بـرتـولـد بـريـخـت في الذاكرة

بـرتـولـد بـريـخـت في الذاكرة

فيصل الياسريوصلت برلين اول مرة عام 1959 في الذكرى السنوية الثالثة لوفاة برتولد بريخت الكاتب الاكثـر تأثيرا في المسرح  العالمي خلال القرن العشرين ! والاكثـر اثارة للجدل والاختلاف حتى في فهم مفاهيمه المسرحية التي ما زال بعضها - مثل التغريب والمسرح الملحمي -

 يكتنفه الغموض عند بعض العاملين في المسرح ، ومما زاد من هذا الغموض ذلك الارباك الذي سببته تلك الشروح القاصرة التي تطوع بعرضها بعض من حاولوا التظاهر بانهم يفهمون بريخت ويحبونه ! اضافة الى التشويه المقصود الذي تعرض له مسرح بريخت بسبب العداء السياسي له من الاوساط المهيمنة على الفكر والاعلام في الغرب لتبرير منع عرض مسرحياته في المدن الغربية لمواقفه الفكرية والايديولوجية اليسارية !! فحرموا المشاهدين طوال عشرات السنين من اعماله العظيمة التي عادوا الان وبعد خمسين سنة على وفاته الى الاعتراف بها وتقديمها على جميع مسارح العالم ( كتب بريخت 48 مسرحية و1334 قصيدة وعشرات الكتب والبحوث الفكرية ) والان حتى اولئك الذين كانوا يبخسونه حقه يتحدثون عنه ككاتب عظيم ، بما في ذلك السياسيون ، وها هي مثلا المستشارة الالمانية ميركل تتحدث رسميا عن بريخت بمناسبة الذكرى الخمسين لوفاته فتقول ( كان بريخت رجلا يساريا مؤمنا بانتمائه الى الىسار.. وكانت اعماله تدرس بالمدارس .. كان مفكرا حرا , وهذا ما جعله رجلا مهما )عندما توفي بريخت في 14 /8/1956 كنت في فيينا ، فذهبنا ، يوسف العاني وانا ، الى مسرح سكالا ، المسرح الوحيد الذي كان يعرض في فيينا اعمال بريخت ، وانبهرنا يومها بعرض مسرحية( حياة غالىلي ) لبريخت من اداء واخراج الفنان المبدع فولفغانغ هاينس الذي كان قد ترك دراسة الدين واللاهوت وعمره 17 سنة ليمارس التمثيل ، فيصبح من عمالقة المسرح الالماني مخرجا وممثلا ، كما مثل مبكرا في السينما ( مثل في فيلم نوسفيراتو / من اوائل افلام الرعب في تاريخ السينما- 1921) وكان هاينس قد تولى من 1948 الى 1956 ادارة مسرح سكالا في فيينا فحرص - وكان مفكرا شيوعيا واعيا - على تقديم مختارات من افضل المسرحيات العالمية لبريخت وغيره مما كانت المسارح الاخرى تحجم عن تقديمها ، ثم انتقل بعد غلق مسرح سكالا لاسباب سياسية ، الى برلين حيث عمل مخرجا وممثلا قديرا ومديرا لعدد من المسارح الالمانية وقد زرته عام 1962 وهوعميد المعهد العالى للمسرح في برلين فحدثني عن المفاهيم الجديدة في تعليم التمثيل ، وحضرت معه عدة تمارين على المسرح وهو يؤدي الملك ليير او شارلوك او ناتان الحكيم ( توفي فولفغانغ هاينس في 30/11/1984 )..كانت اذن زيارتي الاولى لمسرح بريخت المعروف باسم ( برلينرانزامبل ) عام 1959 في الذكرى السنوية الاولى لوفاته , وشاءت المصادفات ان اتعرف على المخرج الالماني الكبير لوتار بيلاغ الذي تبرع لمساعدتي عندما وجدني كثير الالحاح , دون جدوى , للحصول على تذكرة دخول لتلك الليلة لحضور مسرحية ( الام كوراج – شجاعة) فتطوع- بعد ان تعرف علي وعلى مشكلتي - بادخالى لاجلس على احد المقاعد المخصصة للفرقة !! فكان على ان امر من مدخل الممثلين ، فاصطحبني الى مقهى خلف الكوالىس خاص بالعاملين ، وهناك تعرفت على الشهيرة هيلينا فايغل ، زوجة بريخت منذ عام 1929 ، والتي جسدت الكثير من الادوار النسائية التي لا تنسى ، وكنا سنراها في تلك الليلة بدور الام شجاعة ، وحيث ان العرض لم يبدأ بعدا اجلسني بيلاغ الى طاولة هيلينا فايغل ، وسالتني فيما اذا كنا في العراق نعرف بريخت ، فاندهشت عندما اعلمتها بانني قمت باول ترجمة لبريخت الى العربية ، كتيب صغير صدر في بغداد عام 1958 تحت عنوان (التجربة) ضم قصصا واشعار واغاني لبريخت ، وبعد هذا الخبر الموجز هتفت هلينا فايغل بفتاة كانت تقف بالدور وطلبت منها ان تضيف الى طلباتهم كوب شاي (لضيفنا من بغداد ) .. وعرفت فيما بعد ان تلك الفتاة التي ناولتني الشاي هي الممثلة برباره بيرغ ، ابنة بريخت ( وهي الان وريثته الوحيدة بعد وفاة امها هلينا فايغل في 6/5/1971) كان لقاء المصادفة ذاك بداية علاقة طيبة لي مع عائلة بريخت الخاصة ومع فرقته المسرحية ، حيث تعرفت فيما بعد على الممثل النابغة ايكارد شال ( توفي في 3/9/2005 ) زوج ابنة بريخت الممثلة بربارة بيرغ ، حين جمعتني به سهرة تلفزيونية من اخراج لوتار بيلاغ الذي كان من من دواعي سروري ان ارافقه في الستينات في اعمال كثيرة لصالح التلفزيون الالماني بصفتي مخرجا منفذا ، ومن ثم بصفتي مخرجا مشاركا في السهرة التلفزيونية ( فتاة بدون مهر) من تأليف استروفسكي ! وكان للمخرج بيلاغ ( رئيس اتحاد المبدعين السينمائيين والتلفزيونين انذاك ) الفضل الاكبر في تعريفي على الوسط الفني الالماني في برلين ، ومشاركتي في اخراج اعمال تلفزيونية مهمة مثل ( الرجل الرابع -1962) لسيمونوف و(هواية الالعاب الزجاجية 1964 ) لتنسي ويليمز ... وعندما اخرجت اول فيلم لي للتلفزيون الالماني بعنوان ( حكاية عبدالله -1963 ) ساعدني في اختيار خيرة الممثلين واقنع عددا من المخرجين بالتمثيل معي وهو منهم !! وعندما جاء عوني كرومي الى برلين ليدرس المسرح ، ادخلته وراء كوالىس مسرح بريخت وعرفته على لوثر بيلاغ فارتبط معه بصدا

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top