كلاكيت: مخرجون وشعراء تاركوفسكي

علاء المفرجي 2023/05/03 09:32:00 م

كلاكيت: مخرجون وشعراء تاركوفسكي

 علاء المفرجي

- 3 -

بنظر نقاد الى تاركوفسكي كواحد من أهم المخرجين الروس.. خلال القرن المنصرم، فبالإضافة الى أفلامه، يعد أيضاً منظراً للسينما، فقد أصبح كتابه (النحت في الزمن) دليلاً للمخرجين الذين أتوا بعده.

بالرغم من قلة أعماله السينمائية، فأن تلك السينما ومؤرخيها يضعونه في مرتبة كيروساوا، وبرغمان، وبونويل، وبازوليني والقلة الأخرى التي لا خلاف على موهبتها العميقة وعبقريتها الفذة.

فمن معطف ميخائيل روم ذلك المنتمي الى جيل مبدعي الأفلام السينمائية، خرج أندريه تاركوفسكي وكان لابد له وهو الموهوب أن يصنع أشرطة مختلفة خاصة وأنه يدرك أن الإبحار في موج (السينما السوفيتية سابقاً) التي أذهلت عشاق السينما بمنجزها أمر تكتنفه الصعاب ويتطلب قدراً كبيراً من المغامرة.

تاركوفسكي الذي رحل منتصف الثمانينيات مثله مثل قرينه الايطالي بيير بازولليني اهتم بالشعر وكتبه، وكان الإثنان كانا تجسيداً للصرخة التي أطلقها أورسن ويلز حين قال إن (الفيلم لا يكون جيداً إلا حين تكون الكاميرا عيناً في رأس شاعر) وهو الأمر الذي منح أفلام تاركوفسكي خاصية الشعر وتحريضيته، وكان أن منع فيلمه الأول (اندريه ربولوف) داخل بلده برغم استحواذه على أكثر من جائزة في الخارج.

وأذا لم يكن الشعر شفف تاركوفسكي، على الرغم نتاجه الشحيح في هذا المجال، إلا أن عالم والده الشعري بوصفه أحد اهم الشعراء الروس في النصف الأول من القرن الماضي، فالابن استلهم قصائد أبيه في أفلام "المرآة" و "ستوكر" و "الحنين"، واستخدم بعضها مسجّلة بصوت الشاعر، مثل هذه القصيدة التي كان عنوانها "يوم أبيض" هو العنوان الأوّلي للفيلم الذي سيبني فيه الابن ذاكرته الشخصية من أحلام يقظته وتأملاته، قبل أن يتحوّل إلى "اعتراف" ثم يستقرّ على "المرآة».. كما يرى الشاعر الكردي السوري جولان حاجي.

إن أهمية سينما تاركوفسكي تكمن في جمال تلك السينما وشاعريتها، وفي مثل هذا النوع من السينما يواجه المتفرج تماسك البناء الفني-الفكري الذي يخلقه المخرج (الشاعر والفنان) وخروج هذا الإبداع كتعبير كامل ليس فقط عن مكنونات صاحب العمل بل عن الرغبة في خلق سينما مختلفة. في فيلم (المرآة 1974) يتيح تاركوفسكي للشعر أن يتفجر في عمل سيمي.

ففي بداية الفيلم امرأة جالسة بالقرب من بيت في غابة ونظرها ممتد الى الحقول التي تتمايل نباتاتها بفعل الريح وكأنها تنتظر شيئاً ما... يقترب منها طبيب يتحدث معها تنشأ علاقة دافئة بين الاثنين يفكر الرجل بحزن يقف وينظر وراءه وكأن أحداً ناداه، لكنها لم تكن سوى الريح.

في هذا المشهد يتعامل المخرج مع حس شعري حاد فهو من المخرجين الذين يؤلفون أفلامهم تأليفاً، ويحول الموسيقى والشعر والسياسة الى صور مرئية تكون طبيعية مرجعية لها.

إن ما يجمع شخصيات تاركوفسكي أنها شخصيات مبدعة والشعر غالباً ما يكون سمة إبداعها.. وهكذا تراها شخصيات تعيش قلقاً وتمزقاً بين ما هو يومي وما هو فلسفي، بين الروحية والمادية مكونة رفضاً داخلياً.

في فيلم (سولاريس 1972) كان أكثر أيماناً بدواخل الإنسان، حيث يكتشف الحقيقة بسؤاله عن العلم الذي يبدأ كخطوة لصالح الإنسان وسرعان ما ينقلب ضده.

أما في فيلم (تضحية) فأنه يأخذنا الى عالم الرجل الذي يعيش عصراً غير إنساني.. في هذا الفيلم يسبر تاركوفسكي أغوار الشخصيات ويفصح عن دواخلها بمرايا شاعر ويقدم شريطاً مليئاً بالرغبات والهموم الإنسانية.

في فيلم (حنين) وهو أخر أعماله تتعامل الشخصية الرئيسة مع الصراع الداخلي بصمت وتسعى الى الغاء الحدود في الزمن، البطل هنا مدرس وباحث موسيقي يذهب في زيارة لقرية إيطالية يقتفي أثر حياة موسيقار روسي زار القرية نفسها قبل قرنين ينتاب هذا الموسيقار ألم وحنين الى بلاده، يتكرر الشيء نفسه مع الباحث.. يكفي أن نقف عند معنى عنوان الفيلم ومدلول هذه الكلمة في العربية، خاصة إذا ما عرفنا أن تاركوفسكي قد درس العربية وأتقنها.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top