شهد الراوي: الاحتفاء يطفئ الشموس السرية للأدب.. وحده الألم يمد الحكايات بالحياة

شهد الراوي: الاحتفاء يطفئ الشموس السرية للأدب.. وحده الألم يمد الحكايات بالحياة

ترى أن من يأتي بلا آباء، يأتي كمعجرة دائماً، فكانت رواية " الحارس في حقل الشوفان" بمثابة "يسوع" الأدب الأمريكي

حاورها: علاء المفرجي

في هذا الحوار تتوجه المدى لإلقاء الضوء، على تجارب بعض الأدباء الشباب في مختلف الأجناس الإبداعية، والمساهمة في إبرازها لفسح الطريق لها.

واخترنا الروائية الشابة التي أثارت جدلا في الوسط الثقافي العراقي منذ صدور روايتها (ساعة بغداد) بين متنبئ ببروز روائية واعدة، ورافض لتجربتها.

شهد الراوي كاتبة وروائية وعالمة أنثروبولوجيا عراقية، لها العديد من المنشورات في الصحف العربية والمواقع الإلكترونية. تم ترشيح روايتها الأولى ساعة بغداد لجائزة البوكر العربية ودخلت في القائمة القصيرة، مما جعلها أصغر روائية تصل إلى هذه القائمة في ذلك الوقت. كما تمت ترجمة روايتها إلى أكثر من 20 لغة. ثم فازت روايتها بجائزة الكتاب الأول في مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب 2018.

ولدت الراوي في بغداد عام 1986، لأبوين عراقيين وتعود أصولها لمدينة راوة الواقعة في محافظة الانبار غربي العراق. اكملت دراستها الثانوية في بغداد ثم غادرت العراق إلى سوريا بعد عام 2003، ثم أكملت دراستها الجامعية في جامعة دمشق وحصلت منها على شهادة البكالوريوس من كلية الإدارة والاقتصاد بإدارة الأعمال، ثم نالت بعدها شهادة الماجستير بادارة الموارد البشرية في نفس الجامعة. وأتمت شهادة الدكتوراه بدرجة امتياز في الأنثروبولوجيا الإدارية سنة 2019 في الإمارات العربية المتحدة. وتقيم حالياً في دبي..

خلال العديد من المقالات والمقابلات، صرحت شهد بأن عائلتها من الطبقة الوسطى، فوالدها أكاديمي وخبير اقتصادي، ووالدتها صيدلانية. تعتبرهما مؤثرين كبيرين في تشجيعها على الكتابة ودعمها طوال مسيرتها.

بدأت مسيرتها من خلال كتابة عدد من المقالات والقصائد التي نُشر بعضها في الصحف والمطبوعات العربية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي استحوذت على اهتمام الجمهور بموهبتها الكتابية. تُظهر شهد، حيث تكتب باللغة العربية بشكل حصري تقريباً. فهماً عميقاً لجمهورها، ولا سيما النساء العراقيات من الطبقة الوسطى، وعموم السكان العراقيين والعرب. انعكست خلفيتها في العلوم الإنسانية، ولا سيما الأنثروبولوجيا، بوضوح في قدرتها على إيصال الأفكار المعقدة من خلال رواياتها التي تمثل التغيرات الفردية والاثنوجرافية في سكان ما قبل الحرب وما بعد الحرب وأثناء الحرب. التي تم التعبير عنها من خلال روايتها الأولى.

في 2016 صدرت روايتها الأولى بعنوان «ساعة بغداد» وتركز الرواية على الصور المألوفة للعراق في الأخبار خلال تسعينيات القرن الماضي لإظهار المعاناة اليومية لسكان العاصمة العراقية في تلك الفترة، وحقيقة أن ينشأ المرء في مدينة مزقتها الحرب. وتتميز روايتها بسرد الكاتبة لأحداث الرواية بشكل يتدرج في تعقيد المفردات اللغوية التي اعتبرها بعض النقاد اسلوباً مبتكراً في استقطاب القراء غير المتمرسين في الرواية العربية. ويصف النقاد روايتها بأنها تحمل جرأة تتجاوز فيها المؤلفة التسلسل المنطقي والزمني للأحداث، حيث تدمج الأحلام والذكريات والأوهام في الواقع والعكس صحيح، لتحكي قصة جيل ولد في الحرب ونشأ في ظل الحرب.

في 2020 صدرت روايتها الثانية «فوق جسر الجمهورية»، تدور أحداث الرواية في العاصمة بغداد، وإحدى الدول العربية المجاورة للعراق، بعد احتلال بغداد عام 2003. وفور صدورها تخطت مبيعات الرواية الطبعة الثالثة، وهي أعلى نسبة مبيعات تحققها رواية بفترة زمنية قياسية. في 2021 ترجمت شهد كتاب «إنقاذ حياة القطة» للكاتبة جيسيكا برودي.

  • حدثينا في البدء عن المراجع والمصادر في الطفولة والنشأة الأولى لدى شهد الراوي والتي جعلتها تتجه الى الكتابة، وكتابة الرواية تحديدا؟ (سيرة الطفولة) .

- هذا السؤال يحيلني إلى شعوري باليأس، والذي يراودني كل مرة أطلع فيها على مسيرة حياة الكاتبات حول العالم؛ قبل أيام، على سبيل المثال، قرأت بعضا من سيرة نازك الملائكة عبر ملحق المدى الأدبي، وتفاجأت بكمية القراءة الممنهجة والمكثفة التي تصدت لها منذ طفولتها، في الأدب والفلسفة والتشكيل مروراً بالكثير من المعارف وهي لم تتجاوز الثالثة عشرة  من عمرها. الأمر نفسه حدث مع فيرجينيا وولف وميري شيلي والأخوات برونتي وبلقيس شرارة واليف شافاق، لكن ذلك للأسف لم يحدث معي.

كنت طفلة تحب الكتابة، هكذا بكل بساطة، أبحث في القصاصات عن جملة يمكنني أن أتعرف من خلالها على كلمات جديدة، وأفتش في مادة الأدب والنصوص عن “محسنات بديعية” تسمح لي باستخدامها مساءً عندما أنكفئ على نفسي مع دفتر يومياتي. بصراحة كل ما قرأته بعمر الطفولة والمراهقة، كان بضع روايات متفرقة في مكتبة تعود لسيدة جارتنا، إذ كانت مكتبتها الكبيرة عصية على البلوغ، لذا اضطررت للهو بالمكتبة الصغيرة “ الديكور” المطلة على مطبخها، والتي تحتوي على بعض الروايات الممزقة والمجلات الأدبية التي تشكو أوراقها من التلف؛ تعودت أن أقرأ روايات مصرية مبتورة النهايات، لذلك كنت أجلس وأتخيل النهاية، وأحياناً أضطر لكتابتها بنفسي؛ مازلت أذكر النهاية التي وضعتها لرواية “وثالثهما الشيطان” لنجيب محفوظ، كانت هذه الرواية هي الوحيدة التي سلمت من مجزرة الأوراق المتضررة في تلك المكتبة الصغيرة، حيث أن الفصول الأخيرة كانت لم تزل بحالة جيدة نسبياً، ولكن جارنا عثر على الرواية بين يدي وتفاجأ أن طفلة تحمل رواية بهذا العنوان. وبخني ثم سحبها من يدي؛ فاضطررت كما هي العادة، أن أعيد كتابة النهاية؛ إنها لعنة الحكايات التي لا تقبل الكشف عن نفسها بالكامل، إنه الهامش الضروري من الخيال الذي غير شكل حياتي وإلى الأبد.

  • نبدأ من تجربتك الأولى التي أثارت ردود فعل خاصة في الأوساط الثقافية أعني (ساعة بغداد)، هل هي استعادة لطفولة نأت خلف عاديات الزمن، وكانت الرواية محاولة لإنتاج هذه الطفولة ولكن هذه المرة بإثارة أسئلة. الرواية مثلما قرأتها أنا.. وجدتها تعتمد لغة مغايرة وأسلوبا جديدا لم يعتده قراء الرواية عندنا، ولغتها لم تتعكز على استعراض المهارات والمبالغة بالمجازات، قدر ما اعتمدت على مشاكسة هذه اللغة بما يربك القارئ، وخاصة في القسم الأول منها الذي يمهد للأحداث التي ستحدث في القسم الثاني منها.. ؟ هل قصدت العمل بهذا الأسلوب أم هو ما قاده نسج الحكاية؟

- نعم أعترف لقد قمت بما يشبه المغامرة المجنونة، بحسب ظني لا يجرؤ الكثيرون على اقترافها خاصة في عملهم الأول؛ توظيف لغة ساذجة، طفولية وبدائية منذ الفصول الأولى، كانت للضرورة الفنية؛ لأنني، هكذا أفهم الحياة بكل هذه الشفافية المربكة. لا يمكنني خيانة لغة طفلة لصالح إرضاء قارئ يتوقع مسبقاً طبيعة العالم الذي سيدخله، ثم يفرض عليه أحكاماً تعسفية. مهمة الكتابة أن تصدم هذا القارئ وتخذل توقعاته وتوقظه من خموله. نعم، تعمدت لغة تطابق تماماً المرحلة العمرية لبطلتي في الفصل الأول؛ تشبه نظرتها المشوشة لمدينتها وصدمتها المبكرة بالحياة وتعلقها المفرط بفكرة الصداقة؛ إذ، على الدوام، تحيلني الصداقة إلى الطفولة. الصداقة عندي هي اقتراح طفولي وستظل كذلك. لأن اختيار صديق هو أول ممارسة للحرية يعرفها الانسان بعد لحظة ولادته، لذلك تأتي اللغة الضمنية للصداقات طفولية، نابعة من لغة الحياة اليومية بكل اعتياديتها، وربما سذاجتها.

  • ​ صدور هذه الرواية شهد انقساماً حاداً بين مؤيد ،وبين رافض، لها، بموقف مسبق عُبر عنه بشكل انطباع غاضب، ربما بسبب العمر أو لكونك انثى.. ما تعليقك على الجدل الذي حصل بعد صدور الرواية؟

- بصراحة وجدت أنها تجربة مختلفة، مروعة ومفزعة وملهمة في الوقت نفسه؛ أن تكتب رواية تلاقي نجاحاً واسعاً وتحصد جوائز عربية وعالمية، هكذا بكل هذه البساطة ستنتهي الحكاية؛ قصة نجاح بليدة وغير قابلة للاستمرار؛ كنتُ سأصبح بطلة منسية آيلة للتفتت إن كانَ “هذا كل ما هنالك” كما تقول السيدة دالاواي؛ الحياة ليست بهذه السطحية البالغة الرهافة، والنجاح لا يمكنه أن يأخذ شكلا أسطورياً أو يغرس نفسه بالتاريخ عنوة دون أن يعالج بتجربة مريرة من هذا النوع، كان لابد للألم من أن يأخذ مكانه في رواية مشوقة؛ فكر بها بهذه الطريقة، كاتبة شابة تكتب روايتها الأولى وتنبثق من الفراغ ثم تحقق نجاحاً كبيراً من الرواية الأولى؛ أينَ هي الحبكة؟ ما هي الجروح السرية التي ستمنح هذا النجاح بعداً إنسانياً؟، كيفَ يكون الأدب بهذا اللطف المتبلد؟ والسهولة المبتذلة!

لو لم تمر الرواية وصاحبتها بكل هذه المعاناة بالتساوق، مع سطوع ضوء هذا النجاح الذي يعمي القلب ويجفف الموهبة، لانتهت قصة ساعة بغداد من الفصل الأول؛ فالاحتفاء يطفئ الشموس السرية للأدب. وحده الألم، يمد الحكايات بالحياة ويوسع هامش تحققها على أرض الواقع؛ لقد جعلني هؤلاء أنمو عبر الألم؛ نعم مازلت أتذكر ذلك، كم كانَ مؤلماً ورائعاً، لقد منحوني “طولة العمر” وأنا ممتنة لذلك.

  • ​الملاحظ أن الرواية لاقت حماسا من جيل الشباب، الذين سوقوها بأفضل مما يمنحها التسويق العادي انتشارا. ما تعليقك على ذلك؟

- نعم، ربما يكون هذا صحيحا، فقد تبنت شريحة القراء الشباب مهمة التسويق دون أن يدركوا ذلك، لأنهم حماسيون بطبعهم، ولكن الرواية نقدياً توجت بأهم الأسماء ولقيت ترحيبا لدى نخبة من الادباء والمثقفين. من جهة أخرى، فإن فوزها بجائزة أدنبرة وترشحها للبوكر العربية يضع موضوع تسويقها ( الشبابي) محل تساؤل، وكذلك توالي صدور طبعاتها الانكليزية المتتالية، وأود أن أذكر هنا، أنها في اللغة الهندية صدرت طبعتها الرابعة قبل أيام، إذن الموضوع اكثر تشابكاً من مسألة الفئة العمرية التي تحمست لها.

  • بناء على ذلك أرى أن لا أب لمثل هذا النوع من الكتابة، ربما هو تجريب مستمر لابتكار طريقة جديدة لكتابة الرواية، لا يخصك وحدك بل يخص جيلا بدأ يحجز له  مكانا في المشهد الروائي العراقي والعربي؟ ما تعليقك؟

- من يأتي بلا آباء، يأتي كمعجرة دائماً، ولذلك كانت رواية “ الحارس في حقل الشوفان” بمثابة “يسوع” الأدب الأمريكي، ليسَ كل عمل أدبي لديه قطيعة تاريخية مع المدارس الأدبية يعني أنه “لقيط”. بصراحة لا أعرف إن كانت لدينا تجارب جادة مع التجريب في المشهد الروائي الحالي كما ذكرت، لكنها إن تحققت فهذا شيء يبشر بخير. لم تزل تجربتنا الروائية العربية فتية أمام تجربة ضخمة وعملاقة تمتد لأكثر من ٤٠٠ عام  من عمر الرواية الأوروبية. كل ما هو حقيقي يأتي غير مألوف، بتقديري، إن الذوات الانسانية لا تتشابه في رؤية العالم، كما أنها لا تتشابه في التعبير عن هذه الرؤية. ربما عندما تكون صادقاً مع ذاتك وحراً تماما في التعبير عنها ستكون مختلفاً بالتأكيد. ولأنها تجربتي الأولى، ولنسمها مغامرتي الأولى، فقد كنت حرة من كل مرجعية أدبية، ولم أفكر بالأساليب والشروط والتقنيات التي وضعها نقاد الأدب، لذلك ولد الشكل والمضمون الذي يشبهني بدرجة ما ويخالف توقعات القارئ المعتاد على ما يلبي توقعاته.

  • هل تعتقدين أن وصول رواية “ساعة بغداد”، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2018، قد أسكت بعض الافواه، الغاضبة على هذه التجربة، باعتبار انها لم تكن متأثرة بالجدل العام عن الرواية وللأسباب التي ذكرتها؟

- بعض الاصوات لم ولن تسكت ، ستظل تمارس هوايتها المزمنة بانتقاد رواية لم يقرأها اغلبهم. هناك دوافع ليست فنية ولا علاقة لها بالأدب، من بينها أن الكاتبة أنثى، وهذا سبب كافٍ للتعالي على منجزها؛ من قبل الجنسين في بعض الأحيان. هناك مشكلة نفسية تدعى: الإنحياز التأكيدي وهي مشكلة يعاني منها الإنسان الذي يتعرض للمرة الأولى إلى معلومة بطريقة مقنعة ويخزنها عقله على أنها من المسلمات، فترسخ في وعيه مثل عقيدة لا يمكن زعزعتها، وإذا ما تعرض هذا الشخص لمعلومة أخرى تثبت له العكس؛ سينهار تماما ويدافع عن وجهة نظره الأولى، كمن يدافع عن أسوار كرامته الشخصية. أنا، وبعد تأمل الأمر ملياً، صرت أتفهم هذا الأمر جيداً، هناك من تورط في مهاجمة الرواية دون قراءة، وعندما حققت النجاحات المتتالية بقي سجين ورطته وأصيب بما ما اسميه متلازمة “ساعة بغداد” فهو مستفز على الدوام من هذا الاسم، ويستثمرأي فرصة متاحة لمهاجمتها لكي يقمع صوته الداخلي، الذي يقول له: حسناً هاهي تنجح وتترجم وتحصل على الجوائز، ماذا عنك؟

