمعي مجالا وكوة مناسبة يسهل معها إختراق النسيج المجتمعي. تصور يؤكد لنا تضرر مستقبل فئات عدة معرضة لمخاطر وجودية وعلى راسها الشباب الذين يعانون الكثير من الاحباط بالنظر للبطالة المرتفعة من جهة وأنتشار وتغلغل وسائل عدة غير قانونية من ضمنها انتشار آفة المخدرات التي يجب تشن عليها حرب لاهوادة فيها لأقتلاعها من جذورها كلما أمكن ذلك تماما كالحروب الاخرى ضد الفساد والارهاب.

شعبنا العراقي يرنو لإتخاذ خطوات ملموسة ضمن منهج مخطط شامل يستقطب قيادة حكيمة تتسق مع “حكم رشيد” تؤصل وترسخ أدوارا وإنجازات ابداعية تليق بمكانة العراق السامية الجيوسياسية والحضارية. تطورات أيجابية لطالما حلم بها شعبنا الابي الاصيل وسعى لتجسيدها من خلال استعادة ناجحة لدوره الجيوستراتيجي إعتمادا على قدرات العراق المادية والبشرية على كافة مستوياتها وتخصصاتها. مسار يمكن شعبنا من أستعادة ثقته بحكومة وطنية مستقلة كفوءة ديمقراطيا وتتمتع بشرعية الانجاز The Legitimacy of Achievementمستندة إلى نظام سياسي وطني بإمتياز يحترم حرية، حقوق وكرامة الانسان دون التخلي عن الواجبات والمسؤوليات التي تقع على موطني الدولة. تطورات تبتدأ بخطوات سليمة اي بمقدمات جيدة ستوصل بلدنا لبر الامن والامان من خلال تاسيس طبقة جديدة لجيل جديد تحكم البلاد بما يرضي الله عزوجل وبما يلبي لشعبنا حقوقه الاساسية في الحياة خاصة فئاته الفقيرة، المحرومة والطبقة الوسطى التي عانت الامرين من الاهمال وعدم الاهتمام بضورة أنهكت قدراتها الذاتية. جيل الشباب العراقي وجيل الطفولة العراقية “اجيال المستقبل” في الغالب الاعم تعتبر أجيالا محرومة بحق من ابسط مستلزمات الحياة وبالتالي هم بحاجة للحماية وللرعاية تماما كما هو الامر بالنسبة لجيل الكبار الذين قدموا الغالي والنفيس لشعبنا عبر تأريخه السياسي ولايتلقون ما ينصف أو يستحق ماديا ومعنويا. حقا أن الدور الوطني الجديد المتوقع للعراقي مسألة لايمكن نكرانها أو تجاهل حيثياتها خاصة وقد عززتها إحتجاجات وطنية شاملة لقوى عديدة أخرى على رأسها قوى الثورة التشرينية – المدنية التي وضعت اللبنات المهمة في بناء عراق مدني وطني جديد. قوى وطنية متعددة ستنتدرج مستقبلا بتعزيزما قامت به كتلة التيار الصدري من جهود مميزة وطنية أستثنائية في مرحلة حرجة جدا بل وأستثنائية من تأريخ العراق السياسي الجديد.

إن مرحلة إستعادة ثقة العراقيين بنظامهم السياسي أضحت اساسية وحيوية لبناء عراق حديث جديد مادة وروحا الامر الذي يستوجب استقطاب كل الجهود الخيرية التي ترحب بعراق واحد موحد يتمتع بسيادة، كرامة، هيبة وسيادة وطنية حقيقية على ارضه بعيدا عن كل التدخلات الخارجية. عراق اليوم بأمس الحاجة لديمقراطية الانجاز democratic achievement التي تتجسد من خلال مايتحقق من نتائج عملية في ظل دولة المؤسسات الحقيقية وليس دولة المكونات والشخصيات التي تدعو لولاءات فردية تعكسها رؤى وجهود أحزاب وتكتلات اثبتت فشلها في إدارة البلاد والعباد منذ 2003. علما بأن المرجعية الرشيدة الدينية للسيد علي السيستاني برغم استيائها الشديد من دورالطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003 لازالت تعد صمام الامان للسلم المجتمعي خاصة وأن المشهد الراهن القلق والمتوتر سيترتب عليه تدخلها بحدود معينة في مرحلة قادمة. دورها المتوقع أن يكون فاعلا وقيميا يسهم في تهدئة النفوس وتثبيت الاستقرار والامن تحسبا لازلاق محتمل للمشهد السياسي غير المحسوب العواقب. الامر الذي يستدعي بالمقابل ضرورة تداعي واستقطاب كافة الجهود الخيرة من فضلاء وحكماء القوم وصولا لبر الامن والامان.

