إلى الذين ولدوا بعدنا ..بريخت

إلى الذين ولدوا بعدنا ..بريخت

قيس الزبيدي\"آه، نحن الذين أردنا أن نعبد الأرض للمحبة/ لم نقدر بالذات أن نكون مـُحبين\".في محاولة منا، رحنا أنا والصديق زياد عبدالله، نقرأ قصيدة برتولد بريشت \"إلى الذين يولدون بعدنا\"، أولاً في قراءة عشوائية، وثانياً في قراءة ذاتية، نختار فيها مقاطع من القصيدة، ونولّفها مع مقاطع أخرى، ونربط مقاطع كنا أغفلنا قراءتها، مع مقاطع ثانية، وهكذا...

وبدا كما لو أننا نقرأ قصيدة لم يكتبها بريشت، لنصل إلى قراءة غير مألوفة، نكتشف عبر \"تغريبها\" مغزاها الراهن.ومن الطريف، وأنا أعود إلى تاريخ القصيدة، أن أكتشف، كيف أن بريشت ركّب القصيدة في ثلاثة مقاطع، ولّفها من قصائد ثلاث، كان قد كتبها ما بين 1934 و1938 وظهرت بشكلها الأخير كمرثاة في مجموعة \"قصائد في المنفى\"، صدرت في كوبنهاغن عام 1939.ويخبرنا زمن المرثاة التي كان موضوعها الرئيس الذاكرة والتذّكر كيف تداخل في بنيتها سيرة \"أنا\" بريشت مع \"أناه\" الشعرية، بحيث تعبر \"الأنا\" المزدوجة عن شكوى سرمدية حول الزمن المظلم. وكيف عكست في سياقها الحالي \"الحاضر والماضي والمستقبل\"، وكيف شكّل مدخلها \"أنا اعيش حقا في زمن مظلم\" علامة فارقة لمفهوم بريشت عن زمن قضاه في منافٍ عديدة:\"كنا نبدّل البلاد أكثر من الأحذية، ونخوض معارك الطبقات بيأس، لأن ليس هناك سوى الظلم وليست الثورة\".هل يمكن أن نعثر في القصيدة على صورة الزمن الذي كتبت فيه؟ وهل يمكن أن نستشف منها صورة ما هو قادم؟ علينا، إذن، أن نقرأ القصيدة من داخلها، من دون أي تأويل، وذلك عبر ترتيب بعض مقاطعها النظمية نثرياً، وربط بضعة مقاطع منها مونتاجياً، لنستكشف صورة لحاضر أسير للماضي، وصورة لمستقبل أسير للحاضر:\"أتيت هذه المدن في زمن الفوضى، حين عمّ الجوع تجوّلت بين الناس في زمن التمرد، وتمرّدت معهم.وعلى هذا المنوال، انقضى زماني/ الذي مُنّح لي على الأرض\".كان هناك من يهمس بأذن الشاعر: كل واشرب يا هذا! وتنعمّ بما عندك! لكن، كيف يتسنى له أن ينتزع ممن يتضورون جوعاً ما يأكله وممن يموتون عطشاً ما يشربه؟ يقال له إن في ذلك حكمة لمن يتعقلون، وعليه أن ينّعم بالحكمة ويصير حكيماً!يرد في الكتب القديمة: من هو الحكيم؟/ إن من ينأى بنفسه عن نزاع العالم/ ويقضي وقته القصير دونما وجل ويستغني عن الشدة ويقابل الشر بالخير/ ولا يقضي شهواته/ بل يتناساها/ يُعّد من الحكماء.كيف يقضي من يتمرد أيامه على هذه الأرض: يتناول طعامه بين المعارك، ويخلّد إلى النوم والراحة بين القتلة، ولا يجد أمامه سوى طرقات تفضي به إلى الوحل، لكنه يُمني نفسه بأن الحكام كانوا سيشعرون، دونه، بأمان أكثر! ولا يبقى أمامه سوى أن يطلب الغفران ممن سيأتي بعده: \"يا أنتم، يا من ستطلعون من الفيضان/ الذي غرقنا نحن فيه/ تذكرواإذا ما تحدثتم عن ضعفنا/ الزمن المظلم/ الذي فلتّم منه/ حينما سيأتي الأوان/ ويصبح الإنسان عوناً للإنسان أذكرونا/ بتسامح!\"إليكم كامل القصيدة:إلى الذين يولدون بعدناأنا أعيش حقاً، في زمن مظلم!الكلمة الطيبة تبدو غبية. والجبين الناصعيدل على انعدام الحس. والضاحكلم يتسلم بعدالخبر الرهيب.يا له من زمن، يكادالحديث فيه عن الأشجار يكون جريمة،لأن الصمت يطوّق جرائم لا تحصى.والذي يجتاز الشارع هنا بهدوءلا يمكن مخاطبته من أصدقائهالذين هم في عوز!صحيح: أنني ما أزال أكسب قوتيلكن صدقوني: إنه من باب المصادفة. إذ لا شيءمما أعمله، يخولنيأن أشبعونجاتي هي مصادفة أيضاً (إذا ما تخلى عني الحظ، فأنا هالك)ثمة من يقول لي: كل واشرب يا هذا! وتنعمبما عندك!لكن كيف يتسنى لي أن آكل وأشرب بينما أنتزعممن يموتون جوعاً ما آكلهوممن يموتون عطشاً ما أشربه؟ومع هذا فأنا آكل واشرب.بودي أيضاً أن أصير حكيماً.وفي الكتب القديمة ورد، من هو الحكيم:إن من يبعد نفسه عن نزاع العالم ويقضيوقته القصير دونما وجلويستغني أيضاً عن الشدةويقابل الشر بالخير،ولا يحقق رغباته، إنما يتناساهايعد من الحكماء.كل هذا لا أقدر عليهأنا أعيش حقاً في زمن مظلم؟-2-قدِمتُ هذه المدن في زمن الفوضىحين عم الجوع.تجولت بين الناس في زمن التمردوتمردت معهم.على هذه الحال انقضى وقتيالذي منح لي على الأرض.طعامي تناولته بين المعاركوخلدت إلى النوم بين القتلةولم أعنَ بالحب أبداًوشاهدت الطبيعة بنفاد صبر.وعلى هذه الحال انقضى وقتيالذي منح لي على الأرض.على أيامي كانت الطرقات تؤدي إلى الوحل.واللغة كشفتني أمام الجزار.ما استطعته قليل. لكن الحكامشعروا بدوني بأمان أكثر وهذا ما أمنّي نفسي بهوعلى هذه الحال انقضى وقتيالذي منح لي على الأرض.كانت الطاقات شحيحة، وكان الهدف نائياً جداً.وبدا بوضوح، لي td الأقل،صعوبة الوصول.وعلى هذه الحال انقضى الوقتالذي منح لي على الأرض. -3-يا أنتم، يا من ستطلعون من الفيضانالذي غرقنا نحن فيهتذكروا أيضاًإذا ما تحدثتم عن ضعفناالزمن المظلمالذي فلتم أنتم منه.وإذا ما كنا نغيّر البلادأكثر من الأحذية،ونخوض حروب الطبقات بيأسفلأنه لم يكن هناك سوى الظلم وليست الثورةغير أننا كنا أثناء ذلك نعرف:إن الكراهية الموجهة ضد الدناءة، أيضاًتشوه الطباع.وإن الغضب الموجه ضد الاستبداد، أيضاَيجعل الصوت مبحوحاً.آه، نحنالذين أردنا أن نعبد ا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top