  • ​ روايتك الثانية (فوق جسر الجمهورية) كتبت – كما ذكرت - بنفس السيرة الذاتية للمؤلفة، وإن تحايلت بإضافة أحداث وشخوص في متن هذه السيرة. ما مدى إصابة هذا الرأي؟ وهل انت مع ما قاله بيدرو المودوفار من أن​“الروائي يعيش تجربته الخاصة والمختلفة في جوانبها عن باقي التجارب. وإذا ما أهملنا هذه التجربة يتحول كل ما نكتبه إلى تناص بارد مع ما كتب قبلنا.

- في البداية، دعنا نتفق على نهاية أسطورة النص البريء، ذلك العمل الذي ينجو من ما يسميه النقاد “قلق التأثير”  فكل عمل، مهما كانت درجة أصالته هو متورط بمستوى ما بمجال قراءات الكاتب. الان دعنا نتحدث عن الاختلافات الجوهرية بين كاتب وآخر، هذا هو المهم في القصة، حيث المكان الذي نسميه الإبداع، فما هو الشيء الذي يميز ايزابيل اللندي عن توني موريسون؟ وما هو السر الذي يجعل من ماركيز وكونديرا مختلفان بعبقريتهما؟ هذا هو الجانب الخفي في شخصية الفرد الذي نسميه مبدعا، والذي نستطيع أن نشير باصبعنا إلى بصمته الخاصة وتوقيعه الذي لا يشبه توقيعا سواه. هل هي حياته الخاصة؟ هل هي قراءاته المختلفة؟ أم حاصل هذه الحياة مع تلك القراءات؟ الجواب الفوري سيكون مغامرة غير محسوبة العواقب، سيكون جواباً اشبه بقلق السؤال نفسه، النصوص الباردة التي يتحدث عنها سؤالك، ينقصها أمرمهم وضروري، بل وحاسم؛ وهو” حرارة الهواجس الشخصية بالاضافة الى الابداع»، اذ ان تلك الكتابات أقل ما يمكن أن نصفها به هو أنها كتابات تلفيقية تفتقر للمشاعر ، الشرط الأساسي لكل عمل ينبض بالحياة .

  • في (فوق جسر الجمهورية) طفولة تتضوع بدخان الحروب، حروب تجبر النوارس على الفرار، وامرأة تمشي على النهر لتطمئن على جسور بغداد، هل هناك من تأثير ما بالواقعية السحرية؟

- قبل أيام كنت اقول لصديقة كاتبة من بلد عربي، ما هي الواقعية السحرية؟ هل حقاً هناك اتجاه روائي تنطبق عليه هذه المقولة؟ ثم هل فكر بها ماركيز قبل أن يبدأ مشروعه الروائي العظيم؟ ماذا نعني بها؟ هل نقصد تداخل السحر مع الواقع ؟ أم الخيال مع الحقيقة؟ ماذا نسمي الرواية من دون خيال؟ وكم هي حقيقية بدون استدراج الواقع؟ أعتقد أنني في “ فوق جسر الجمهورية” حاولت إعادة تأليف الوقائع، بمعنى عمل مونتاج للحظات متفرقة من تجربتي الحياتية. وفي مناطق ما من جسد الرواية دخل الخيال ليلعب دوره، هل تصدق أنني، عندما كنت طالبة في ثانوية العقيدة، كنت أتخيل ليلاً أن ماركو موظفة الخدمة ( وهذا اسمها الحقيقي بالمناسبة ) تمشي فوق سطح النهر؟ إن حياتنا توجد في ذاكرتنا، وهذه الذاكرة ليست كاميرا هاتف تنقل الأشياء كما هي، أنها أوهامنا واحلامنا وتمنياتنا وتوقعاتنا وهلاوسنا كذلك. أحسب أن خيالي منفتح على احتمالات كثيرة، أشعر بها وأحياناً أعيشها دون أن أحاول التأكد من جودة تحققها، حياتي الشخصية هي الواقعية السحرية التي تنعكس في السرد، أنا أعيش في عالم من التأويلات.. وهذه هي “الحقائق” الوحيدة التي أعرفها في حياتي.

