القضاء العراقي خيار الفرصة الاستثنائية للتغيير السياسي المنشود

آراء وأفكار 2022/08/16 10:47:15 م

القضاء العراقي خيار الفرصة الاستثنائية  للتغيير السياسي المنشود

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن دعوة التيار الصدري لرئيس مجلس القضاء العراقي الى حل البرلمان خلال مدة لاتتجاوز نهاية الاسبوع القادم فجرت تطورا إستثنائيا جديدا يتوافق مع متغيرات المرحلة المستقبلية التي سيكون للشرعية الشعبية الديمقراطية دورها الحيوي في إعمال تغييرات دستورية – سياسية جذرية تلبي جزءا يسيرا

ولكنه مهما من مطامح، حقوق وحريات الشعب العراقي الاساسية في بناء نظام سياسي ديمقراطي “حقيقي” بعيد كل البعد عن مرحلة ماقبل 2003 (نظام استبدادي دكتاتوري) أو مابعده حيث تصاعدت الصراعات السياسية الحزبية من خلال ممارسة دور مقيت للمحاصصة السياسية- الدينية – الطائفية – القومية – العرقية – القبلية والجهوية. تطورات أخرى جوهرية يقتضي إزالتها ترتبط بمكافحة صارمة للفساد بجميع مضامينه (إداريا – سياسيا- ماليا – اقتصاديا وغيره) من خلال شن حرب شعواء على المفسدين الكبار وفقا لنظام قانوني – قضائي رصين بنفس إن لم يكن بأكثر من قوة محاربة الارهاب والارهابيين. لعل مثلا استرداد الاموال المنهوبة من شعبنا وبلدنا على رأس أجندة النظام السياسي القادم بنخبه الوطنية التي يجب أن تتمتع بحس وضمير وطني عال في خدمة البلاد والعباد.

إنطلاقا من ذلك حث السيد مقتدى الصدر (زعيم التيار الصدري) رئيس الجمهورية العراقية على تحديد موعد لعقد أنتخابات تشريعية مبكرة وفق شروط دستورية إبداعية تخرج العراق من مآزق سياسي لابد من تغييره. شروط أعلنت خطوطها العريضة سابقا مضمونها إحقاق الحق والعدل، تلبية الخدمات الاساسية للمواطنين والاهم إصلاح النظام السياسي بعيدا عن أية تبعية للخارج أو للقوى الفاسدة. ترتيبا على ما تقدم يعتقد السيد الصدر أن فكرة حل البرلمان من قبل اعضائه الحاليين ليس واردا نظرا لإن فيه “كتلا متمسكة بالمحاصصة والاستمرار على الفساد ولن يرضخوا لمطالبة الشعب بحل البرلمان”.

إن مقولة السيد الصدر جاءت للرد على مقولة معارضة تستند فقط على الشق الدستوري دون تغيير إيجابي في بيئة النظام السياسي، علما بأن الظروف الداخلية والخارجية التي يمر بها العراق تعد غير طبيعية تتطلب أجراءات قضائية أستثنائية. العبارة المحكمة للسيد نوري المالكي زعيم كتلة القانون أوضحت أن: “لا حل للبرلمان، ولا تغيير للنظام ولا انتخابات مبكرة إلأ بعودة المجلس للانعقاد وهو من يناقش هذه المطالب، وما يقرره نمضي به”. في المقابل ذهب السيد مقتدى الصدر لتاكيد مشروعية وشرعية أنطلاق ثورة الاصلاح الوطنية التي ما فتئ يؤكدها من خلال تغريداته المتكررة ومنها ما توعد خصومه بأن “ يكون لمن اسماهم – الثوار- موقفا آخر إذا ما خذل الشعب مرة أخرى، موصيا أياهم (انصاره) بإستمرار الاعتصامات والثورة”. سواءا اتفقت أم لم تتفق مع أتباع مسار استثنائي قضائي جديد مؤطر بشرعية شعبية دستورية إلا أنه عد موقفا إتسم بروح المبادرة الوطنية هدفه الخروج من مآزق وتداعيات الانسداد السياسي الذي سينعكس سلبا على شرعية وديمومة النظام السياسي.

إن واقعية الطرح الصدري يراد لها أن تقنع أكبر عدد من القوى المجتمعية - السياسية الاخرى بالمنهج الاصلاحي الجذري. موقف أنطلق من رد فعل متوقع للصعوبة الفنية والدستورية الراهنة في تسهيل وتيسير عملية التغيير الدستوري الاصلاحي “الثوري” نظرا لأستمرار الانسداد السياسي المزمن منذ اكثر من 10 اشهر منذ الانتخابات البرلمانية في أوكتوبر 2021 خاصة عقب انسحاب أكبر كتلة فائزة في الانتخابات النيابية عن مقاعدها في مجلس النواب العراقي (73) نائبا. إن الحل الدستوري الراهن يشير إلى المادة (64) من الدستور والتي تقول بإن حل البرلمان يتم فقط من خلال مايلي: اولا: “ موافقة اصوات الاغلبية المطلقة لعدد أعضائه (220 نائب) بناء على طلب من ثلث اعضائه (110 نواب)”، او ثانيا: “بطلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”. سقف عال يصعب تحققه واقعيا خاصة عقب إنسحاب الكتلة النيابية الصدرية من البرلمان العراقي حيث أضحت معظم مقاعدها من حصة الاطار التنسيقي. إن عملية تعويض مقاعد الكتلة الصدرية الفائزة من قبل القوى السياسية المتنافسة صورة شابها التسرع وعدم أخذ التداعيات السياسية السلبية المتوقعة على الصعيد الشعبي والتي أسهمت بدورها بمزيد من الازمات الحياتية “الانسانية” التي من تداعياتها إفتقاد إجراءات بناء الثقة بالنظام السياسي الذي ضعفت شرعيته مع تجاوز كل المدد الدستورية (اكثر من 10 اشهر) هذا من جهة، ومن جهة أخرى ونظرا للواقع الحياتي المليئ بالتحديات كان لابد للعراق أن يواجه أزمات مركبة “إنسانيا” على الصعد الستراتيجية – الاقتصادية – البيئية وغيرها. أزمات اضحت مستدامة تغطي الفئات المحرومة والفقيرة من الشباب العاطلين عن العمل من الجنسين ذكورا وإناثا على مختلف الاعمار حيث ولدت ظاهرة شعبية متمثلة بتظاهرات، إعتصامات ومعارضة شعبية – دستورية “ديمقراطية” واسعة تبناها اولا التيار الصدري ومن ثم اسهمت بها قوى أخرى مساندة شعبيا له تتضاعف اعدادها مع كل يوم إعتصام يمر ببلدنا.

ترتيبا على ذلك، فأن انتفاء أمكانية حل البرلمان بنفسه ليست متوقعة لإسباب ومبررات قانونية أوواقعية عدة لكنها بنفس الوقت فرصة قد تعطي مساحة أوفرصة أضافية لإيجاد حل أو حلول إستثنائية تستجيب من خلالها المحكمة الاتجادية العليا للحراك الجماهيري من خلال آليات لتعديل المسار السياسي مقرة تقديم طعون قانونية في حالة طرح الخيار الثاني متمثلا بطلب مقدم لرئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية على حل البرلمان. لعل الهدف هنا أن تتوفر فرصة إستثنائية للقضاء العراقي لأتخاذ أجراءات إستراتيجية مهمة لتعديل أو تصحيح المسيرة الدستورية – السياسية بصورة تدخل للمحكمة الاتحادية العليا أو مجلس القضاء الاعلى من خلال توفير ضمانة قانونية – قضائية لكل من يستهدف التعسف باستعمال مثل هذا الحق من قبل أعلى مسؤوليين تنفيذيين في الدولة العراقية (رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء). كما أن هنالك فرصة استثنائية أخرى وفقا لبعض خبراء القانون الدستوري للاعضاء المستقيلين من الكتلة الصدرية لتقديم طعونا قانونية تؤكد بأن قبول استقالاتهم السابقة ليست قانونية. مسألة ربما تحتاج للمزيد من التعمق بما تمثله من تداعيات. إلا أن مما لاشك فيه من منظور آخر يتبين أن طلبات التدخل القضائي لحل البرلمان ستصل ربما لإرقام عالية جدا تعكس حالة عدم الرضا عن الوضع الدستوري – السياسي الراهن الملازم لضرورة إجراء تغيير حقيقي جوهري للنظام السياسي في مرحلة لاحقة.

في تقديري المتواضع لابد من بلورة أطار شعبي واسع مدني مستقل يضم جميع مواقف الكتل والاحزاب السياسية والشخصيات التي تتوافق مع الطرح الصدري الوطني خاصة وإنها في أغلبيتها الساحقة تتدعي التصدي السلمي للتحديات المتآزمة الراهنة تفعيلا للارادة الوطنية للتغيير الايجابي الحقيقي دون تردد من خلال المضي قدما مع تيار الشرعية الشعبية الديمقراطية أكثر منها الدستورية الجامدة التي عبر مايقارب 18 عاما لم تغيير نهج التوافقية التشاركية الدستورية اي المحاصصة المقيتة حيث أن جل همها أنصب فقط على التركيز على توزيع المغانم والمكتسبات السياسية والاقتصادية التي لم يجني شعبنا منها أومن تداعياتها السلبية شيئ ذي بال أو مفيد خاصة وإنها أمتزجت ايضا بسوء الادارة ممتزجة مع ظواهر واضحة مقلقة ومنهكة للواقع الاقتصادي والاجتماعي خاصة مع تجذر لمنظومة الفساد (الاداري – السياسي والمالي / الاقتصادي). وضع تحاول هيئة النزاهة المستقلة بنجاح نسبي تحقيقه. علما بأن الاوضاع العراقية وفقا لمؤشرات عالمية ووطنية لم تجلب سوى مزيدا من الحرمان، الفقر المدقع والبطالة المتصاعدة التي وصلت لمستويات غير مسبوقة حتى بين صفوف ما يعد “كريمة الشعب “ من النخب المثقفة والمتعلمة. ما يعني بصورة وبأخرى من انه لامناص من تقديم حلولا أو تنازلات واقعية اكثر منها تنازلات شخصية حلولا نابعة عن إرادات سياسية فاعلة هدفها خدمة البلاد والعباد بغية تقديم مصلحة العراق اولاعلى كل الانتماءات والهويات الفرعية. فهل وبعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا قرابين لبناء نظام سياسي جديد وفقا للنهج الديمقراطي الحقيقي آن أوان أن تمتع الغالبية الساحقة من شعبنا لأستحقاقاتها. سؤال ولاشك يهم المواطنين جميعا أن يحصلوا على أجابة وافية له كي تنعكس الاقوال افعالا وسلوكيات سياسية قويمة هدفها بناء عراق حضاري على المستويين المادي والمعنوي بما يستحقه ابنائه حاليا ومن قبل أجياله القادمة من شباب المستقبل الواعد.

إن مايعرف بدولة المكونات سواءا وفقا للنصوص او للعرف الدستوري منذ 2003 او مابعد أنطلاق المرحلة الدستورية للعام 2005 لازالت لاتجسد أهمية او اولوية التوصل إلى حالة من الاندماج الوطني الحقيقي يعكس إعلاء مدنية الدولة او دولة المواطنة التي لاتحبذ أنبثاقها قوى ظلامية أو فاسدة إن عاجلا أم آجلا. علما بأن حالة الخلاف السياسي من خلال الانسداد السياسي آخذة بالانعكاس سلبا على تلبية الخدمات الانسانية للمواطنين وفقا لتوصيف أقره رئيس حكومة تصريف الاعمال السيد مصطفى الكاظمي التي افترض وهو محق أن تستمر لشهر واحد ولكنها عبرت حتى الان عشرة اشهر وقد تصل إلى عام منذ إنعقاد الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من أوكتوبر 2021 التي شهدت الامم المتحدة والمجتمع الدولي بنزاهتها رغم ضعف المشاركة الجماهيرية فيها.

أخيرا لابد من تكاثف الجهود السياسية الشعبية الحكومية وغير الحكومية خاصة تلك التي تتسم قواها بالاعتدال من أجل تغيير الواقع السياسي العراقي من أجل تلبية متطلبات مرحلة قادمة مليئة بالتحديات الداخلية والخارجية وما الفرصة الاستثنائية للدور القضائي المحايد والموضوعي إلا فرصة استثنائية مهمة يفترض استثمارها بهدف طرح كل الحلول القانونية الابداعية لتجسير الهوة بين العراقيين جميعا بمختلف أطيافهم الجميلة توجهاتهم المستنيرة طالما استمروا يرتضون نهجا اصلاحيا ثوريا سلميا يستشرف مرحلة مثمرة في مواجهة التحديات الصعبة وصولا للتنمية الانسانية المستدامة في عراق الغد.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top