ستار كاووش
كل ما يبدو من إختلافات بين الناس وأصولهم، هو مختلق وليس له وجود. فالفوارق بين البشر إبتدعها بشر آخرون بعد أن إستَلّوها من سياقها البسيط وإستخدموها لإستلاب آخرين، وقد إستثمروا في الغالب تأثير المناخ والظروف البيئية على سحنهم وأشكالهم. فالشعر الأشقر والعيون الملونة مثلاً لم تكن موجودة قبل عشرة آلاف سنة أو أكثر بقليل،
ومع نهاية العصر الجليدي بدأت هذه الملامح تظهر في بعض مناطق أوروبا، ومع مرور الوقت، بدأت تنتشر في هذه الرقعة من العالم، وهذا جاء بفعل الطبيعة وبعض الطفرات الجينية، وليست بطولة إلهية قام بها نفر من الناس. مع ذلك فبعض المرضى ومحبي شهوة التحكم بمصائر البشر، ركزوا على الفوارق وإستغلوها بخبث كي يسيطروا على الآخرين ويتحكمون بهم، وضعوا الطبقات ليستغلوا أبناء جنسهم، بنوا التقييمات الوهمية كي يستعبدوا أخوانهم البشر، حتى لو كانوا في جهة أخرى من العالم ولم يعرضوهم لأية مشكلة أو خطر. فأية بشاعة قام بها هؤلاء الأفاقين؟!
لو إفترضنا جدلاً أن يقوم الآن خمسون مليون رجلاً وإمرأة من أفريقيا بالزواج من خمسين مليون شخصاً من أوروبا، فماذا سيحدث بعد ذلك، وما هي النتيجة التي سيؤدي اليها هذا التزاوج والإنصهار؟ ستكون المحصلة واضحة جداً، وهي إن أشكال الكثير من الناس في العالم بعد عقود قليلة من ذلك، ستقترب من بعضها من جديد، ولونهم يكاد أن يكون واحداً، دون تفرقة ولا فوارق، لا إختلافات ولا تباين في اللون والشكل. وهكذا سيصبح العالم شيئاً فشيئاً، متسوياً والناس تقترب من بعضها من جديد حتى يكادوا أن يعودوا أشقاءً وأبناء عمومة. أهذا حلم؟ وهل هو إفتراض واقعي ويمكن تحقيقه؟ هل هو طموح لعودة الناس للتساوي مع بعضهم البعض، بعد كل ما حدث ويحدث من شعور فارغ بالفوقية وإستلاب للآخر الذي يبدو مختلفاً؟ والسؤال الأهم هنا، أيمكن أن يكون هذا بالنسبة للكثيرين دليل على إن إصول البشر واحدة؟
ترى كم نحتاج من الجهد والوقت، لنحقق المساواة والعدل بين الناس؟ لقد تأخر حدوث هذا الأمر حقاً، رغم إن العدالة بين الناس يجب أن تكون من المسلمات، نعم كان يجب أن يحدث هذا منذ زمن بعيد. ياللدهاء، وياللقسوة التي تربظ على القلوب، وكل ما يفترضه البعض من فوارق بين الناس، لا وجود لها في الأصل! ألا تعود جذورنا كلنا الى نبع واحد وأصل بعيد؟ فما معنى أن يكون اللون مثلاً هو المعيار بين البشر؟ وحتى الديانات التي يَدَّعونَ بأنها توحد الناس، هي في الحقيقة تفرقهم دون هوادة. أنا كرسام أختار غالباً مجموعة من الألوان لأرسم لوحة جيدة، نعم مجموعة من الألوان لكن تكون النتيجة لوحة واحدة ومتكاملة، وهكذا حالنا نحن البشر، علينا أن نستثمر حتى إختلافات الألوان التي حبتنا بها الطبيعة، وبذلك نُكمل بعضنا ونستعيد صورتنا. وإن كانت ظروف الحياة أو الطبيعة قد منحتنا سحنات متباينة، فلماذا علينا أن نختار هذا اللون ليكون أفضل من ذلك؟ من الذي قرر هذا وما هي مكانته (المقدسة) التي سمحت له بهذه التقسيمات؟!
لكن وسط كل هذا، لا يمكننا إغفال بعض التقاربات التي أخذت طريقها الى قلوب الكثيرين، وهذا ما نراه الآن في سعي الكثيرين للإختلاط بأعداد غير مسبوقة مقارنة بالماضي، الذي كانت فيه كل طائفة تنزوي مع بعضها، وكل عرق ينطوي على نفسه وكإن بذلك خلاصهم الأكيد. نعم لقد ظهرت الآن أجيال من الناس، ينتمون الى بلدان وقارات مختلطة، وهؤلاء سيتكاثرون بالتأكيد. وربما سنرى بعد سنوات طويلة جداً طبعاً، إن الناس بدأوا يتقاربون من جديد، بعد أن خرجوا من أفريقيا قبل ٣٠٠ ألف سنة، وطالَتْ ملامحهم وألوانهم التغيرات بسبب الظروف أو بعض الطفرات الجينية. نعم ينبغي على الناس العودة الى بعضهم، وربما يتحتم علينا الإنتظار طويلاً لنرى الناس يتقاربون أكثر وأكثر، ويكادوا أن يكونوا عرقاً واحداً هو الإنسان، في عالم لا عبد فيه ولا سيد، دون فوارق أو طبقات. أَمضي بتأملاتي أكثر، وأتخيل الناس بعد قرون وهم يشكلون مع بعضهم لوحة فسيفساء مذهلة ومتكاملة وباهرة الجمال.
اترك تعليقك