موسيقى الاحد: شولهوف والنازية

موسيقى الاحد: شولهوف والنازية

ثائر صالح

تصادف هذه الأيام الذكرى الثمانون لوفاة مؤلف موسيقي مهم كثير الإنتاج ومتعدد الاهتمامات، هو إرفين شولهوف (1894 - 1942).

ولد في براغ لعائلة يهودية ميسورة من خلفية ثقافية ألمانية وتلقى دراسة موسيقية ممتازة في كونسرفاتوار براغ في البداية وهو في العاشرة، ثم في عاصمة الامبراطورية النمساوي المجرية فيينا (1906)، بعدها في لايبزيج عند ماكس ريغر (1908)، ثم في كولونيا (1911) لينهي دراسته الأكاديمية في 1914. يصفه المؤرخون بأنه كان أكثر مجايليه فضولاً وانغماساً في التجريبية قبل أن يتحول إلى الواقعية الاشتراكية في العقد الأخير من عمره.

غير أنه ما كاد يبدأ حياته المهنية حتى اندلعت الحرب العالمية الأولى، فسيق إلى الجبهة ليخدم ضمن الجيش النمساوي المجري في عدة أماكن منها الجبهة الروسية، وجرح مرتين. سرعان ما تعززت لديه كراهية الحرب بسبب بشاعتها وعبثيتها. واصل تأليف الموسيقى أثناء خدمته العسكرية، لينشر بعض أعماله فور انتهاء الحرب. بدأ بالاهتمام بالموسيقى الطليعية والاثنا عشرية (دوديكافونية) وتأثر بالدادائية عندما أقام فترة في دريسدن مع اخته الرسامة بين 1919 - 1922 وكانا نشطين في الحياة الثقافية والفنية التي شهدتها سنوات جمهورية فايمار وقتها، ثم عاش في برلين بين 1922 - 1924 قبل أن يعود إلى براغ. من أعماله المثيرة والصادمة في تلك الفترة السوناتا الأروتيكية (1919) التي تقدمها ممثلة تتأوه.

تسبب التضخم الكبير الذي أصاب ألمانيا في 1923 في فقدان العائلة ثروتها، فاضطر شولهوف للعمل والاعتماد على ما يكسبه من عمله كعازف ماهر ومؤلف خصب لتوفير معيشته، وكان عازفاً جيداً على البيانو ووظف في أعماله الموسيقى الشعبية التشيكية ومختلف تفرعاتها. كان يقدم في هذه الحفلات أعماله وأعمال ممثلي مدرسة فيينا الثانية (شونبرغ وبيرغ وغيرهم من الموسيقيين الطليعيين). من جانب آخر تعرف على موسيقى الجاز مبكراً وبشكل عميق وأسهم في تقديمها ونشرها، ووظفها كذلك في أعماله الموسيقية. وكان يؤمن بتجديد الموسيقى الكلاسيكية عبر مزاوجتها بالجاز. وكان الجاز قد دخل أوروبا عبر الجنود الأمريكيين من الزنوج (الفرقة الموسيقية لكتيبة المشاة 369 التي قادها جيمس ريس يوروب) وانتشر في فرنسا وألمانيا بعد الحرب.

تزايد ميله لليسار والشيوعية وانضم إلى جبهة اليسار في 1931، وزار الاتحاد السوفيتي في 1933 ليشترك في مسابقة للمسرح العمالي ويقدم حفلات موسيقية في موسكو ولنينغراد. ألّف في تلك الفترة الكثير من الموسيقى والأغاني الثورية، ومنها كانتاتا لمغنين منفردين وكورس وفرقة هوائية استناداً إلى نص البيان الشيوعي (1932)، وهو عمل فقد لعقود قبل أن يتم العثور عليه في أرشيف سوفيتي في ستينات القرن العشرين.

لكن وصول هتلر إلى السلطة وتزايد النفوذ النازي في كل وسط أوروبا جعله يفكر في مغادرة تشيكوسلوفاكيا إلى الولايات المتحدة، لكنه فشل في الحصول على تأشيرة، فقدم طلباً للحصول على الجنسية السوفيتية، وقد حصل عليها بالفعل سنة 1941 لكن السلطات النازية اعتقلته قبل سفره بسبب الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي صيف ذاك العام، وأرسل إلى معتقل في بافاريا حيث توفي بالسل سنة 1942 وهو في الثامنة والأربعين من العمر. وكان قد أرسل مقدماً مخطوطات مؤلفاته إلى الاتحاد السوفيتي، بضمنها مخطوطة البيان الشيوعي مارة الذكر.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top