من منظور مكمل لابد من تفعيل دور السلطات الحكومية وغير الحكومية الرئيسة خاصة تلك المعنية بدورها الاستثنائي في التلبية العاجلة للمطالب والخدمات الاساسية للمواطنين توفيرا لكل مستلزمات النمو والتنمية الانسانية المستدامة بصورة تنقل البلاد من واقعها المتردي إلى واقع جديد يتكيف مع روح العصر. مستقبل يحمل بشائر النهضة والتنمية الانسانية المستدامة التي تترك لأجيالنا القادمة ما يعمق حبهم واعزازهم بوطن طالما طالبوا ويطالبون بإستعادته سريعا. لعل الدور الضامن لما تطلبه الكتلة الصدرية لإنجاح مسيرة الالف ميل تتطلب أتخاذ السلطات الحكومية بسلسلة إجراءات وخطوات عملية وواقعية. مسألة تنتظرمزيدا من التعاون والتنسيق المثمر وطنيا، أقليميا ودوليا تفعيلا لدور مؤسساتنا الوطنية في القطاعين العام والخاص في ظل إهتمام ورعاية دولية فاعلة من قبل الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

لعل من أبرز ما تدعو إليه هذه الثورة السلمية الاصلاحية التخلص من آتون الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة العراقية والذي وإن نجحت بعض الحكومات في تقيد تجاوزاته بشكل محدود إلا انه لم يزل لايرقى بعد إلى حدود معقولة أو مقبولة - تعطي أملا أو بصيص منه لشعبنا الطيب. إن الاقوال المحبطة التي تقول بإستحالة استعادة الاموال المنهوبة والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات لايمكن الركون إليها كليا او بالقطع إذ أن الجهود الوطنية المخلصة التي تستد إلى تجارب وخبرات دول اخرى (ماليزيا، سنغافورة، الدول الاسكندنافية، دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية) ستحقق نتائج إيجابية بأستعادة جزءا ولو كان محدودا منها. دور إن تعاظم مستقبلا سيرهب حيتان الفساد ويجعلها تستوعب درسا لايمكن نسيانه اوتجاوزه بكل يسر. أتوقع وإن الغد قريب لناظره ان العراق سيفعل جهودا مجددة مهمة لمكافحة الفساد من خلال تأسيس مؤسسات قضائية تتسق إجراءاتها قانونيا مع متطلبات ومعايير دولية تعتمد افضل النظم والمؤسسات القضائية - القانونية العالمية. ضمن هذا السياق لابد من تفعيل دور الحكومة الالكترونية من خلال نظام “شبكة الاتصالات الالكترونية الحديثة” بهدف إستقصاء مواقع وحجم الاموال المنهوبة من العراق بغية استعادتها مسألة ولاشك ليست هينة. هذا ومن الامور التي لابد من إلتفكير بها مستقبلا بل وتطبيقها جديا تلك التي تتعلق بترجمة النص الدستوري القائل ان ثروات الشعب العراقي من النفط وغيرها من موارد معدنية تعد ملكا للعراقيين. بمعنى أن لكل عراقي حصة مناسبة من عوائد النفط بعيدا عن أي تمايز او تمييز مجتمعي. أخيرا، لايمكن للعراقيين بعد اليوم أن يقبلوا واقعا اوصل العديد من قئاتهم وشرائحهم المجتمعية لمرحلة الفقر المدقع ووللعوز والبطالة والجهل وانتشار الاوبئة والامراض المستوطنة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

قلب بغداد والمسؤولية الاجتماعية: الدرس الذي تعلمنا إياه رابطة المصارف الخاصة

خالد مطلك غالبًا ما يُنظر إلى المركز التقليدي للمدينة القديمة على أنه الوصي الشرعي على هويتها المعمارية، ويجسد القيم التاريخية والجمالية والثقافية. لذلك فأن عملية إحياء المباني القديمة داخل مجال محدد يحتل موقع النواة، يعد أمر بالغ الأهمية في الحفاظ على استمرارية هذه الهوية. فمن الناحية الأكاديمية، يمكن فهم هكذا مبادرات من خلال عدسة "إعادة […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram