جمال العتّابي
يكفي تأمل جريدة المدى صباح كل يوم لنكتشف سر هذا التكوين في ترويسة الجريدة، بما يعرف ب(اللوغو)، ان عذوبة مشحونة بالامتلاء والدهشة، تأخذ القارئ نحو فخامة الروعة والغنى، بما هو مخفي في ثنايا الحرف، هذا (التكور) في الحرف صنعه صائغ الحروف صادق، كأنه مقطوعة متوهجة ثرية تلخص عالماً من الانتماء إلى التجديد والحداثة، فالصائغ متخصص بصياغة الجمال ليسمو به عن التقليد والتكرار.
منذ تسعينات القرن الماضي، يوم كان الوطن غارقاً بالأسى والجوع، كانت مجلة المدى تصلنا مصورة(بالاستنساخ)، نتلقفها نحن العطاشى للضوء في بلد مظلم، نتداولها في السر، كانت اللحظة الأولى الساحرة التي أخذتنا نحو المتعة البصرية في تشكيل العنوان، ثم استأثرت باهتمامات المثقف العراقي المحاصر، كونها مشروعاً ثقافياً تنويرياً، لتأتي المدى الجريدة امتداداً لهذا المشروع، بعد سقوط النظام عام2003.
قبل الانطلاقة الأولى للجريدة، كنا نلتقي رائد المشروع ومؤسسه فخري كريم، في قاعة حوار، مجموعة من الصحفيين والمثقفين، تحاول أن تتناسى سنوات العذاب والاغتراب، والحروب والغياب، كان مشروع جريدة المدى يحتل الصدارة في الحوارات، وأصبح هاجسنا الأول، ليتحول إلى حقيقة ماثلة أمام العيون، بعد عدة لقاءات واجتماعات، أصبحت يومية في شقة الصديقة سلوى زكو.
كنت من بين المشاركين في الاعداد والتحضير، ومازلت أحسب نفسي ضمن فريق العمل في الجريدة، كاتباً، ومساهماً حاضراً في نشاطاتها الثقافية.يمكننا القول نحن المشتغلين في الحقلين الاعلامي والثقافي، ان جريدة المدى تمثل امتداداً لنمط من الصحافة التقدمية التي ترسخت جذورها عبر فترات متعددة من تاريخ العراق المعاصر، لتفردها في المنهج والخطاب، وتمكنها من الارتقاء بمستواها ومهنيتها كي تكون نظيراً لصحف عريقة في المنطقة، وهي أكثر حضوراً في الساحة السياسية العراقية، بجهود هيأة تحريرها وكتابها، وخطابها المنسجم مع واقع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكانت الصوت المتقدم لصالح الوطن، وقضايا الشعب الأساسية، وفي مجال الثقافة تقدمت المدى الصفوف كمنبر مهم للأدب والفن والفكر.
لا تبدو المهمة يسيرة في ظل الأوضاع التي يعيشها البلد، لكن ما أنجزته المدى عبر مسيرتها تلك، يدعو للاعتزاز والاعجاب، بدءاً من كتاب المدى، والملاحق الأسبوعية، والاهتمام بالذاكرة، فضلاً عن رعايتها للمهرجانات والندوات الثقافية، ومعارض الكتب السنوية، وهي بذلك فتحت آفاقاً واسعة أمام تبادل الرأي الحر، واحترام الآخر، والتصدي لقضايا الحرية والانسان في العالم، الى جانب اهتمامها بقضايا الفن والدراسات النقدية، ونشر النصوص الابداعية، نثراً وشعراً.
من حق جريدة المدى ان تحتفي بميلادها، تتباهى بحسنها وعطرها كعلامة فارقة بين الصحف، وتزهو بشكلها ومسيرتها المشرّفة، ومن حقنا نحن القراء أن نشاركها الاِحتفاء بباقات ورد وأكاليل من الأمنيات بالتقدم والنجاح.
اترك تعليقك