بغداد/ تميم الحسن
تفاعل جمهور التيار الصدري مع حملة توقيع «وثيقة التعهد» الجديدة التي اصدرها زعيم التيار مقتدى الصدر للتمسك بخط والده المرجع محمد صادق الصدر، فيما اعتبر هذا الاجراء وكأنه مقدمات للتحشيد الى الانتخابات المحلية المقبلة.
ويكشف مقربون من الصدر عن آلية متوقعة لخوض الاخير انتخابات مجالس المحافظات في حال وافق زعيم التيار على المشاركة والتي تتضمن عدم التحالف مع اية جهة سياسية وهو خلاف ما يتم الترويج له مؤخرا عن وجود مؤشرات لإعادة بعض التحالفات القديمة.
واعتبر مراقبون "وثيقة التعهد" بأنها تعطي تميزا للتيار الصدري عن باقي الاحزاب وخاصة الشيعية، وقد تزيد بالمقابل قلق منافسه "الإطار التنسيقي" الذي حاول تكسير حظوظ الاول بالانتخابات المقبلة عبر الغاء قانون الدوائر المتعددة الذي كان مدعوما من الصدر.
وبدأ "الإطار" مؤخرا بدراسة السيطرة على المواقع المهمة في الدولة وازاحة التيار الصدري من تلك الوظائف التي يقول بانه سيطر عليها في السنوات القليلة الماضية، اضافة الى محاولة ابعاد بعض الشخصيات السُنية التي كانت متحالفة مع الصدر وقطع الطريق امام شخصيات اخرى للعودة كنت قريبة من الاخير الى المشهد السياسي مثل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
التوقيع بالدم
وبدأ أنصار الصدر بنشر صور التوقيع على الوثيقة التي كان قد نشرها ما يسمى بـ"وزير الصدر" والمكتوبة بخط يد زعيم التيار والتي تدعو الى السير على منهج والده الذي اغتيل في عام 1999، ومنع ما يعتبره التيار انحرافات عقائدية مثل مجموعة "اصحاب القضية".
واشتكى جمهور التيار في مواقع التواصل الاجتماعي من بيع الاستمارة في المكتبات بسعر 1000 دينار ودعوا الى تخفيضها، فيما كان حسن العذاري رئيس كتلة الصدر في البرلمان (استقالت في الصيف الماضي) اول من وقع على الوثيقة وبصم عليها بالدم (نشرها في صفحته على توتير).
وأعاد صالح محمد العراقي، المعروف باسم "وزير الصدر"، تفعيل حسابه على "تويتر" (اغلقه قبل أكثر من اسبوعين)، ونشر وثيقة الصدر، وقال إنّ "هذه الوثيقة خطها الصدر وسيتم توزيعها من قبل لجنة مختصة من طريق المكتب الخاص، ثم التوقيع والبصمة عليها".
ودعا العراقي أتباع التيار الصدري إلى "التعاون والانضباط والمركزية وعدم التفرد والتشتت في توقيع الوثيقة، فهناك جهة خاصة ستجمعها لإيصالها إلى مقتدى الصدر بالمباشر".
وتضمنت الوثيقة تعهداً تُكتَب أسماء أتباعه فيه وتوقيعهم والبصم بالدم، وتضمن التعهد العديد من النقاط، أهمها التبرؤ من جماعة "أصحاب القضية" الذين ادعوا "مهدوية مقتدى الصدر"، فضلاً عن الابتعاد عن الطائفية وعدم الانتماء إلى غير العراق، والالتزام بمراجع دينية تتبنى مرجعية الصدرين (محمد صادق الصدر، محمد باقر الصدر أعدم عام 1980).
وتابع: "فانتظروا إني معكم من المنتظرين، وكفاكم أذى لقائدكم مع كل احترامي للمطيعين والمخلصين".
وكان حسن العذاري قد علق على صورة توقيعه على الوثيقة بالقول: "سنرى اي الفسطاطين أكثر عددا واعز جندا واشد ثباتا وأكثر عزما"، وهو ما فسر بانه تحشيد لاتباع الصدر والتحضير لأمر قادم.
وكان الصدر قد استخدم ذات العبارة الاخيرة (سنرى اي الفسطاطين...)، للتمييز بين انصاره وأنصار الإطار التنسيقي اثناء دعوته الى تظاهرة مليونية قبل اشتباكات الخضراء بأيام في نهاية آب الماضي.
وتتسرب معلومات وصلت الى (المدى) بان نشر الوثيقة هو جزء من اعادة "هيكلة وتحشيد انصار الصدر" تمهيدا للانتخابات المحلية المتوقع اجراؤها قبل نهاية العام الماضي.
وبدأت اول ما اعتبرت بانها اشارات لاستعدادات التيار لدخول الانتخابات قبل اقل من شهرين حين قرر نصار الربيعي القيادي الصدري المعروف والوزير الاسبق تقديم استقالته من رئاسة كتلة الاحرار وهو اسم كتلة الصدر التي شاركت في البرلمان السابق.
وبحسب ما قالته اوساط الصدر آنذاك، ان استقالة الربيعي وهو رئيس كتلة الصدر الجديدة التي فازت في انتخابات 2021، هو لفك الازدواج في قيادة كتلتين، حيث لا يسمح قانون الاحزاب بإدارة شخص واحد لحزبين.
وكان هذا قد جرى قبل ايام من توجيه للصدر الى 8 من قياداته بعدم السفر الى الخارج (خلال شهر رمضان الاخير) لـ"وجود امور مهمة تتعلق بالوضع العام والخاص"، بحسب بيان لمكتب زعيم التيار في الحنانة بمدينة النجف حيث مقر اقامة الاخير.
وكان التيار الصدري قد شكل هاجسا مقلقا للإطار التنسيقي الشهرين الاخيرين اثناء مناقشة قانون الانتخابات خصوصا مع انباء اقتراب أنصار الصدر من اسوار المنطقة الخضراء تنديدا بـ"سانت ليغو" الذي اقره البرلمان في آذار الماضي.
لكن عاد "الإطار" بعد ذلك الى تنفس الصعداء عقب اعلان الصدر تجميد تياره لمدة سنة على الاقل بسبب مجموعة "اصحاب القضية" الذين افتعلوا ازمة في اخر ايام رمضان الأخير في جامع الكوفة بالنجف.
وكان يتوقع حينها ان يعود الصدر او انصاره الى الشارع بعد عطلة العيد الاخيرة، الا ان مراقبين وصفوا ما جرى بانه "تأجيل قصير للمواجهة"، واعتبروا ان التحالف الشيعي سيبقى قلقلا لأنه اكثر العارفين بسياسة الصدر الذي قد يتراجع عن مواقفه في اية لحظة.
في الطريق إلى الانتخابات
وعن موقف زعيم التيار من الانتخابات المحلية المتوقعة في كانون الاول المقبل، يقول احد نوابه السابقين لـ(المدى) والذي طلب عدم نشر اسمه، بانه «حتى الان لم تصدر اية تعليمات، لان زعيم التيار كان رافضا لبقاء هذا البرلمان الذي شرع قانون الانتخابات الجديد، وطالب في الصيف الماضي بحله وتشكيل حكومة مؤقتة».
وفي حال وافق التيار على خوض الانتخابات عبر «سانت ليغو» التي يقول النائب بانه (القانون) لن يؤثر على حظوظ التيار، فان الاخير: "لن يتحالف مع اية جهة سياسية ويريد الحصول على اغلبية في بعض مجالس المحافظات ليحقق رؤيته بالأغلبية السياسية" التي كان قد فشل في تحقيقها العام الماضي اثناء محاولة تشكيل الحكومة.
وتتضارب هذه الاقوال مع ما يتم تسريبه هذه الايام من وجود نوايا لإعادة تحالف الصدر مع حلفائه السابقين (التحالف الثلاثي الذي كان يضم جزءا من السُنة والحزب الديمقراطي الكردستاني) وقد يضم هذه المرة التحالف جهات مستقلة او احزاب صغيرة، وهو ربما ما دفع الإطار التنسيقي الى محاولات التضييق على الصدريين.
وتشمل عمليات التضيق بحسب ما قاله قيادي في أحد احزاب "الإطار" لـ(المدى): "اعادة توزيع الوظائف المهمة المعروفة بالدرجات الخاصة على التحالف الشيعي واخذ حصة من غادر العملية السياسية" في اشارة الى التيار.
اضافة الى التلميح بكشف تورط قيادات سُنية بارزة بما يعرف بـ"سرقة القرن" عبر حملة وصفت بـ"الاضخم والاوسع" لفضح خبايا عمليات الفساد، ومحاولة توسيع الجبهة المنافسة لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي تمهيدا لإبعاده عن منصبه بعد اقرار الموازنة.
كذلك من ضمن عمليات التقييد اعادة توزيع مناصب المحافظين على الإطار التنسيقي والسيطرة على المحافظات الثلاث (النجف، ذي قار، وميسان) التي يرأسها محافظون محسوبون على التيار الصدري.
وفي ضربة اخيرة لمحاولات احياء اي تحالف سابق للصدر، فسر مراقبون الانباء عن اصدار مذكرة تحقيق ضد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي على خلفية حادث المطار في 2020، بانه لإبعاد الاخير عن لعب اي دور سياسي لاحق في العراق.
مراجعة المواقف
الى ذلك اعتبر الباحث في الشأن السياسي غازي فيصل اجراء الصدر الاخير بانه «ضمن سياسة النقد الذاتي التي يجريها زعيم التيار بشكل دوري لمواقفه ومواقف انصاره».
وقال فيصل في حديث مع (المدى): "لاحظنا هذا المنهج النقدي في التظاهرات التي شارك فيها التيار بين اعوام 2014 الى 2021، فكان الصدر يذهب دائما الى اعادة تقييم مواقفه ومواقف تياره في القضايا السياسية".
واضاف: "كما ان الصدر كانت لديه رؤية نقدية للحكومات السابقة وان شارك في اغلبها، وكان دائما يهدد بالانسحاب احتجاجا على السياسات الخاطئة، فيما رفض قانون الانتخابات ولديه مواقف ضد العنف، ومن تعديل الدستور، وعن المحاصصة التي اعتبرها تضرب أساس التبادل السلمي للسلطة".
واكد فيصل وهو رئيس المركز العراقي للدراسات الستراتيجية ان "أبرز مواقف الصدر النقدية كانت فيما يخص ملف الفساد حيث كان ينتقد مَن تورط حتى من انصاره بهذا الملف وحساب بعضهم وأصدر بحقهم عقوبات".
اما مايحصل اليوم فيقول رئيس المركز العراقي بانه "اعادة بناء لمواقف التيار ستبقى مستمرة خلال فترة العام التي أعلن فيها الصدر عن توقف نشاط تياره لتنظيم انصاره من الناحية الفكرية حيث يعود بشكل واضح الى المرجعية الصدرية والتي يعتبرها المرجعية الاساسية".
ويعتبر الباحث بالشأن السياسي، ان ما فعله الصدر مؤخرا "سيذهب الى تعزيز مكانة تياره ويجعله متميزا بتقليد مرجعية الصدريين، عن باقي الاحزاب الشيعية وحتى السنية والكردية التي تعتمد بعضها على مراجع متنوعة".
ويتابع: "التيار خلال فترة المراجعة سيعزز فكرة الاستقلال ورفض الاجندات الاقليمية وبنبذ المحاصصة وتقويض مافيات السلاح مما يجعله قريبا من التحالف مع الحزب الديمقراطي والحزب الشيوعي وائتلاف اياد علاوي لبناء منظومة سياسية وطنية وديمقراطية".