اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > رواية الأدميرال لا يحب الشاي.. الماضي راهناً

رواية الأدميرال لا يحب الشاي.. الماضي راهناً

نشر في: 28 مارس, 2023: 11:36 م

ميادة سفر

يأخذنا الروائي نزار عبد الستار في روايته "الأدميرال لا يحب الشاي" الصادرة حديثاً عن دار الساقي في بيروت، إلى القرن التاسع عشر حيث تتنافس الدول الاستعمارية في حينه على فرض سيطرتها على بقاع من دول العالم، مرّكزاً على مكانين تدور فيهما أغلب أحداث الرواية ما بين الهند والبصرة جنوب العراق،

حيث تبدأ رحلة بطله الأدميرال زيز لانكستر الذي سيسقط حرف "ع" من اسمه العربي "عزيز" وهو المنتمي إلى أب عربي من البصرة وأم هندية تعود أصولها إلى عائلة ملكية من جانسي، حياة مضرجة بالكثير من الجرائم التي سيرتكبها الأدميرال بحثاً عن جاه أو تعبيراً عن ولاء لبريطانيا العظمى "انهمك عزيز لانكستر بالقسوة، لأنه قرر أن يكون إنكليزياً مخلصاً أمام بريطانيا".

كثيرة هي مشاهد القتل والقسوة التي يجدها القارئ بين صفحات الرواية، فيما يبدو المال وحب السلطة الأكثر حضوراً، في تجسيد حي لاستثمار الأزمات والحروب والخروج بأكبر كمية ممكنة من الثروة، "قاتل بشدة من أجل الثراء.. المال هو الذي سيجعلك أدميرالاً حقيقياً"، حيث تمكن الروائي عبد الستار من كشف الصورة الحقيقية للدول الاستعمارية التي عاثت ترهيباً وتدميراً في كثير من الدول لاسيما الهند التي استعمرتها بريطانيا فارضة سيطرتها على كل جوانبها الاقتصادية سواء عبر شركة الهند الشرقية البريطانية التي ستظل حاضرة في تفاصيل حياة الأدميرال، إلى فرض زراعة الأفيون الذي سيصدر إلى الصين لضمان هدوءها لأن: "الصين عملاق نائم، دعها تنام، لأنها عندما تستيقظ ستهز العالم".

ينجع الروائي في دفع القارئ لتدوين الملاحظات والبحث عن الأماكن وربما الشخصيات التي وردت في متن الرواية، من خلال أسلوبه السردي الجميل والشيق والغني بالصور والتفاصيل التي عكست حياة القرن التاسع عشر، يحكي عن تغيرات طرأت على عادات مجتمع البصرة وتحوله إلى مشروب الشاي لفوائده التي سيعددها الأدميرال ويروج لها لاسيما تلك المتعقلة بالقوة الذكورية أكثر ما تهتم به المجتمعات العربية، فضلاً عن ذلك.. لا بدّ سيتوقف قارئ ما متأملاً في الواقع الذي يعيشه اليوم مقارناً ومقارباً بين أحداث صارت في الماضي وأخرى تجري راهناً، ليكتشف كيف تتحكم الشركات ورؤوس الأموال بمصائر شعوب بأكملها، وكيف يتمكن الفساد والجوع والفقر من استباحة كل شيء من البشر إلى الحجر.

"الأدميرال لا يحب الشاي" ليست حكاية عزيز لانكستر آل السفان الذي لا يتوانى في التخلي عن أصله ثم يعود إليه من أجل المال والجاه والسلطة، بل هي حكاية بلاد من الهند والصين وصولاً إلى البصرة حيث تتصارع مصالح الدول التجارية حيناً "المال هو الحاكم الفعلي للوجود"، تتواطأ أحياناً لتتمكن من فرض سيطرتها، فيما الخاسر الوحيد هي الشعوب التي تلذذ الأدميرال في تعذيبها مبتكراً أسلوباً خاصاً به حين "أوجد قانوناً عقابياً هو بتر اليد اليمنى مع الساق اليسرى للرجال، واستئصال أثداء النساء".

تسير الرواية من أول مانشيت يعلن تخلي الباخرة كلاييف عن خمس صناديق من الشاي في ميناء البصرة، وحتى أخر أحداثها وهي تكشف مصير الأدميرال، وفق إيقاعات طبيعية تشي بتمكن الروائي نزار عبد الستار من أدواته، والتحكم بخط سير شخصياته دون أن يفلت منه تفصيل ولو صغير أو يضيع منه حدث وهو ينتقل مع القارئ ما بين كلكتا والبصرة ولندن، تبدو حيوات شخصياته واقعية على الرغم من قسوتها وبذاءة ألفاظ بعضها، فهي لم تخرج عن طبيعة كل منها بل جاءت ضرورية لتخدم النص وتغنيه.

يقف القارئ متسائلاً وهو يطوي آخر صفحة من حياة الأدميرال الذي لا يحب الشاي، هل القوة هي التي انتصرت في رمزية انتصار الشاي على القهوة، أم هي منافسة تجارية لا غير، يبقى الجواب رهناً برؤية كل منا للأمر من جانبه، ومدى تيقنه أنّ بلادنا ومنذ مئات السنين تسير وفقاً لما رسم لها من الدول العظمى حتى في أبسط الأمور الأكل والشرب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: جولة موسيقية في فيينا

سؤال وجهناه إلى عدد من الشعراء والنقاد : الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري

ماس القصائد: مختارات شعرية استعاديّة

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري
عام

الذكاء الاصطناعي يهدد الذكاء البشري

سايمون ونتشستر*ترجمة: لطفية الدليميإختراعُ اول حاسبة جعلنا نتوقف عن إستخدام جزء من عقولنايعتبر المؤرّخون المعاصرون سنة 1967 سنة مميّزة مثقلة بالوقائع المفصلية: حرب الايام الستة، صيف الحب (إشارة إلى الثورة الشبابية التي عمّت أوربا،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram