جاسب عبدالمجيد*
في كتابه " لماذا كرة القدم مهمّة " يروي أسطورة كرة القدم البرازيليّة كيف وحَّدَتْ هذه اللعبة الشعب البرازيلي، وكيف عرّفتْ العالم بالبرازيل الذي كان بلداً مغموراً إلى حدٍّ ما، وفي الفيلم الوثائقي " بيليه.. ولادة أسطورة"
يروي الأسطورة وعدد من اللاعبين والإعلاميين من أبناء جيله كيف يستغلّ السياسيون الفاسدون النجاحات والأحداث الرياضيّة لتحسين سُمعتهم أمام عدسات الإعلام، ويظهرون بأقنعة النزاهة والإخلاص والوطنية، وهُم غير ذلك. يقول بيليه: " لقد صنعتُ لأجل البرازيل بممارستي كرة القدم أكثر بكثير ممّا صنع السياسيّون."
حقّق الشعب العراقي إنجازاً رائعاً في خليجي 25 وأظهر معدنه الأصيل وعبَّر عن وحدته وأبلى بلاءً حسناً في البيوت والملاعب والأسواق والشوارع، وغنّى وابتهج، وكانت البصرة مكاناً مناسباً لهذا الإبداع. كان على مجلس الوزراء أن يعقد جلسته في هذه المدينة لمعالجة إحدى المشكلات الجوهريّة التي يعانيها البصريون، وهي المشكلة الصحيّة. فالمستشفيات العامّة في البصرة تعيش في العصر الحجري القديم، وكان على مجلس الوزراء أن يتّخذ خطوة ولو خجولة ونقلها من " الحجري القديم إلى العصر الحجري المتوسّط".
في هذه المستشفيات، يجلبُ المريض معهُ قنينة المغذّي وحبّة الدواء والأبرة وأنبوب القسطرة وكلّ المواد المطلوبة، والأطباء المقيمون يخجلون من مواجهة المرضى بسبب سوء الخدمات. لا أقصد النظر إلى مشاكل البصرة وحدها، بل اختيار الفيحاء قاعدة للانطلاق وتصحيح الوضع الصحي الضبابي في جميع أنحاء العراق.
كان قرار مجلس الوزراء الخاص بتخصيص قطع أراض للاعبي المنتخب الوطني في العاصمة بغداد مناسباً جداً، وهو قرار محفّز، لكن قرار منح اللاعبين جوازات سفر دبلوماسيّة عليه أكثر من علامة استفهام، لأن العالم ينظر إلى بعض حاملي الجواز الدبلوماسي العراقي على أنهم جزء من منظومة الفساد، لذلك فإن هذه السُمعة السيّئة ربّما تلتصق بلاعبي المنتخب بصورة أو بأخرى. قد تكون هناك وجهة نظر مغايرة، بالتأكيد سأحترمها حتى وأن أختلف معها.
أما في المجال الرياضي، فعلى اتحاد كرة القدم أن يتّخذ خطوات حاسمة بعد خليجي 25، منها عدم السماح للاعبي فرق الفئات العمريّة في الأندية العراقية ممارسة كرة القدم في حال تركهم الدراسة، فمن المؤسف، شاهدنا خلال العقدين الماضيين أن كرة القدم تخرّج لنا نجوماً غير متعلّمين، وكما هو معروف، فإن عمر اللاعب قصير في الملاعب. إن ربط ممارسة الكرة بالتعليم أمر ضروري لمستقبل العراق واللاعب نفسه، خاصّة بعد الاعتزال. لا نريد نجوماً أميين في بلد ترتفع فيه نسبة الأميّة بشكل مخيف.
ستبقى كرة القدم أحّد أهم أساليب مقاومة الشعب ضد الفساد والتقسيم، وستبقى أهم عوامل الوحدة، لأنها تنتصر للعراق.
دعونا نمارس كرة القدم ونشجّعها من أجل بلاد الرافدين، فكرة القدم اليوم أهم وسيلة لفحص وطنيّة الأفراد والشعوب على مختلف ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
*كاتب عراقي مقيم في ميامي
اترك تعليقك