باليت المدى: سوء فهم

ستار كاووش 2023/01/29 10:18:03 م

باليت المدى: سوء فهم

 ستار كاووش

الأفكار المُسَبَّقة غالباً ما تعمي الأبصار، وخاصة حين تخالطها بعض الإيحاءات والإفتراضات الخاطئة، وبذلك تَتَثَبَّتْ أكثر في بعض العقول، وتصبح كإنها حقيقة واقعة. وكل هذا يأتي بسبب حوادث قام بها بعض الأشخاص في هذه المدينة أو ذلك المكان.

فما عليك وأنتَ ترى نفسك كإنك تعيش في موقف يشبه الكوميديا السوداء أو مسرح اللامعقول، سوى التهكم والسخرية كي تمضي بحياتك بهدوء ورويَّة لتعبر بشكل جيد نحو نهاية المشهد. إبتدأ ذلك اليوم، حين فتحت قماش اللوحة من الإطار، ولَفَفتُها بعناية على رول، ثم أدخلتها في باكيت كاتوني ضيق وطويل وأغلقته جيداً، وكتبتُ بعدها على ورقة صغيرة، العنوان الذي سأرسل اليه اللوحة في برلين. كان الجو بارداً بشكل لا يصدق، وكان عليَّ الذهاب الى مكتب إرسال الطرود بالدراجة، لذا لبست طبقات سميكة من الملابس، ولففتُ رقبتي جيداً بشال سميك وغطيتُ رأسي بقبعة صوفية معتمة وفوقها قلنسوة الجاكيت، ووضعتُ يديَّ في القفازين. وقبل خروجي أدخلتُ الرول في حقيبة الظهر، كانت الحقيبة أصغر من حجم الرول لذا بان جزء منه خارج اللوحة مثل برج صغيرة. إنطلقتُ بالدراجة نحو مكتب الطرود الذي كان بعيداً عن مركز المدينة، في مكان منعزل، حيث بدت المنطقة فارغة تماماً.

أوقفتُ دراجتي بجانب الجدار، وإتجهتُ نحو باب المكتب وقرعت الجرس، ومن فتحة زجاجية صغيرة وسط الباب، ظهر وجه امرأة تبدو انها تعمل هناك. نظرت المرأة نحوي وتنقلت ببصرها بسرعة بين وجهي الأسمر والقلنسوة والكفوف الضخمة ثم فتحت عينيها على متسعها وهي تنظر الى حقيبة الظهر التي ظهر منها شيء بارز ومريب. ترددتْ المرأة في معرفة هويتي كزائر، لذا عادت من جديد الى الداخل، ولم تمض لحظات حتى ظهر رجل ضخم خلف زجاج الباب، وقد نظر اليَّ بريبة أيضاً وأنا أطلب منه أن فتح الباب. تردد الرجل لحظة، فيما البرد يفترسني في الخارج، فوضعتُ يدي بمحاذاة فمي وقلت له بصوت عالي (عندي طرد بريدي، وأريد إرساله لو سمحت)، ومددتُ يدي نحو حقيبة الظهر وسحبت الرول على طريقة الساموراي، فتردد الرجل أكثر بفتح الباب بعد هذه الحركة. فقلتُ له (هذه لوحة، أريد إرسالها الى برلين).

في النهاية فتح الرجل الباب ودخلت، فيما كان كل موظفي المكتب ينظرون نحوي ووجوهم تقول الكثير. (صباح الخير ياسيدات وسادة، ما أجمل الدفء هنا) هكذا بادرت قائلاً للجميع. ثم وضعتُ الباكيت على الطاولة وحللتُ الشال وعلقته خلف الكرسي الذي جلستُ عليه لأكتب العنوان في الإستمارة المخصصة للأرسال، التي أعطاها لي أحدهم. بعد دقائق من الدفء والجمل القصيرة المصحوبة بنظرات غير مطمئنة.

سألتهم بعفوية (هل يمكنني الدفع نقداً؟)، وهنا بدوتُ لهم كمن يبحث عن مكان وجود النقود في المكتب، فبانت بعض التساؤلات على وجوههم، ثم نظروا نحوي بصمت، قبل أن يلتفتوا نحو بعضهم. أكملت مليء الإستمارة ودفعت الحساب ثم خرجت، وأغلقَ أحدهم الباب خلفي بسرعة. ولم أكد أمضي بضع خطوات نحو دراجتي، حتى عرفتُ بأني قد نسيتُ الشال معلقاً على الكرسي، فعدتُ من جديد، وقرعت الجرس، عندها وقف رجلان خلف الباب وهما يشيران بأيديهما عن سبب عودتي، فأشرتُ نحو رقبتي قائلاً (الشال) فتراجعا قليلاً الى الخلف، لأنهما قد لاحظا حركتي فقط ولم يسمعان ما قلته جيداً. فكررتُ بصوت عالي ( نسيت الشال على الكرسي) وأشرتُ نحو جهة المكان الذي كنتُ جالساً فيه بعمق المكتب إلتفتَ الرجلان نحو الكرسي، وأذا بشالي الأصفر مازال يلتمع هناك. ذهب أحدهما وجلبَ الشال، بعدها فتح الرجل الآخر الباب فتحة تكفي فقط لحجم الشال، الذي مدَّهُ نحوي، فأخذت الشال وشكرتهم على ذلك، وبادلوني إبتسامة من خلف الزجاج. ومضيت نحو دراجتي. وفي البيت نظرتُ الى نفسي في المرآة قائلاً (هكذا تُغيِّرَ القلنسوة والحقيبة والقفازات هوية الإنسان أحياناً، ويصبح ذلك كإنه حقيقة، حين يمتزج بإيحاء غير موجود سوى في بعض الرؤوس.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top