  • يبدو انك في روايتيك تتحدثين عن ملامح انهيار الطبقة الوسطى في العراق إن من جراء عسف النظام السابق أو الحالي؟ ما تعليقك على ذلك؟

- الطبقة الوسطى، كما ذكرت ذلك في متن “ ساعة بغداد” هي الأرض الهشة لكل جنون السلطات غير الطبيعية: الدكتاتورية منها والفوضوية. في الحصار تبددت هذه الطبقة وتحللت إلى شيء من دون ملامح، والآن هي تكافح لتجد لها موطئ قدم بين الثراء الفاحش الذي يقوم على نهب ممتلكات الدولة، والفقر المخجل الذي يعيشه نصف سكان البلد تقريباً.

  • قرأت لك مقالا في مديح دمشق، وكأنك تستبطنين جمال المكان بتفاصيله البسيطة، والمكان بالمناسبة له حيز كبير في روايتيك، هلا حدثتنا عن ذلك؟

- في نهاية هذا الشهر لدي محاضرة باللغة الانكليزية عن الكتابة والمدينة، وأنا افكر بورقتي التي أعدها استعدت هذا الصباح مع نفسي مقولة كلاريسا بطلة رواية السيدة دالاوي لفرجينيا وولف، حيث تردد جملتها الاثيرة عليّ: أنا أحب التمشي في شوارع لندن. دمشق من المدن التي يحب المرء أن يتمشى في شوارعها، فهي فريدة من نوعها، اذ تتأمل ذاتها من خلال تأملك بوجودها، وتفكر بنفسها من خلالك أيضا، مثل مرآة عملاقة، تتشظى ثم تتسرب اليك فيختلط عليك الأمر، من منكما هذه اللحظة استحال الى مدينة؟

دمشق تمنح للفرد لحظة تحقق وجوده وتمنحه في الوقت نفسه حرية أن يكون مع ذاته دون أن يتورط بالكشف عن خصوصيته. أحببت دمشق مثل حبي لبغداد. الشخص الذي عاش في دمشق قبل الأحداث، لا بد له من أن يتألم كثيراً على ما الت اليه أحوالها، لم تزل شظاياها في قلبي. فقد منحتني دمشق سعادات خاصة في زمن شحيح، وأنا مدينة لها بالكثير .

  • خضت مجال الترجمة في (إنقاذ حياة القطة) .. هل هو مجال آخر تجربه شهد الراوي؟

- الترجمة ممارسة جمالية ساحرة وشاقة في نفس الوقت. “ إنقاذ حياة القطة” رحلة ممتعة وكتاب مميز أحببته وقررت في لحظة مجنونة الاقدام على ترجمته بتشجيع من صديقة غالية على الروح، استطاعت أن تحثني على العمل حتى نهاية الرحلة. لا أعتقد أنني سأعطي الترجمة الكثير من وقتي، فهناك مترجمون محترفون ومبدعون لم يدخروا جهداً في إغناء مكتبتنا بالاصدارات الحديثة .

  • ​ما مشروعك الروائي الجديد؟

- منذ عامين، أعمل على كتابة رواية لا تريد أن تنتهي، وهي تجربة مختلفة مضموناً واسلوباً. تماديت في جرأتها سواء بخلط الواقع مع الخيال أو اللعب على المشاعر الدفينة لبطلاتي، حد أنني لا أعرف كيف اخرج من عالمها وأقول : كفى.

تعليقات الزوار

  • واضح أن الكاتبة تعرف ماذا تريد وتتحدث بثقة عن مسار تجربتها أنا قرأت لها ساعة بغداد ولكن لم أقرأ كتبها الاخرى تستحق الإشادة والتقدير

  • ايداع وامتاع بقراءة هذا الحوار ….

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top